إفريقيا بين الرأسمالية و”الاستعمار الجديد” ج 1

قبل أكثر من 100 عام، كان كثيرون لا يزالون يستجيبون للتطورات في الأفكار والمواقف والمعتقدات والنوايا الاقتصادية لدى المسؤولين، بدءا من مجرد التبرع بالمال إلى الاندماج في الإيديولوجية الرأسمالية وتشكيل ظروف استهلاكية محددة. وكنت أتوقع أن “الأنشطة الخيرية” هي التي تشجع على الانخراط في الأعمال الخيرية. سوف تتطور. ولا تقتصر الأهداف على الفقراء فحسب، بل تشمل البلدان والمناطق أيضا.

ومع هذا التطور ظهرت نظريات تدعم وتنتقد هذه العلاقة، مما أدى في النهاية إلى ظهور مصطلح «الرأسمالية الخيرية» لوصف هذه العلاقة. يشرح النقاد هذه العلاقة من خلال تقديم الرجال الغربيين البيض أنفسهم كمنقذين من المعاناة. عرق بشري. الناس في البلدان النامية.

وفي الوقت نفسه، كان رؤساء مثل بيل جيتس وأتباعهم يديرون جمعيات خيرية بعقلية تجارية، ويطلقون عليها اسم “الرأسمالية الإبداعية”.

منذ عام 2006م، أطلق بيل جيتس العديد من البرامج في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بناءً على رؤيته الخاصة للعمل الخيري والتي تستهدف قطاعات متعددة مثل الزراعة والصحة والتكنولوجيا والتعليم. بالنسبة لأولئك الذين يرونها كآلية لتحرير الفقراء الذين يعيشون في فقر، فهي شكل من أشكال الاستعمار الجديد.

المبحث الأول: الرأسمالية الخيرية وروادها.. بيل جيتس نموذجاً:

كان بيل جيتس أول من وصف أسلوب عمل النشاط الخيري المدار بالطريقة التجارية في قالب نظري، وكأنه حاول تلطيف تطرف الليبراليين الجدد من خلال طرح رؤيته تلك التي أسماها «الرأسمالية الخلاقة»:

أولاً: الرأسمالية الخيرية.. نظرياً:

نرى الكثير من الشخصيات البارزة من الشمال الغني يقدّمون حلولاً لمشكلات العالم، من الفقر والجوع والمرض، وهو ما أطلق عليه الكتّاب في الجنوب نظرياً «المنقذ الأبيض» white saviorism نقداً وتهكماً، وهذا المصطلح يقوم على فكرةٍ مفادها: أن الأثرياء البيض يمكن أن ينقذوا «المحرومين» في دول العالم الثالث. عندما يكون لدى المنقذين البيض ما يكفي من الثروة والنفوذ؛ فإن «حلولهم» يمكن أن تغيّر الأنظمة السياسية والاجتماعية بأكملها، في شكلٍ أشبه بالاستعمار ولكنه استعمارٌ جديد، لا تحتاج من خلاله الحكومات والشركات والأفراد في شمال العالم إلى اللجوء إلى العنف الصريح من أجل السيطرة على البلدان الأخرى، حيث يمكنهم استخدام العنف الهيكلي والاستفادة من المساعدات والوصول إلى الأسواق والتدخلات الخيرية من أجل إجبار البلدان منخفضة الدخل على فعل ما تريد. من أجل السيطرة على الأسواق؛ ينتهي الأمر إلى دخول تلك البلدان مصيدة الديون، ويصبح هذا الدين في النهاية أكثر أشكال النفوذ فتكاً، مما يمنحها مبرراً لمزيدٍ من التدخلات، ويسمح لها بتشكيل السياسة الاقتصادية والتجارية بالطريقة التي تراها مناسبة.

منذ سبعينيات القرن التاسع عشر؛ توقع البعض أن العمل الخيري سيشبه الاقتصاد الرأسمالي على نحوٍ متزايد، كما توقع «عدي كيمكا» Uday Khemka، المحسن الهندي الشاب ومدير شركة SUN Group الاستثمارية[2]، أو كما ذكرت »سوزان كاغل» Susan Cagle، في مجلة نيويورك تايمز في 29 مايو 2016م، أن «النخبة في التكنولوجيا، التي يُشاد بها، تؤثّر على وسائل الإعلام والسياسة والمجتمع ككل، بنوع من الأعمال الخيرية الاستثمارية، مثلما فعل أسلافهم الصناعيون منذ أكثر من 100 عام»[3].

بالنسبة إلى المحسنين في الماضي؛ كانت الأعمال الخيرية في كثيرٍ من الأحيان مجرد التبرع بالمال، وأما بالنسبة إلى الرأسماليين الخيريين، الجيل الجديد من المليارديرات، فإنهم يعيدون تشكيل الطريقة التي يقدّمون بها تلك التبرعات. هؤلاء «المستثمرون الاجتماعيون» يستخدمون العقلية التجارية، أمثال «بيل جيتس» و«جورج سوروس» و«أنجلينا جولي» و«أوبرا وينفري»، في مناخٍ مقاوم للإنفاق الحكومي على القضايا الاجتماعية.

وقد تزايدت في الآونة الأخيرة أعداد وأحجام المؤسسات الخيرية التي ترعاها مؤسسات رأسمالية كبرى، تدير الأعمال الخيرية بأسلوب المؤسسات الاستثمارية، سواء في شكل إقامة مشروعات ربحية تدرّ دخلاً على الفقراء، أو بمنطق وأسلوب الرأسمالية في أكثر صورها فجاجة، وهو ما دعا البعض إلى الكتابة لدعم أو نقد هذا الاتجاه، واصطك له من المصطلحات ما يناسبه، حيث أطلق عليه «ماثيو بيشوب»Matthew Bishop ، المحرر الاقتصادي في مجلة الإيكونوميست، مصطلح Philanthrocapitalism أو «الرأسمالية الخيرية».

وتعني «الرأسمالية الخيرية»: «تطبيق المبادئ التي تحكم عمل المؤسسات الرأسمالية وآليات السوق على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والتطوعية، بما يتضمن تسخير قوة آليات السوق والاستثمار وفق مبادئ الربح والخسارة، لتحقيق أهداف الحراك الاجتماعي»، وهذا ما دفع «مايكل إدواردز» لتأليف كتابه (مجرد إمبراطور آخر: الحقائق والأساطير حول الرأسمالية الخيرية)، ويؤكد أن هذا المصطلح مرن، حيث يتشابه مع مفاهيم أخرى، مثل «الشراكة الاجتماعية» أو «العمل الخيري الاستثماري» أو «المشروعات الاجتماعية» أو «المسؤولية الاجتماعية المشتركة»، إلا أنه يتمايز عنها في ثلاثة عناصر أساسية: (الموارد، والوسائل، والإنجازات)، وبتفنيد هذه الادعاءات؛ يمكننا أن نرى بوضوح، من خلال التجارب، قدرة الاستثمارات الخيرية على توفير فرص متساوية للحصول على السلع والخدمات، إلا أنها في الوقت نفسه ضعيفة الأثر في تحقيق الحراك الاجتماعي؛ لأن التغيير المنهجي يجب أن يشمل أيضاً الحركات الاجتماعية والسياسية ودور الدولة، وهي كلها أمور تتجاهلها هذه التجارب.

ثانياً: الانتقادات الموجهة إلى الرأسمالية الخيرية:

إذا نظرنا على نطاق أضيق؛ نجد أن هناك مبادرات ناجحة عادت بالنفع على المجتمع، إلا أنها على الرغم من أهميتها لا تدلل على إمكان استمرار نجاحها، فمثلاً: أجُري مسح لـ25 من المشاريع المشتركة في الولايات المتحدة، وأظهرت النتائج أن 22 منها أظهرت انحرافاً عن رسالتها الاجتماعية الخيرية مقابل توسيع أنشطتها الربحية. في المقابل هناك العديد من الجمعيات الخيرية التي لم تطبق آليات السوق؛ قد نجحت في حفز الموظفين والمتطوعين للوصول إلى أعلى مستويات الأداء. ولكن ثمة مجموعة من الإشارات التي ربما تثير القلق بأن المجتمع المدني قد يتضرر من تلك الاتجاهات الرأسمالية، ومن بينها:

الدفع في اتجاه المنافسة والحوافز المادية كدوافع لعمل الخير؛ مقابل الحد من الدوافع الاجتماعية، فعلى سبيل المثال: دفع أجور للمتطوعين في المؤسسات الخيرية حوّل العمل التطوعي إلى وظيفة تجارية.

فقدان استقلال المجتمع المدني من جراء اعتماده على الحكومة أو على أصحاب رؤوس الأموال.
تغيّر العلاقة بين المواطنين والمؤسسات، حيث يحل تقديم المال عن بُعد بدلاً من المشاركة النشطة من قِبَل مقدّمي الإحسان في هذه المؤسسات.

ونتيجة لذلك؛ تراجع دور المجتمع المدني في عملية التحول الاجتماعي برغم تزايد مؤسساته، بعد أن أصبح أشبه بالكيانات الخاصة.

لا يعارض نقاد الرأسمالية الخيرية استخدام هذه الأموال من أجل الصالح الاجتماعي؛ بقدر ما يعارضون سلطات صنع السياسات على هوى النخبة العالمية الجديدة، وعلى الرغم من العديد من النيات الحسنة فإن الرأسمالية الخيرية متورطة في تناقضين؛ الأول: هو أنه كلما زاد عدم المساواة في العالم؛ استفادت تلك النخبة من الوضع الجديد الذي صنعته تجارياً أو تمجيداً، التناقض الثاني: أن الرأسمالية الخيرية في شكلها الحالي تسعى إلى تعميم نماذج التنمية في الشمال في جميع أنحاء العالم، من تطبيق سياسات «السوق الحرة» وإلغاء الإعانات الحكومية، ويمكن النظر أيضاً إلى عددٍ علماء الاجتماع الذين يتم توظيفهم في «الأعمال الخيرية الضخمة»، والأشخاص الأكثر طلباً هم المستشارون الإداريون ورجال الأعمال وقادة الصناعة السابقون.

وقد وصف «مايكل بايلين»، رئيس مؤسسة Edna McConnell Clark Foundation، وهي مؤسسة خيرية، وصفها بأنها: «استبدادية، وغير فعّالة، ومتعمدة، ونخبوية، ومنعزلة، ومتعجرفة». ويقول «جويل فليشمان»، الرئيس السابق لمنظمة Atlantic Philanthropies: إن «هناك مشكلات مزمنة في طريقة عمل المؤسسات الخيرية»، ومعظمهم يقدّمون القليل من المعلومات حول ما يفعلونه، ويتسمون بالسرية بشأن إخفاقاتهم. ويشير «روبرت مونكس»، أحد النشطاء المخضرمين من أجل حوكمة أفضل للشركات، إلى أنه: لا داعي للتنافس غير المبرر بين تلك المؤسسات في المكاتب الفخمة، والمؤتمرات الفاخرة، والأجور الضخمة لفاعلي الخير المحترفين. أما «ميليسا بيرمان»، من مؤسسة Rockefeller Philanthropy Advisors، فترى أن هناك تركيزاً كبيراً على تمويل البرامج الفردية، والقليل جداً على استدامة المنظمة غير الربحية التي تدير البرنامج.

