بعد خسراتها المستمرة في إفريقيا.. فرنسا تحاول زيادة نفوذها في ليبيا عبر توحيد الجماعات المسلحة

سماهر الخطيب

خاص – مركز المستقبل

أصبحت ليبيا أرضاً للنزاعات الداخلية والأطماع الخارجية، بحيث باتت كعكة يحوم حولها الغرب، وكل طرف يحمل في جعبته لائحة لا تنتهي من الأسباب الخاصة التي تشرع حقه في إدارة البلاد، ولم يعد خافياً على أحد الصراع الإقليمي في ليبيا، حيث أن هذا الصراع بدأ يأخذ أبعاداً خطيرة جداً، ويبقى الخاسر الوحيد من هذا الصراع هم الليبيون أنفسهم.

فيما تصاعدت في الفترة الأخيرة التحركات الإقليمية والدولية في المشهد الليبي، في محاولة لمساعدة ليبيا على الخروج من الأزمة السياسية والأمنية عبر تحقيق توافق بين الفرقاء يفضي إلى استكمال مسار المصالحة الوطنية الشاملة، لكن مراقبين يرون أن تحركات تلك القوى، وأبرزها فرنسا، تعكس صراعا محتدما من أجل التموقع في ليبيا وبسط نفوذها هناك.

التدخلات الغربية في المشهد الليبي
منذ سقوط حكم القذافي، عملت الدول الغربية على تحقيق مصالحها في البلاد، فنجد أن واشنطن عملت على السيطرة التامة على المشهد السياسي، عبر سيطرتها على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي أصبح دمية بيد الإدارة الأمريكية، وهناك إيطاليا التي تحاول استعادة مستعمراتها القديمة في ليبيا عبر سيطرتها على قطاع النفط والغاز عن طريق توقيعها لإتفاقيات طويلة الأمد في مجال الطاقة مع حكومة الوحدة الوطنية، وأخيراً نجد انخراط فرنسا المُتزايد في الملف الليبي، وذلك بعدما فقدت نفوذها في القارة السمراء، لصالح النفوذ الروسي الصيني.

هذا ولم تنجو أموال الليبيين المجمدة في الخارج بسبب العقوبات، حيث أكدت التسريبات إلى أن الدول الغربية تسعى إلى تمويل عمليات التدريب والدمج من ثروات الشعب، والجدير بالذكر أن مجلس الأمن في 2022 إشترط وجود حكومة موحدة في ليبيا لرفع التجميد عن الأموال والأصول الليبية في الخارج، وحتى يومنا هذا لا يزال الإنقسام ينهش ربوع البلاد بسبب التدخل السافر لدول الغرب في الشأن الداخلي الليبي، بالإضافة إلى أن محاولة الاستحواذ على الأصول الليبية قضية تكررت خلال الأعوام الأخيرة من حكومات غربية وبنوك وشركات تجارية للاستحواذ على أصول وأموال مجمدة تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار، مودعة في البنوك الغربية أو مستثمرة كأسهم وسندات في الشركات الأوروبية.

الدور الفرنسي في الملف الليبي
أحد النظريات الهامة لإدراك السياسة الخارجية الفرنسية هذه المرة، هي أنها دولة طرفية لا تتبع لأي توجهات أنجلو سكسونية أو فرانكونية، وأن التدخل الخارجي في السياسة الليبية عادة ما يكون لأسباب لا تتعلق بليبيا، إنما بموقعها الجغرافي الذي يشكل أهمية خاصة لكثير من الدول الاستعمارية.

وبالتالي تعمل باريس هذه الأيام على تأكيد حضورها في ليبيا من خلال تنشيط دورها السياسي والاقتصادي، ولا سيما بعد إعلان موقع “أفريكا أنتليجنس” الفرنسي أن باريس تستعد لاستضافة قمة أمنية مصغرة تركز على ليبيا، بمشاركة ممثلي بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا، فيما سيكون على رأس جدول الأعمال خطة إنشاء وحدات عسكرية مشتركة في ليبيا من أجل تأمين حدودها.

وأكد موقع “أفريكا أنتليجنس” إلى أن القمة ستعقد في غضون أيام برئاسة بول سولير المستشار والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا، بحضور مسؤولين كبار من وزارات الخارجية والدفاع من بريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وتحاول فرنسا الدفع بخطة لتشكيل الوحدات المشتركة مع رئيسي الأركان العامة الليبية في الشرق والغرب، إلى جانب ضم ضباط من اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″؛ بهدف الوصول إلى جيش ليبي موحد، وطرح برنامج لنزع السلاح والتسريح، وإعادة الإدماج للمجموعات المسلحة.

