يتساءل الأفارقة: من سيحل محل الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب؟ الذكاء الاصطناعي سيغير شكل العالم. واحدة من أهم المجالات التي سيؤثر فيها الذكاء الاصطناعي هي القوى العاملة البشرية.
تحاكي خوارزميات الذكاء الاصطناعي الآن أنظمة العالم الحقيقي الذي نعيش فيه. كلما كان النظام زائدًا عن الحاجة، أصبح من الأسهل استبداله بالذكاء الاصطناعي. ونتيجة لذلك، تعتبر وظائف خدمة العملاء وتجارة التجزئة والمكاتب العامة هي الأكثر عرضة للخطر. وهذا لا يعني أن الوظائف الأخرى لن تتأثر، فقد أظهرت التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي أن جميع أنواع الوظائف الإبداعية والإدارية ستتأثر أيضًا بدرجات متفاوتة.
ومع ذلك، هناك نقطة مهمة لا يتم تناولها عادة في المناقشات حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مكان العمل. إنه البلد والشركة التي يعمل فيها موظفوك. وهذا يعني أن مكان عملك يمكن أن يكون بنفس أهمية ما تفعله. وتشير الاتجاهات والتوقعات الحالية إلى أن الأشخاص في البلدان النامية، الذين يشغلون نسبة أعلى من الوظائف التي تتطلب عملاً متكرراً أو يدوياً، سيكونون أول المتضررين وأكثرهم.
التصنيف حسب الجغرافيا:
وفقاً لتقرير “مستقبل الوظائف” الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي”، تعد التقنيات الناشئة والتحول الرقمي من بين أكبر العوامل الدافعة لنزوح الوظائف؛ حيث جاء في التقرير أن “غالبية الأدوار والوظائف الأسرع انخفاضًا فيما يتعلق بالطلب عليها هي الأدوار الكتابية أو السكرتارية”، حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب عليهم بصورة أسرع مقارنة بوظائف الصرافين والكتبة الذين يعتبر دورهم هامًا فيما يتعلق بعمليات التتبع، بالإضافة إلى كتبة الخدمات البريدية، وأمناء الصندوق، وكتبة التذاكر، وكتبة إدخال البيانات.
لنأخذ موظفًا في المكتب كمثال، تشمل مسؤولياته الرد على الهواتف وتلقي الرسائل وتحديد المواعيد، لدينا الآن إمكانية الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها أداء كل هذه المهام، والذين يمكنهم أيضًا العمل بدون توقف، أو مجانًا (أو جزء صغير من السعر)، دون أن يتأثروا بمشاكل شخصية، ودون الاضطرار إلى الضغط العقلي لتحسين سير عملهم. بالطبع سيكونون جذابين لأصحاب العمل!
للوهلة الأولى، قد تفترض أن موظف المكتب الذي يعيش في دولة متقدمة من المرجح أن يفقد وظيفته أكثر من نظيره في دولة نامية، حيث يبدو أن الأول أكثر عرضة لتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، ولكن في الحقيقة، من المتوقع أن يفقد المزيد من الناس في البلدان النامية وظائفهم، وسيعتمد نجاح كل دولة على مدى قدرتها على التكيف مع نزوح قوتها العاملة إلى مجالات أخرى. ففي عام 2009، أنشأ الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة مؤشر تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لقياس ومقارنة أداء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل البلدان وفيما بينها.
يقيس هذا المؤشر، من بين أمور أخرى:
مستوى وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع مرور الوقت في مختلف البلدان.
كيف تقارن تجربة كل دولة بتجارب الدول الأخرى؟
مدى قدرة الدولة على تطوير واستخدام هذه التقنيات لتعزيز نموها وتطورها في سياق القدرات والمهارات المتاحة.
وبعبارة أخرى، يمكن ربط درجة الدولة على هذا المؤشر بمدى تكيفها مع التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي.
ومن غير المستغرب أن تحتل الدول المتقدمة مرتبة أعلى من بقية دول العالم. وفي عام 2012، كانت الدول الخمس الأولى في التصنيف هي جمهورية كوريا والسويد وأيسلندا والدنمارك وفنلندا. أما المراكز الخمسة الأخيرة فهي إفريقية بامتياز: إريتريا وبوركينا فاسو وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر، فلن يكون لدى الناس في الدول النامية الكثير من الموارد للتكيف مع الاضطراب الناجم عن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي.
الثروة والفرصة تصنع الفارق:
قام البنك الدولي بتقسيم العالم حسب الدخل والمنطقة، موضحًا أن البلدان النامية هي من بين أقل البلدان دخلاً، فبشكل عام، يعد توظيف الأشخاص أسهل بكثير في البلدان النامية، وذلك بسبب انخفاض الأجور وتشديد المنافسة وقلة التنظيم لدعم الموظفين. كما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نحو 84% من سكان العالم في سن العمل يعيشون في البلدان النامية. وعلى نحو مماثل، تشير تقديرات تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في عام 2008 إلى أن 73% من كل عمال العالم يعيشون في بلدان نامية، في حين يعيش 14% فقط في بلدان صناعية متقدمة.
وهذا يعني أن أي وظائف كتابية لا يشغلها الذكاء الاصطناعي في البلدان النامية ستصبح أكثر تنافسية مما يستطيع معظم الناس التعامل معه. وكما كتبت إنديرا سانتوس، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، في عام 2016، في إشارة إلى الثورة الرقمية أن “الوظائف التي من المرجح أن يخسرها العمال يشغلها بشكل غير متناسب الأشخاص الأقل تعليماً وأدنى 40 في المائة من توزيع الدخل”. ونتيجة لهذا فإن الخطر الأكبر الناجم عن الثورة الرقمية لا يتمثل في البطالة الهائلة، بل في اتساع فجوة التفاوت في الدخل.
وستؤدي هذه العوامل إلى وجود نظام بيئي يحكمه أصحاب العمل في البلدان النامية. تتمتع هذه البلدان بارتفاع نسبة الوظائف التي يمكن استبدالها أو إزاحتها (مثل وظائف مراكز الاتصال)، وقدر أقل من الأموال والمهارات اللازمة لتنفيذ أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. كما أن تكلفة برامج وخوارزميات الذكاء الاصطناعي والقدرة على تحمل تكاليفها ستؤدي أيضًا إلى تسريع هذه العملية في مناطق معينة.
ويظل التفكير النقدي مهمًا:
ويشير الخبراء إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخلق العديد من فرص العمل، بما في ذلك الوظائف التي لم توجد بعد، كل ما في الأمر أن البلدان لن تكون جميعها مجهزة تجهيزا جيدا للقيام بهذا التحول عندما يحين الوقت. فيقول تقرير مستقبل الوظائف أن “التفكير التحليلي والتفكير الإبداعي يظلان من أهم المهارات بالنسبة للعاملين”، لذا، إذا كنت قلقًا بشأن الاحتفاظ بوظيفتك في المستقبل في القارة السمراء، فمن المفيد اكتساب المزيد من هذه المهارات.
علاوة على ذلك، يمكنك التوقف والتفكير في كيف يمكن للمكان الذي تعيش فيه أن يلعب دورًا في حصولك على عمل في المستقبل – وإذا كنت تعيش في دولة غنية ومتقدمة، فاعتبر نفسك محظوظًا.