تقوم تلك المؤسسات بتحفيز الاستهلاك أو خلق مستهلكين من العدم، كما فعل بيل جيتس، حيث وجد طريقاً لاستثمار الحد الأقصى من أمواله، بالتغلب على فشل السوق الذي أصاب المستهلكين الفقراء للرعاية الصحية، من خلال توزيع أمواله نيابةً عن الفقراء لتوليد إمدادات الأدوية والعلاجات التي يحتاجون إليها. يقوم فاعلو خير آخرون بتجربة نماذج جديدة لتوفير الرعاية الاجتماعية، والتي بمجرد أن تثبت نفسها يمكن أن تتبناها الحكومات وتتيحها على نطاق أوسع، حتى يتمكنوا من لعب دور المشغلين أو ممولين لتلك البرامج.

المطلب الثاني: مؤسسة بيل جيتس وميليندا نموذجاً BMGF: Bill and Melinda Gates Foundation :

بظهور الرأسمالية الخيرية؛ تطورت مصطلحات اقتصادية جديدة لتصف هذا الاتجاه المختلف في العمل الخيري، مثل «المضاربة الخيرية» Venture Philanthropy، حيث ينظر العاملون في هذا الشأن إلى أنفسهم كمستثمرين اجتماعيين وليس كمتبرعين تقليديين، وترى الرأسمالية الخيرية أنه إذا كان في الإمكان منح المال من أجل حلول لمشكلات البيئة والمجتمع، ونتج عن ذلك مردود مادي، فإنه من الممكن جذب الكثير من رؤوس الأموال بصورةٍ أسرع، مما يخلق أثراً «إيجابياً» «سريعاً» أكثر، ويُثبت صدق هذه النظرة؛ العدد المطرد من الأعمال التقليدية التي تتجه الآن إلى الاستثمار في العمل التطوعي في الغرب، ويرى جيتس أن هذه هي البداية لما يسميه «الرأسمالية الخلاقة» Creative Capitalism، وهو أول من طرحه في منتدى دافوس في 2 يناير 2008م، مصرّحاً؛ بأن «على الرأسمالية التي خدمت الأغنياء في زيادة ثرواتهم؛ أن تتحول الآن إلى خدمة الفقراء أيضاً»، ونادى بنظامٍ اقتصادي جديد قادر على جذب رجال الأعمال إلى العمل الخيري، لهذا النظام مهمتان هما: تحقيق الأرباح، وفي الوقت نفسه خدمة أولئك الذين لم يستفيدوا من قوى السوق. وهو نفس ما يراه الملياردير الهندي «عظيم بريمجي»، المسجل رقم 18 في قائمة أغنى أثرياء العالم لعام 2008م، وصاحب «مؤسسة عظيم الخيرية» التي تهتم بتعليم الفقراء.

وفي عام 2007م انضم إليهم ثالث أغنى رجل في العالم، وهو المكسيكي «كارلوس سليم»، حتى نجمة التلفزيون المليارديرة الأمريكية «أوبرا وينفري» انضمت إلى رسملة العمل الخيري، وراحت تعمل كشريكة في مؤسسة بيل غيتس، فنجوم المجتمع هم جزء مكمل من الرأسمالية لمقدرتهم على التأثير في «سوق الجماهير، خصوصاً في المواضيع التي تتعلق بتحريك الرأي العام».

قام رجال الأعمال «الاجتماعيون الجدد» بترشيد «القطاع الثالث»، هذا النوع من المنظمات الخيرية ممول من عمالقة الصناعة، خاصةً في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، حيث ساعد ثراء جيل من المؤسسات الصناعية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر في ظهوره، أو ما يُعرف بـ«الثلاثة الكبار»: (كارنيجي 1911م، روكفلر 1913م، وفورد 1936م)، هذه المؤسسات وصلت بسرعة إلى العالمية من خلال الاستثمار في مجالات (التعليم، وحفظ السلام، والطب)، وفي الوقت نفسه تمارس التهرب الضريبي، ونشر الإمبريالية الثقافية الأمريكية، ولها تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية.

وقد تكوّن «الاجتماعيون الجدد» من طبقة أرستقراطية حديثة، وتتألف من رجال أعمال استفادوا من التقنيات الجديدة وتحرير الأسواق، ويُعتبر بيل جيتس Bill Gates وعائلة والتون Walton و إلِي برود Eli Broad, من أهم ممثليها، أمّا «وارن بافيت» فقد تعهد سنة 2006م بمنح الحصة الأكبر من ثروته، أي ما يقارب 30 مليار دولار، لمؤسسة جيتس، هذه الأموال الضخمة سمحت لجيتس بالاستثمار بكثرة في برنامج صحي موجّه إلى البلدان النامية.

في عام ٢٠٠٨م؛ أعلن جيتس أنه سيبتعد عن مايكروسوفت لتركيز جهوده في الأعمال الخيرية، ووصف نيته للعمل بالشراكة مع القطاع الخاص في تقديم منتجات وتقنيات السلع العامة، وهي نفس الطريقة التي وسّع بها برامج مايكروسوفت، بأسلوب عمل يتناوب بين «الرأسمالية الإبداعية» و«العمل الخيري المحفز»، مستفيداً من جميع «أدوات الرأسمالية» لربط ما يقدّمه «العمل الخيري» من وعود بقوة «المؤسسة الخاصة»، وكانت النتيجة نموذجاً جديداً للجمعيات الخيرية.

على الرغم من أن عائلة جيتس تخلّت عن عشرات مليارات الدولارات؛ فقد استمرت أصولها في النمو، وهو كثيراً ما يتباهى بدفع ضرائب أكثر من أي شخصٍ آخر، لكن مؤسسته لم تفصح علنياً عن نماذجها الضريبية أو تقدّم أي معلومات تثبت ذلك. بفضل التبرعات الخيرية، حسب تقديرات المؤسسة، فقد حققوا إعفاءً ضريبياً بنسبة ١١% على تبرعاتهم الخيرية البالغة ٣٦ مليار دولار حتى عام ٢٠١٨م، مما أدى إلى تجنب حوالي ٤ مليارات دولار من الضرائب، ولم تقدّم المؤسسة أي وثائق تتعلق بهذا الرقم.

على الصعيد الآخر؛ أشارت تقديرات مستقلة من علماء الضرائب، مثل تقدير الأستاذ «راي مادوف» أستاذ القانون في جامعة بوسطن، أن أصحاب الملايين يحققون إعفاءً ضريبياً لا يقل عن ٤٠%- والتي بالنسبة لـ«بيل جيتس» ستبلغ ١٤ مليار دولار، ومنه أنتج وقف مؤسسة جيتس دخلاً أعلى في آخر خمس سنوات مقارنةً بصادرات المؤسسة، قُدّرت المنح الخيرية فيها بـ23,5 مليار، بينما بلغ دخل الاستثمار 28,5 مليار.

على الرغم من الانطباع بأن بيل جيتس «يتبرع» بثروته للأعمال الخيرية؛ فإن صافي ثروته المقدرة يتزايد باستمرار، فوفقاً لـ Forbes ارتفعت ثروة جيتس الشخصية من 56 مليار دولار في عام 2011م إلى 78,9 مليار دولار في عام 2015م، بزيادة قدرها 23 مليار دولار في أربع سنوات، وهو نفس المبلغ تقريباً من الأموال التي دفعتها مؤسسته منذ إنشائها، وفي يناير 2014م ذكرت صحيفة الغارديان أن زيادة بنسبة 40% في أسهم Microsoft عززت ثروة بيل جيتس بمقدار 15,8 مليار دولار في عام 2013م، وفي العام نفسه قدّمت المؤسسة منحاً بقيمة 3,6 مليار دولار.

وداخل سلك التعليم؛ هناك عدة اهتمامات تتداخل فيه مصالح جيتس، فما بين عامي ٢٠١١م و٢٠١٤م قدّمت مؤسسة غيتس ما يقرب من ١٠٠ مليون دولار إلى In Bloom، وهي مبادرة تكنولوجيا تعليمية أثارت الجدل حول قضايا الخصوصية، وجمعها للبيانات والمعلومات الشخصية حول الطلاب، أوضحت «ديان رافيتش»، أستاذة التعليم في جامعة نيويورك، أن تلك المبادرة تعمل على دعم التكنولوجيا في الفصول الدراسية لاستبدال المعلمين بأجهزة الكمبيوتر.

في مجال الصحة؛ يقول مدير منظمة Knowledge Ecology الدولية غير الربحية، «جيمس لاف»: «إن جيتس يستخدم أعماله الخيرية للتقدم بجدول أعمال مؤيدة لبراءات الاختراع بشأن الأدوية الصيدلانية، حتى في البلدان الفقيرة حقاً»، وأنه ينتمي إلى الجناح اليميني لحركة الصحة العامة، ويحاول دائماً دفع الأشياء في اتجاه مؤيد للشركات لا المرضى، حيث يمكن اعتبار المؤسسة، وأمنائها الثلاثة (بيل وميليندا جيتس، و وارن بافيت) أو شركاتهم، مستفيدين مالياً من الأنشطة الخيرية للمجموعة. تمتلك شركة بيركشير هاثاواي Berkshire Hathaway التابعة لبافيت استثمارات بمليارات الدولارات في الشركات التي ساعدتها المؤسسة على مَرّ السنين، بما في ذلك MasterCard وCoca-Cola، وأقام بيل غيتس لفترة طويلة في مجلس إدارة شركة Berkshire، وأعلن رحيله بعد أن امتلك هو ومؤسسته مليارات الدولارات من أسهمها. على ما يبدو أن عمل المؤسسة يتداخل أيضاً مع عمل Microsoft، الذي خصّص له جيتس في السنوات الأخيرة ثلث أسبوع عمله.

في الجانب الآخر؛ برنامج مؤسسة جيتس Gates Foundation، الذي بلغت تكلفته ٢٠٠ مليون دولار، والمخصص لتحسين المكتبات العامة، دخل في شراكة مع Microsoft التي ستتبرع ببرامجها للبرنامج، وقد أثارت تلك الشراكة انتقادات بأن التبرعات كانت تهدف إلى «تمهيد السوق» لمنتجات Microsoft و«تسهيل المبيعات المستقبلية».

وفي جانبٍ ثالث؛ تستثمر Microsoft الأموال في دراسة البعوض للمساعدة في التنبؤ بتفشي الأمراض بالعمل مع نفس الباحثين في المؤسسة، وفي الوقت نفسه يتضمن كلا المشروعين إنشاء روبوتات ومصائد متطورة لجمع وتحليل البعوض.

إن «صندوق الاستثمار الإستراتيجي» التابع لمؤسسة جيتس، والذي تقول إنه مصمم لتحقيق أهدافها الخيرية، وليس لتوليد دخل استثماري، تبلغ حصة أسهمه في شركة AgBiome الناشئة، التي يشمل مستثمروها الآخرون شركتي الكيماويات الزراعية Monsanto و Syngenta 7 ملايين دولار، كما منحت المؤسسة الشركة ٢٠ مليون دولار من المنح الخيرية لتطوير مبيدات الآفات للمزارعين الأفارقة، وبالمثل؛ فإن المؤسسة لديها حصة ٥٠ مليون دولار في شركة إنتارسياIntarcia ، واستثمار ٨ ملايين دولار في شركة جست بيوثيرابيوتيكس Just Biotherapeutics، والتي منحت لها ٢٥ مليون دولار و٣٢ مليون دولار من المنح الخيرية على التوالي، للعمل المتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا. وفي مرحلةٍ ما كانت المؤسسة تمتلك حصة بـ٤٨% في شركة تشخيص فيروس نقص المناعة البشرية Zyomyx، والتي منحت لها سابقاً ملايين الدولارات من المنح الخيرية، خلق العطاء الخيري الضخم لبيل جيتس: ٣٦ مليار دولار حتى ذلك الوقت .

تُعزّز إستراتيجية مؤسسة جيتس «للتنمية» السياسات الاقتصادية النيوليبرالية وعولمة الشركات، ومن المحتمل أن يكون بيل جيتس، الذي يتمتع بإمكانية الوصول المنتظم إلى قادة العالم، ويموّل شخصياً مئات الجامعات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، هو الصوت الوحيد المؤثر في التنمية الدولية، بل إنه في الواقع أكبر من معظم الحكومات المانحة، توفر مؤسسته مساعدات للصحة العالمية أكثر من أي بلد مانح، وهو خامس أكبر مانح للزراعة في البلدان النامية، في عام 2013م أنفقت 11 دولة فقط على المساعدات أكثر مما أنفقته «مؤسسة بيل وميليندا»، مما جعلها تحتل المرتبة 12 بين أكبر الجهات المانحة في العالم، أصبحت مانحاً أكبر من دولٍ مثل بلجيكا وكندا والدنمارك وأيرلندا وإيطاليا.

المبحث الثاني: دور مؤسسة بيل جيتس وميليندا في الزراعة الإفريقية:

لقد دشن بيل جيتس تحالفاً من أجل مكافحة الجوع، واستخدام التكنولوجيا في الزراعة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، مأسوراً بعبقريته التكنولوجية، واضعاً نصب عينيه المبادئ النيوليبرالية، وجد تحالفه هذا مؤيدين ومعارضين، من خلال العرض التالي عرض البرنامج ونتائجه.

المطلب الأول: التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا AGRA: Alliance for a Green Revolution in Africa:

لحل أزمة الجوع في العالم؛ نصح بيل جيتس بعددٍ من الابتكارات في مجال التكنولوجيا الزراعية، أو بما يسميه «البذور السحرية»، وهي عبارة عن محاصيل مصممة للتكيف مع تغير المناخ ومقاومة الآفات، مؤكداً أن أزمة الجوع هائلة لدرجة أن المساعدات الغذائية لا يمكنها معالجتها بشكلٍ كامل، وأن المخرج يتمثل في الابتكارات في مجال التكنولوجيا الزراعية، اتهمه النقاد بتبنّي رؤية هنري كيسنجر بأن «مَن يتحكم بإمدادات الغذاء؛ يتحكم بالعالم».

في عام ٢٠٠٦م؛ قرّر بيل جيتس توسيع مشاريعه الخيرية لتشمل مكافحة المجاعة في إفريقيا، المشروع كان عبارة عن تخصيص 150 مليون دولار لمساعدة أكثر المزارعين فقراً في القارة، وذلك في إطار برنامج تحت اسم «التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا»، والهدف منه أن يتم رفع إنتاجية الحبوب مثل القمح والذرة والأرز لمساعدة الفقراء.