بالإضافة إلى مساعي فرنسية للدخول بقوة على خط الأزمة الليبية عبر البحث عن دور في إقناع الفرقاء الأساسيين بالمضي قدما نحو تنظيم الانتخابات خلال العام الحالي، وهو ما أكد عليه مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بول سولير، والسفير الفرنسي في ليبيا مصطفى مهراج، خلال لقائهما مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بحديثهما عن “حرص فرنسا على استمرار الاستقرار في ليبيا ودعمها الكامل لجهود المنفي في معالجة الأزمة السياسية الراهنة بهدف إجراء انتخابات شاملة ونزيهة”.

وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، فقد أشاد المبعوث الفرنسي بدور المنفي في التصدي لحالة الانسداد السياسي، مؤكدا أن باريس “ستقف إلى جانبه في كل خطواته الرامية لضمان مشاركة جميع الأطراف الليبية في الانتخابات المقبلة”. فيما أشاد المنفي “بدور فرنسا المحوري في دعم ليبيا، وتطلعه لمواصلة التنسيق معها بشأن التحضير للانتخابات ودعم الاستقرار في البلاد”.

لقاء باريس في ميزان الخبراء
يرى بعض الخبراء في الشأن الليبي إلى أن لقاء باريس دليل على عدم احترام فرنسا لسيادة الشعب الليبي، خاصة بعد تأكيد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص، عدم دعوة أي جهة ليبية لحضور الاجتماع المزمع عقده، مما يأكد على أن هذه القمة تبحث أموراً تتعلق بمصلحة فرنسا والولايات المتحدة والغرب، ولن تبحث عن مصلحة ليبيا.
وأفادت بعض التسريبات الغربية إلى أن أحد أهداف هذا اللقاء هو تضييق الخناق على النفوذ التركي الروسي في ليبيا، حيث أن الدول الغربية يسعون إلى طرد القوات التركية المنتشرة في الغرب الليبي، بالإضافة إلى القضاء على قوات المشير خليفة حفتر المدعومة من روسيا والتي تشكل عائقاً أمام أطماع الغرب بالسيطرة على الجنوب الشرقي من ليبيا الغنية بالنفط والغاز الطبيعي.

ويرى مراقبون، أن الجهود الفرنسية تأتي في ظل انتكاسة الدور الأممي في ليبيا، وتأزم الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء بعد أن فقدت باريس تأثيرها التقليدي في عدد من مستعمراتها السابقة، ومنها النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما يمكن تفسيره برغبة الرئيس ماكرون في القيام بدور من داخل الملف الليبي لتعويض جزء من خساراته في الفضاء الافريقي. ويضيف المراقبون، أن فرنسا لا تزال تحاول إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الليبية، لاسيما بعد تشكل ملامح خارطة لتقاسم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي ظل التوافقات الجديدة التي بدأت في الظهور بين تركيا ومصر والتي يبدو أنها ستكون على حساب الدور الفرنسي بالخصوص والأوروبي بصفة عامة.

توحيد الجماعات المسلحة بهدف السيطرة على طرابلس
والجدير بالذكر إلى أن مشروع توحيد الجماعات المسلحة في جيش ليبي موحد، ماهي الا خطة أمريكا في الأصل، حيث تحاول واشنطن زيادة سيطرتها على الجانب العسكري عبر مرتزقة شركة “أمينتوم” الأمريكية العسكرية التي تشرف على تدريب الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، بهدف دمج هذه العناصر في جيش موحد، وذلك بعد سيطرتها على صناع القرار في طرابلس.

كما أن هذا المشروع الذي تدعو إليه باريس يتعارض مع الخطة التي صاغها أعضاء مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بما أنه يفتح الباب لمبادرات عسكرية خاصة، هذا بالإضافة إلى أن الخلافات الميدانية بين هذه الأطراف تعطل التوصل إلى اتفاق حول حلّ للأزمة الليبية.

رفض التدخلات الغربية في الشؤون الليبية
أكد مدير مركز الراية لحقوق الانسان الليبي في لندن بشير الاصيبعي، رفض الشعب الليبي لأي تدخل غربي في شؤون بلدهم تحت أية ذريعة، وحذر الاصيبعي من محاولات فرنسا وأميركا للتدخل بالشأن الليبي، حيث شدد على أن الشعب الليبي يرفض مثل هذا التدخل جملة وتفصيلا وسيقاومه، كما إضافة الاصيبعي على الدور المحوري والأساسي لدول الجوار الليبي وأهمية التنسيق فيما بينها في جهود لإنهاء الأزمة الليبية، وأن التسوية السياسية بين جميع الليبيين بمختلف انتماءاتهم هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إليها.

 

 

 

شاهد أيضاً

الحرب الروسية الأوكرانية: خطة فرنسية لدعم كييف هل تنجح؟

تستمر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على عدة محاور خاصة محور خاركييف الذي يعد حالياً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *