تتمة إلى الدراسة السابقة التي تتحدث عن: قبل أكثر من 100 عام، كان كثيرون لا يزالون يستجيبون للتطورات في الأفكار والمواقف والمعتقدات والنوايا الاقتصادية لدى المسؤولين، بدءا من مجرد التبرع بالمال إلى الاندماج في الإيديولوجية الرأسمالية وتشكيل ظروف استهلاكية محددة.
برامج بيل جيتس في مجال الصحة في إفريقيا:
لم يستخدم بيل جيتس هوسه بالتكنولوجيا في مجال الصحة، ولكنه تبنّى نهج خَلْق الطلب أو تحفيزه، وصناعة مستهلكين جدد في البلدان الإفريقية، من خلال أعماله الخيرية المقنّعة والمغلّفة بالفكر الرأسمالي:
أرسلت الباحثة وعالمة الاجتماع الكندية «أليسون كاتز»، التي قضت 18 عاماً في منظمة الصحة العالمية، رسالة لمديرة المنظمة عام 2007م، تشجب عبرها تحوُّل المنظمة إلى ضحية للعولمة الليبرالية الجديدة، محذرةً من أجندات المتبرعين، وقال الدكتور «ديفيد ليغ» الباحث في كلية الصحة العامة في جامعة ميلبورن: «إن تبرعات جيتس هي في الواقع آلية لفرض أجندته؛ ناهيك عن تشويهها لأولويات ميزانية منظمة الصحة العالمية»، وهو ما أشار له موقع «فورين أفيرز» Foreign Affairs من أن «أولويات جيتس باتت هي أولويات منظمة الصحة العالمية»، وهو ما حذّرت منه مديرة المنظمة السابقة «مارغريت تشان»، وأشار إليه موقع «بوليتكو»، أن جيتس بتبرعاته هو «بمثابة حصان طروادة لمصالح الشركات العالمية».
ففي عام 2010م؛ خصّص جيتس 10 مليارات دولار لمنظمة الصحة العالمية [41] قائلاً: «يجب أن نجعل هذا عقداً من اللقاحات»، بعد شهرٍ قال جيتس في حديث تلفزيوني في TED Talk أن «اللقاحات الجديدة يمكن أن تقلل من عدد السكان ما بين 10 و15% في عام 2014م».
كانت «الملاريا» و«نقص المناعة البشرية» هو تركيز المؤسسة في تطوير اللقاحات، في حين تؤكد الدراسات أن المواد الكيميائية المستخدمة في الخطة تعكس انخفاض معدلات المواليد، وأن مؤسسة روكفلر قد شاركت في ذلك.
يروّج جيتس لعمل مؤسسته مع شركات الأدوية؛ ففي عامي ٢٠١٣م و٢٠١٤م ألقى خطباً في معهدَي American Enterprise و Microsoft مفصحاً عن عدد الأرواح التي كانت أنقذتها مؤسسته بحوالي 10 ملايين، بالإضافة إلى 6 ملايين آخرين من خلال شراكات مع شركات الأدوية، المؤسسة تقوم بأكثر من مجرد الشراكة مع هذه الشركات: فهي تدعم تكاليف أبحاثها، وتفتح الأسواق لمنتجاتها، وتموّل أرباحها بطرق لم يتم فحصها بشكلٍ علني.
وفي عام 2015م؛ اعتلى بيل جيتس خشبة المسرح في فانكوفر ليلقي محاضرة، أصدر فيها تحذيراً شديداً، قائلاً للحضور: «لو تسبب شيء في مقتل عشرة ملايين شخص في العقود القليلة القادمة، فمن المرجح أن يكون ذلك فيروساً شديد العدوى وليس حرباً»، كان تفسير ذلك من قِبَل منتقدي جيتس؛ أن مؤسسته الخيرية اختبرت لقاحات على أطفال في إفريقيا والهند، مما أدى إلى آلاف الوفيات وإصابات لا علاج لها.
تتفوق مؤسسة بيل وميليندا جيتس على منظمة الصحة العالمية كل عام منذ تأسيسها في عام 2000م، وقد أنفقت أكثر من 6 مليارات دولار لإنقاذ ملايين الأشخاص من الإيدز والحصبة وشلل الأطفال والسل والملاريا، وعلى مدار الخمسة عشر عاماً، منذ ذلك التاريخ، استثمرت أكثر من 9 مليارات دولار في إفريقيا، وفي محاضرة، في جامعة بريتوريا، أعلن أن المؤسسة ستستثمر 5 مليارات دولار أخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة، عندما يقول بيل جيتس إنه «يستثمر» في إفريقيا وفي الصحة العالمية؛ فإنه يعني أنه يتوقع عائداً.
يبدو أن هوس جيتس باللقاحات تغذيه قناعة إنقاذ العالم بالتكنولوجيا، واعداً بدفع المزيد لتنفيذ ذلك.
المطلب الثاني: نتائج تدخل بيل جيتس في الصحة الإفريقية:
أنفق جيتس مليار دولار على لقاح شلل الأطفال في الدول الإفريقية؛ ليتبين لاحقاً أنه يحتوي على فيروس يمكن أن يتكاثر في أمعاء الطفل ويسبب العدوى، وهو ما أثبتته دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا عام 2017م بإصابة عددٍ كبير من الأطفال بالشلل بسبب اللقاح.
وخلال حملة جيتس للقاحات 2002 Men Afri Vac، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، قام موظفوه بتطعيم آلاف الأطفال الإفريقيين بالقوة ضد التهاب السحايا، أصيب حوالى 50 طفلاً من أصل 500 طفل بالشلل، ففي 20 ديسمبر 2012م ضربت مأساة تطعيم قرية «جورو» الصغيرة الواقعة شمال تشاد بإفريقيا، فوفقاً لصحيفة La Voix، من بين 500 طفل تلقوا لقاح التهاب السحايا الجديد؛ أصيب 40 منهم على الأقل- تتراوح أعمارهم بين 7 و18 عاماً- بالشلل، كما عانى هؤلاء الأطفال من الهلوسة والتشنجات.
وفي سياقٍ آخر؛ اشتكت صحف جنوب إفريقيا من اعتبار سكانها «خنازير غينيا» لصانعي الأدوية، حيث يصف البروفيسور «باتريك بوند»، كبير الاقتصاديين السابقين في رئاسة نيلسون مانديلا، الممارسات الخيرية لجيتس بأنها «لا ترحم، وغير أخلاقية»[49]، ففي عام 2010م موّلت مؤسسة جيتس تجربة المرحلة الثالثة من لقاح الملاريا التجريبي التابع لشركة GlaxoSmithKline Biologicals، فقتلت 151 رضيعاً إفريقياً، وتسببت في آثار ضارة خطيرة، بما في ذلك الإصابة بالشلل والنوبات والتشنجات الحموية التي أصابت 1048 طفلاً من بين 5949 طفلاً تناولوا اللقاح.
واتهمت جمعية الأطباء الكاثوليك في كينيا منظمة الصحة بتسبيب العقم لملايين النساء الكينيات غير الراغبات في حملة تطعيم ضد «الكزاز» كيميائياً، كما وجدت مختبرات مستقلة صيغة العقم في كل لقاح تم اختباره، بعد إنكار الاتهامات اعترفت منظمة الصحة العالمية أخيراً بأنها تطور لقاحات العقم لأكثر من عقد من الزمان. اتهامات مماثلة جاءت من تنزانيا ونيكاراغوا والمكسيك والفلبين.
وأظهرت دراسة أجريت عام 2017 أن لقاح DTP للدفتيريا والكزاز والسعال الديكي الشهير لمنظمة الصحة العالمية يقتل أطفالاً أفارقة أكثر من الأمراض التي يمنعها، وعانت الفتيات الملقحات بهذا اللقاح معدل وفيات عشرة أضعاف من وفيات الأطفال الذين لم يتلقوا اللقاح بعد، وقد رفضت منظمة الصحة العالمية القيام بسحب اللقاح المميت الذي تفرضه على عشرات الملايين من الأطفال الأفارقة سنوياً.
وفي تقرير أصدرته مؤسسة بيل جيتس، والذي جاء فيه أيضاً أن الاتجاهات الديموغرافية تظهر أن مليار شخص قد انتشلوا من الفقر في العشرين سنة الماضية، لكن التوسع السريع في عدد السكان، لا سيما في أجزاء من إفريقيا، يمكن أن يوقف تلك النجاحات، بل وقد يبدأ معدل الفقر في الارتفاع، وهي النتيجة نفسها التي خلص إليها تقرير «النمو السكاني في إفريقيا يمثل تحدياً»، وهي أن الفقر في إفريقيا يتركز بشكلٍ متزايد في البلدان التي لديها معدلات نمو سكاني مرتفعة، وبحلول عام 2050م يُتوقع أن يعيش أكثر من 40% من سكان العالم الأشد فقراً في بلدَيْن فقط، هما جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا
ولمعالجة ذلك يقول: «إن تحسين الوصول إلى وسائل منع الحمل يُعدّ أمراً أساسياً، وينبغي أن يقترن ذلك بالاستثمار في صحة الشباب وتعليمهم، وأهم الأشياء هي أدوات منع الحمل الحديثة»، مضيفاً أنه: «إذا كانت لديك هذه الأشياء المتاحة؛ فسيكون لدى الناس سيطرة أكبر على الإنجاب»، داعياً صانعي السياسات إلى «تمكين المرأة من ممارسة حقها في اختيار عدد الأطفال».