واستجابةً لدعوات دول الجنوب العالمي، و170 منظمة من منظمات المجتمع المدني، أنشأ المجتمع الدولي «منتدى عبر الإنترنت حول البيولوجيا التركيبية» Online Forum on’ Synthetic Biology، لتقييم آثار تلك التقنيات الجديدة، والتي فتحت عدداً لا يحصى من الاحتمالات لتغيير أشكال الحياة، حيث تحظى ظاهرة تُسمّى «محركات الجينات» باهتمامٍ خاص، ونظراً لأن الضغوط التجارية يمكن أن تؤدي إلى تطبيقات متهورة لهذه التقنيات دون تقييم النتائج السلبية المحتملة بشكلٍ كافٍ، تشارك مؤسسة بيل جيتس في المنتدى، بل وأشار موقع Gates Foundation على الويب إلى أنه: في عام 2017م منحت المؤسسة 1,6 مليون دولار كأموال أولية «لزيادة الوعي وفهم وقبول تطبيقات محرك الجينات المحتملة لأغراض الصالح العام» لشركة إمرجينج إيج Emerging Ag Inc، وهي شركة علاقات عامة في مجال التجارة الزراعية والتكنولوجيا الحيوية، حيث كان جيتس دائماً مروجاً للهندسة الوراثية، مدعياً أن التكنولوجيا ضرورية لحل مشكلات العالم، تعتقد المؤسسة بأنه يجب أن يكون القطاع الخاص هو الذي يوجّه هذه التقنيات، وهذا ما تطبقه في برنامج التنمية الزراعية للمؤسسة في إفريقيا، فمن عام 2009م إلى عام 2011م أنفقت المؤسسة حوالى نصف مليار دولار على التنمية الزراعية الإفريقية، إضافةً إلى قيمة المنح منذ ذلك الحين، حتى إن نفقات المؤسسة المباشرة وغير المباشرة للتأثير على الزراعة الإفريقية حتى 2018م ربما وصلت إلى ملياري دولار.

يتمتع بيل جيتس بنظرة عالمية ملوّنة بتجاربه الشخصية، وهي أن التكنولوجيا العالية توفر الحلول المفضلة- إن لم تكن الوحيدة- للمشكلات الاجتماعية، ليس فقط فيما يتعلق بإيمانه بالهندسة الوراثية ولكن أيضاً في نظامٍ زراعي صناعي بالكامل، ولكن أيديولوجيته التكنوقراطية تتعارض مع ما توصل إليه التقييم الدولي للعلوم والتقنيات الزراعية لتحقيق التنمية عام 2009م الممول من البنك الدولي والأمم المتحدة، على المستويين الفلسفي والعملي، والذي خلص إلى أن التكنولوجيا الحيوية وحدها لن تحل الاحتياجات الغذائية لإفريقيا، واقترح أن أساليب «الزراعة الإيكولوجية»، وليس نماذج الزراعة الصناعية، توفر أكثر الوسائل جدوى وثباتاً وموثوقية لتعزيز الأمن الغذائي العالمي، ولا سيما في ضوء تغير المناخ، حتى يتجنب المزارعون تعطيل دورات الكربون والنيتروجين والمياه الطبيعية.

عزّز «أوليفييه دي شوتر» المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، تقييم البنك الدولي، كما خلص إلى أن «الزراعة الإيكولوجية» لديها إمكانيات أكبر كثيراً لمكافحة الجوع، ولا سيما خلال الأحوال الاقتصادية والأوقات المناخية المضطربةومع ذلك؛ في فبراير 2012م أعلنت مؤسسة جيتس أنها ستمنح 200 مليون دولار للصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، وفي يوم الإعلان تمت دعوة بيل جيتس للتحدث في مجلس محافظي الصندوق، ناشد جيتس في خطابه الدول أن «تقدم العلوم والتكنولوجيا الزراعية للمزارعين الفقراء»، «حيث تكمن الخبرة الحقيقية في شركات القطاع الخاص»، كانت هذه إشارة إلى «الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية».

وأثبتت الممارسات الزراعية البيئية باستمرار قدرتها على زيادة الإنتاجية بشكلٍ مستدام، وعلى العكس من ذلك؛ فإن المحاصيل الحالية المعدلة وراثياً، القائمة على الزراعة الصناعية، لم تزد بشكلٍ عام الغلات على المدى الطويل، على الرغم من زيادة تكاليف المدخلات، ثم تكرر نشر هذه الاستنتاجات عام 2016م في صحيفة نيويورك تايمز.

وبتحليل المنح الخمس الأولى التي روّجت لها مؤسسة بيل جيتس بهذه الطريقة؛ وجدنا أن أياً منها لم يستوف المعايير المقبولة، مثلاً: روّجت المؤسسة لمنحة بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لمنظمة كونسريفيشن إنترناشونال Conservation International في عام 2012م، وهي منظمة مختصة بالزراعة البيئية، كانت هذه المنحة مجرد برنامج لرصد ما كان يحدث على أرض الواقع في الزراعة الإفريقية، وكان البيان الصحفي للمؤسسة كما يأتي: «توفير الأدوات لضمان أن التنمية الزراعية لا تؤدي إلى تدهور النظم الطبيعية والخدمات التي تقدمها، وخاصة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، وسيلبي أيضاً حاجة ماسة غير ملباة لدمج قياسات الزراعة وخدمات النظام الإيكولوجي ورفاهية الإنسان، من خلال تجميع البيانات في لوحة معلومات متاحة عبر الإنترنت، يمكن لصانعي السياسات استخدامها وتخصيصها بحرية لاتخاذ القرار المناسب، سيتم عرض البيانات في ستة مؤشرات شاملة بسيطة، تنقل معلومات تشخيصية حول النظم الإيكولوجية الزراعية المعقدة، مثل: توافر المياه النظيفة، ومرونة إنتاج المحاصيل مع تقلب المناخ، أو مرونة خدمات النظم البيئية، وسبل العيش للتغيرات في النظام الزراعي».

هذا في الواقع برنامج تكنوقراطي من أعلى إلى أسفل، ولا يمكن اعتباره برنامجاً إيكولوجياً زراعياً، على الرغم من أنه قد يكون نشاطاً مفيداً، فقد تم تمييزه بعلامة جذابة لتبييض طبيعته الحقيقية، ادعى مسؤول في «مؤسسة جيتس» أن هذه الأداة عالية التقنية ستكون لـ«صناع القرار»، ولكن هؤلاء المستخدمين سيكونون من النخبة الزراعية، وليسوا من المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة الذين ليس من المرجح أن يكون لديهم «لوحة تحكم مفتوحة الوصول عبر الإنترنت»، قالت «مريم ميت» من المركز الإفريقي للتنوع البيولوجي عن منحة «مؤسسة جيتس»، إن «المحاصيل المثبتة للنيتروجين المعدلة وراثياً ليست هي الحل لتحسين خصوبة التربة في إفريقيا، المزارعون الأفارقة هم آخر من يُسأل عن مثل هذه المشاريع، وغالباً ما يؤدي هذا إلى تطوير تقنيات خاطئة، والتي لا يستطيع العديد من المزارعين تحمل تكلفتها».

في عام 2002م؛ صرّحت «لي إيمي سيمونز»، التي كانت آنذاك مساعدة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أنه «في غضون أربع سنوات، سيتم زرع ما يكفي من المحاصيل المعدلة وراثياً في جنوب إفريقيا، بحيث تلوث حبوب اللقاح القارة بأكملها»، لا يمكن أن تتعايش التكنولوجيا الحيوية مع تقنيات الزراعة الإيكولوجية والمعارف التقليدية أو أصناف البذور.

ومع ذلك؛ أصبحت «مؤسسة جيتس» الممول الرائد في العالم للبحث في التعديل الوراثي للمحاصيل، وفي الوقت نفسه تموّل المؤسسة والجهات المستفيدة من المنح منظمات المجتمع المدني في إفريقيا كمجموعات واجهة تدعم هذه الرؤية، وهو تكتيك يجعل الأمر يبدو كما لو أن هناك طلباً كبيراً على هذه التقنيات على أرض الواقع.

وتضغط مؤسسة جيتس أيضاً على الحكومات لسنّ تشريعات وسياسات بما يتوافق مع ذلك (مثلاً في كينيا وأوغندا مؤخراً)، حيث تتطلب هذه البذور المعدلة وراثياً زيادات هائلة في استخدام المواد الكيميائية، وتعمل المؤسسة أيضاً على تعزيز استخدامها، وتشارك المؤسسة في خصخصة إنتاج البذور بالضغط على الدول الإفريقية لتمرير قوانين ملكية فكرية جديدة تقيد حفظ البذور وتداولها وتبادلها وبيعها، والانضمام إلى أنظمة ملكية فكرية دولية صارمة، ومن ثَمّ يتم تجريم الممارسات القديمة للمزارعين، وتحويل البذور بالكامل إلى سلع خاصة يتم شراؤها وبيعها، مما يعود بالنفع على الأعمال التجارية الزراعية الأمريكية والأوروبية.

من الجدير بالذكر؛ أن الرجل الذي وظفه جيتس للإشراف على البرنامج في إفريقيا هو «روبرت هورش» نائب رئيس شركة مونسانتو Monsanto السابق، تلك الشركة التي يستثمر بها بيل جيتس، وهي نفسها التي صنعت «العامل البرتقالي» قاتل الحشائش المشهور عالمياً، والمادة الكيميائية القاتلة والتي أضرت بالشعب الفيتنامي وما زالت آثارها باقية بعد أربعين عاماً، كان «هورش» شخصية رائدة في تطوير بذور Monsanto المعدلة وراثياً، والتي كانت مقاومة لمبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية، وتكسب الآن المليارات من العائدات، استخدمت تلك البذور في الغرب الأوسط بأمريكا، حيث يجد المزارعون حقولهم مليئة بحبوب ذرة لم يزرعوها، سيعمل «هورش» كمسؤول أول للبرنامج، وسيطبق تكنولوجيا الكائنات المعدلة وراثياً لتحسين غلة المحاصيل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث أطلقت المؤسسة مؤخراً حملة بالتعاون مع مؤسسة روكفلر.

المطلب الثاني: نتائج التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا:

«التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا» هو الطفل المدلل للمانحين الغربيين، فمن خلال استثمار الملايين يريد التحالف مساعدة المزارعين الصغار وتقويتهم، لكن يبدو أن النتيجة مخيّبة، في العادة يتحدث التحالف عن الأرقام التي تظهر بكثرة على صفحة الإنترنت التابعة له، الذي استفاد منه نحو 23 مليون مزارع صغير، واستثمر أكثر من 550 مليون يورو، وأسّس 119 شركة بذور، وموّل 700 بحث علمي، لكن أرقاماً أخرى تظهر في الأثناء على موقع[ www.agra.org؛ فحتى 2020م كان التحالف يعتزم مضاعفة دخل 20 مليون مزارع صغير، وتخفيض نقص المواد الغذائية في 20 بلداً إفريقياً إلى النصف، وهو ما وعد به التحالف أثناء تأسيسه عام 2006م.

في المقابل؛ تقول خبيرة الزراعة الزامبية، «موتينتا نكيتاني»، التي شاركت في إعداد تحليل أصدرته عدة منظمات تنمية بالتعاون مع مؤسسة «روزا لوكسمبورغ» المقربة من حزب اليسار الألماني، في التحليل توجد أرقام تكشف جانباً ليس مشرقاً للتحالف؛ فعدد الناس الجوعى في البلدان الشريكة للتحالف الـ13 لم ينخفض، بل ارتفع بحوالي الربع، وإنتاجية الزراعة في ثمانية بلدان منذ بداية أنشطة التحالف تقدّمت ببطءٍ عما كانت عليه في السابق، وفي بلدَيْن تراجعت حسب التحليل.