يعتقد جيتس أن «وسائل منع الحمل» يجب أن تكون موجودة في كل مكان، إن لم تكن إلزامية، في عام 1997م، بدأ جيتس وزوجته في دفع المال نحو أشكال مختلفة من تحديد النسل، ولا تعني وسائل منع الحمل التي يمولها جيتس عدداً أقل من الأطفال فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى مخاطر ووفيات أخرى، على سبيل المثال: موّل جيتس ووزع دواء منع الحمل ديبو بروفيرا Depo Provera، وهو حقنة لمنع الحمل تؤخذ كل ثلاثة أشهر، خاصةً على نساء العالم الثالث، وفي بعض الأحيان اقترن توزيعه بالحث على الإجهاض، وقد اتهم الخبراء هذا الدواء بالتسبب أو على الأقل المساهمة في: سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي ومرض السكّري وهشاشة العظام والسكتة الدماغية والنوبات القلبية والعقم والإجهاض، كما أدى إلى انتشار فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز والكلاميديا وغيرها من الأمراض المميتة والمزمنة. وقد أنفقت مؤسسة جيتس 2,6 مليار دولار على شراء هذا الدواء والتبرع به لـ100 مليون امرأة إفريقية.
وجنت شركة فايزر من عائداته أكثر من 30 مليار دولار بغضّ النظر عن أعراضه الجانبية. ومثله دواء (حقنة) منع الحمل سايانا بريس Sayana Press، الذي تنتجه أيضاً شركة فايزر، حيث مورست الضغوط على وزير الصحة في السنغال- بحسب موقع غراي زون- لتعديل قوانين الصحة في بلاده لتوزيعه، وتبيّن أنه لا يجوز تعاطيه لنساء مصابات بأمراض الروماتيزم، وهذا ما حدث في أوغندا، ناهيك عن تسبّبه بهشاشة العظام وأمراض أخرى.
اتُّهِمَ جيتس، في نهاية القرن الماضي، بتمهيد السوق لمبيعات شركته «ميكروسوف»، وقادته أحلامه التكنولوجية إلى موقع باتَ فيه عُرضةً لكثيرٍ من الاتهامات، من المساعدة في التجسس على الأشخاص من خلال أنظمة تتبّع، وصناعة مجتمع مستهلِك، وغيرها، فضلاً عن اتهامه بنشر مناهج تعليم لا تأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمعات وخصوصياتها:
سلطت «لينسي ماكجوي»، أستاذة علم الاجتماع في جامعة إسكس ومؤلفة كتاب (لا وجود للهدية المجانية)، الضوء في أبحاثها على المنح الخيرية التي قدّمتها مؤسسة جيتس للشركات الخاصة، ففي عام ٢٠١٤م تبرعت المؤسسة بمبلغ ١٩ مليون دولار لشركة تابعة لـMasterCard ، وكان الهدف منها «زيادة استخدام المنتجات المالية الرقمية من قِبَل البالغين الفقراء في كينيا»، فقالت: «لقد أوضح عملاق بطاقات الائتمان بالفعل اهتمامه التجاري الشديد في تنمية عملاء جدد من سكان العالم النامي، البالغ عددهم 2,5 مليار شخص، فلماذا يحتاج إلى محسن ثري لدعم عمله؟! ولماذا يحصل بيل وميليندا جيتس على خصم ضريبي على هذا التبرع؟!»
تبدو هذه الأسئلة ذات أهمية، وخاصةً أن التبرع لـ MasterCard ربما يكون قد أعطى فوائد مالية لمؤسسة جيتس في ذلك الوقت، ففي نوفمبر ٢٠١٤م كان لدى المؤسسة استثمارات مالية كبيرة في MasterCard من خلال حيازتها في شركتَي Warren Buffett الاستثمارية و Berkshire Hathaway، الجدير بالذكر؛ أن شركة Warren Buffett نفسها تعهدت بمبلغ ٣٠ مليار دولار لمؤسسة جيتس.
كما وجدت الصحيفة ما يقرب من ٢٥٠ مليون دولار من المنح الخيرية لمؤسسة جيتس موجهةً إلى الشركات التي تمتلك فيها المؤسسة أسهماً وسندات، مثل شركة Merck و Novartis و GlaxoSmithKline و Vodafone و Sanofi و Ericsson و LG و Medtronic و Teva، والعديد من الشركات الناشئة، تحت مظلة منح وجِّهت لمشاريع مثل تطوير أدوية جديدة وأنظمة مراقبة صحية وإنشاء خدمات مصرفية متنقلة.
وأخيراً؛ دشن البنك الإفريقي للتنمية «مرفق الشمول المالي الرقمي لإفريقيا»، الذي يهدف للمساعدة في تعزيز وضمان سلامة المعاملات المالية الرقمية والإلكترونية في القارة، ويهدف هذا المرفق، الذي يحظى بدعم من مؤسسة بيل وميليندا جيتس والوكالة الفرنسية للتنمية وحكومة لوكسمبورج كمساهمين رئيسيين فيه، إلى ضمان حصول ما لا يقل عن 320 مليون إفريقي، بينهم نحو 60% من النساء، على الخدمات المالية الرقمية والإلكترونية، وسيقدّم هذا المرفق 100 مليون دولار في شكل منح، و300 مليون دولار في شكل قروض من البنك الإفريقي للتنمية، حتى حلول عام 2030م، وذلك بهدف توسيع نطاق الخدمات المالية الإلكترونية للمجتمعات ذات الدخل المنخفض.
وشهدت إفريقيا نمواً سريعاً في حيازة الهواتف المحمولة في النصف الأول من هذا العقد، مما أدى إلى طفرة في استخدام الأدوات والخدمات الرقمية المبتكرة في جميع أنحاء القارة، ولكن مع ذلك لم يستفد الجميع في القارة من فوائد الخدمات المالية الرقمية، حيث تشير التقديرات إلى أن 43% فقط من البالغين في جميع أنحاء إفريقيا لديهم حساب مصرفي.
وأكد «مايكل ويجاند»، مدير الخدمات المالية لبرنامج الفقراء بمؤسسة بيل وميليندا جيتس، أن الإدماج والشمول المالي، الذي تحقق من خلال نماذج الخدمات المالية الرقمية، يمثل في الوقت نفسه إستراتيجية قوية لمكافحة الفقر ومحفز للتنمية الاقتصادية المستدامة للاقتصادات الوطنية والإقليمية، مشيراً إلى أن المشروع الافتتاحي لمرفق الشمول المالي الرقمي؛ سيكون بمثابة منحة بقيمة 11,3 مليون دولار من مؤسسة بيل وميليندا جيتس إلى البنك الإفريقي للتنمية والبنك المركزي لدول غرب إفريقيا، وستنشئ المنحة نظاماً للدفع الرقمي قابل للتشغيل المتبادل، يتيح للأفراد في القارة إرسال واستلام الأموال بين محافظ الهواتف المحمولة، ومن هذه المحافظ إلى حسابات رقمية ومصرفية أخرى.
المطلب الثاني: دور بيل جيتس في التعليم في إفريقيا:
يرسل الآلاف من الآباء الأفارقة أبناءهم إلى مدارس تديرها أكاديمية «بريدج»Bridge academies، ويدعم الأكاديمية العديد من رواد الأعمال الأمريكيين، من بينهم بيل جيتس، مارك زوكربيرج، تنتشر الأكاديمية على مستوى العالم، حيث التحق بها ما يصل إلى 100 ألف طالب في الحضانات والمدارس الابتدائية البالغ عددها 520، موزعة في بلدان مثل كينيا وأوغندا ونيجيريا والهند، برسوم أقل من 6 دولارات شهرياً، ويتمثل الهدف الأساسي منها في توفير تعليم أفضل من التعليم الحكومي. ومنذ انطلاقها أنشأت أكثر من 400 مدرسة في كينيا وحدها، يدرس فيها حوالى 126 ألف تلميذ وتلميذة، وتستهدف أن يلتحق بفروعها 10 ملايين طفل في عام 2025 في 12 بلداً بالقارة السمراء. وحاول المنتقدون إضعاف هذه المبادرة العالمية، ولكنهم باؤوا بالفشل، على الرغم من ارتفاع الرسوم الدراسية من 6 دولارات إلى 20 دولاراً شهرياً، ومع ذلك يستمر الآباء في تسجيل أبنائهم بالأكاديمية، حيث يرون أن ما تقدّمه من برامج أفضل مما تقدّمه المدارس الحكومية.
افتتحت بريدج أول مدرسة لها في حيّ فقير في نيروبي، عاصمة كينيا، في عام 2009م، واستهدفت أطفال الأسر التي يقل دخلها عن 2,50 دولار في اليوم، لكن الأكاديمية أصبحت مثاراً للجدل مقارنةً بمنافسها مثل مدارس Omega في غانا، حيث يتم تطوير مناهجها في الولايات المتحدة وفرضها على التلاميذ بما لا يتناسب مع خصائص مجتمعاتهم، وتسببت سرعة توسعها في إثارة القلق في أوغندا وأماكن أخرى.
ويتهم النقاد مدارس بريدج بتقديم تعليم متدنّي الجودة، واستغلال الفقراء من أجل الربح، كما أنها تسهّل انسحاب الحكومات في البلدان الإفريقية من مسؤوليتها في توفير التعليم المجاني للجميع.
وأخيراً؛ أوضح الدكتور «بنيامين بايبر»- مدير القطاع العالمي للتعليم في مؤسسة بيل وميليندا جيتس- بقوله: «أود أن يترك هذا التقرير في نفوس قرائه أثرَيْن على الأقل، الأول حزن عميق لضخامة أزمة التعلّم، فبيانات فقر التعلّم تُبرز التفاوت الصادم الذي لا يزال قائماً في نواتج التعلّم، إذ إن 87% من الأطفال في إفريقيا لا يقدرون على قراءة نص بسيط وفهمه قبل تفشي كوفيد-19، ولكن نماذج المحاكاة الجديدة تشير إلى أن هذه النسبة زادت إلى 89%. والثاني: هو أن لدينا حلولاً يمكن أن تُؤثِّر على نطاق واسع وفي الأنظمة الحكومية، والبداية هي الالتزام ببرامج كبيرة للتعويض عن فقدان التعلّم، ولكن المهم هو مكونات تلك البرامج: قياس نواتج التعلّم، وأيضاً الاستثمار في تحسين التدريس، من خلال تنظيم وتهيئة الأساليب التربوية أو أساليب التدريس، من خلال أنشطة مناسبة، مع زيادة الوقت المخصّص للتدريس، والبلدان التي تفعل هذا ستُتاح لها فرصة حقيقية لا للتعويض عن فقدان التعلّم بسبب جائحة كورونا فحسب؛ وإنما أيضاً لتحقيق تقدّم ملموس نحو الحد من فقر التعلّم في 2030م».
خاتمة:
حاول جيتس تحفيز الطلب الكلي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال توزيع أمواله على المزارعين الفقراء، والمحتاجين للرعاية الصحية، والراغبين في التعليم، وغيرها من المجالات، وإعادة جمعها مرّةً أخرى، بالإضافة إلى هامش ربح معتبر وإعفاءات ضريبة، وذلك بعد فرض نمط استهلاك وثقافة معينَيْن، لتصبح تلك المجتمعات بعد فترة وجيزة مجتمعات مستهلِكة لمنتجاته، بعد التخلص تماماً من دور الدولة في تلك الأنشطة.
وبالنسبة لبرامجه في دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ فلم يحقق تحالفه من أجل ثورة خضراء نتائج ملموسة في مجال الزراعة، بل أضر بالتربة، وحاول احتكار البذور الزراعية ببرنامجه المهتم بالهندسة الوراثية، بل زاد دَين المزارعين الصغار، واختفت البذور المحلية الجيدة، بل وأرسى نظاماً لاحتكار تلك البذور المعدلة وراثياً، بمساعدة النخب المحلية.
أما في مجال الصحة؛ فقد أودت لقاحاته وتطعيماته بحياة الكثير من الأفارقة، بل خلقت أمراضاً، حيث كانت إفريقيا بالنسبة إليه حقلاً لتجارب اللقاحات والأدوية، ومكاناً لتحقيق حلم تخفيض سكان العالم.
وفي حال تحول الكثير من الأفارقة إلى نمطٍ معيّن من الاستهلاك- كما ذكرنا أعلاه؛ فسيتحولون إلى مستدينين في مجال الائتمان وشراكاته في عملية الشمول المالي بالقارة.
ليتبقى له في نهاية المطاف السيطرة على عقول ملايين من الأطفال الأفارقة، بدخوله العملية التعليمية، وفرض المناهج التي تم التوقيع عليها داخل أروقة الأمم المتحدة أكثر الداعمين لعالم متحرّر بلا دين أو تقليد.
لقراءة الجزء الأول من الدراسة اضغط على الرابط التالي
https://2u.pw/GQjtf480