والتحالف يدعم- حسب عرضه بالأساس- المزارعين الصغار، فحوالي 500 مليون يورو استثمرها التحالف من أجل ذلك، «المزارعون يحتاجون إلى مدخل للتقنية، والبذور الجيدة، والسماد الجيد» كما قالت رئيسة التحالف من أجل ثورة خضراء «أغنيس كاليباتا»، في مقابلة مع دويتشه فيله عام 2017م، واقترض مزارعون في زامبيا أموالاً لشراء السماد والبذور، وبما أن المحاصيل المرجوة لم تتحقق، لم يتمكنوا من دفع الديون المستحقة عليهم، وحتى حكومة زامبيا تتحمل عبئاً من الديون، إذ اشترت أيضاً بذوراً وسماداً بأسعار مرتفعة لتوزيعها على مزارعين صغار، وتصل الفواتير المستحقة إلى 106 مليون دولار، وفي بلدان إفريقية أخرى حالات مشابهة، في غالبية الحالات كان المستفيد الشركات الخاصة من منتجي البذور والسماد، وهي في الغالب شركات دولية، كما أن التربة حسب التحليل تتدهور أكثر بسبب الاستعمال المفرط للأسمدة، و«التحالف من أجل ثورة خضراء» يراهن على الزراعة ذات المحصول الواحد مثل الذرة؛ في حين أن النباتات المحلية تندثر.

الحقيقة؛ هي أن برنامج «الثورة الخضراء» في إفريقيا لم يحقق وعود الازدهار من خلال الزراعة التجارية كثيفة الاستخدام للموارد، وفقاً لبيانات عن «التحالف» التي جمعها معهد «تافتس العالمي للتنمية والبيئة»، حيث أشار تحليل لبيانات «التحالف» من قِبَل مجموعات المجتمع المدني الإفريقية والألمانية إلى أنه بعد 14 عاماً من الوجود، وأكثر من مليار دولار من الاستثمار، لا يوجد دليل على زيادة دخل صغار المنتجين، ولا يوجد تحسّن كبير في الإنتاجية في البلدان التي يخدمها البرنامج

زاد الجوع بالفعل بنسبة 30% في البلدان التي يركز عليها برنامج AGRA؛ مما يعني أن ثلاثين مليون شخص يعانون منه أكثر مما كان عليه عندما بدأ. بحلول عام 2018م؛ زادت الغلات الزراعية في البلدان التي تم التركيز عليها بنسبة 18% فقط، وهي نفس نسبة الزيادة قبل البرنامج الذي كان يستهدف زيادةً بنسبة 100%، وانخفض إنتاج الحبوب بنسبة 21% منذ إطلاق البرنامج، وتم تسجيل انخفاض في غلة المحاصيل الجذرية والدرنات بنسبة 7%، مع انخفاض التنوع في حقول المزارعين والبذور المستخدمة، وهذا التطور بدوره يجعل الزراعة أكثر عرضة لعواقب أزمة المناخ، ناهيك عن تحوّل المزارعين إلى عبيد على أرضهم بسبب معايير برنامج التحالف AGRA.

اعتمد برنامج «الثورة الخضراء» على زيادة المساحات المزروعة الأحادية، مما زاد من استخدام مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية والأسمدة، وإدخال أنواع جديدة من المحاصيل عالية الإنتاجية، ضمن نظامٍ يحتاج إلى الكثير من الآلات والطاقة، والتي تحتاج إلى تكلفة تفوق قدرة المزارعين الصغار، كان الائتمان جزءاً أساسياً من «الثورة الخضراء» مما خلق ديوناً لا يمكن سدادها.. الأهم من ذلك؛ أن تلك الثورة الخضراء لم تقض على الجوع في إفريقيا.

كما أن شركات البذور الخاصة ستنتج وتبيع أصناف البذور «المحسنة» للمزارعين بدلاً من منحها، وأن ربع المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة فقط في إفريقيا يمكنهم الوصول إلى البذور الجيدة، والبذور الجيدة- في نظر ممولي وشركاء التحالف- هي بذور معدلة وراثياً، ويجب شراؤها كل عام، أما قوانين البذور التقليدية التي تسمح بالادخار والتبادل بين المزارعين فقد «عفا عليها الزمن» وفقاً لـ«التحالف»، مع تواصل الضغط من أجل تغييرات في قوانين البذور التي من شأنها حماية البذور الحاصلة على براءة اختراع، ففي غانا قدّم البرلمان الوطني الدعم الكامل لمشروع قانون مربي النباتات، والذي من شأنه أن يحد من توفير البذور وتبادلها بدفعٍ من التحالف ومجموعة الثماني والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والشركات الزراعية.

وكان الأرز أحد تلك المحاصيل، تم الترويج له كجزء من برنامج الغذاء للمستقبل التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وكان محصولاً رئيسياً في مشروع الزراعة التجارية التي أدت إلى تدهور صناعة الأرز في غانا.

لقراءة الجزء الثاني من الدراسة اضغط على الرابط التالي 
https://2u.pw/BFpa0Yir

شاهد أيضاً

الحرب الروسية الأوكرانية: خطة فرنسية لدعم كييف هل تنجح؟

تستمر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على عدة محاور خاصة محور خاركييف الذي يعد حالياً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *