وسط تصاعد التوترات بين الأطراف الليبية المتنافسة، قامت جمهورية مصر العربية بالبروز مجداً كوسيط لحل الأزمة بين الطرفين من خلال استقبالها لرئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، في خطوة اعتبرتها الخارجية الليبية “خروج عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام”.
وفي هذا الصدد أعربت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، على لسان وزارة خارجيتها، عن «رفضها واستيائها» لاستقبال الحكومة المصرية بشكل رسمي لما عدّته «أجساماً موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي»، في إشارة إلى رئيس الحكومة المكلّفة من مجلس النواب أسامة حمّاد.
وأشارت الحكومة إلى أنها عملت على تجاوز حالة الاستقطاب الدولي وتعاملت بتوازن مع جميع الأطراف، بما في ذلك جمهورية مصر العربية. وأكدت على أنها أحرزت تقدمًا إيجابيًا في هذا الملف، وهو إنجاز يعتز به الشعب الليبي، مشددة على عدم قبول العودة إلى زمن الحكومات الموازية والمحاور الإقليمية والدولية التي أدت إلى نزاعات وحروب في ليبيا.
وجددت الوزارة تأكيدها على أن احترام سيادة الدول وحسن الجوار ودعم وحدتها ومؤسساتها الشرعية هو أساس بناء علاقات قوية بين الدول. وحذرت من أن مثل هذه الإجراءات الأحادية قد تؤدي إلى زيادة التوتر والاستقطاب، محملة الحكومة المصرية المسؤولية الأخلاقية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية.
ومن تداعيات الموقف المصري أبلغت حكومة الوحدة الوطنية الليبية،برئاسة الدبيبة، مسؤولين في المخابرات المصرية، ضمن العاملين بسفارتها في العاصمة طرابلس، بمغادرة أراضي البلاد فوراً، وفق ما أفاد مصدر مطلع.
ومن جانبها، عبرت وزارة الخارجية بحكومة أسامة حماد عن استغرابها من بيان حكومة الوحدة الوطنية، واصفة إياها بــ”الحكومة منتهية الولاية”.
واعتبرت الوزارة أن بيان حكومة الوحدة الوطنية يعكس إصرارها على مخالفة قوانين وقرارات مجلس النواب الجهة الشرعية في ليبيا، في إشارة الى أنها الحكومة الشرعية باعتبار تكليفها من مجلس النواب.
ودعت “الدول الصديقة والشقيقة إلى نقل سفاراتها، وممثلي الهيئات والمؤسسات الدبلوماسية والدولية إلى مدينة بنغازي”، باعتبار الظروف الأمنية غير المستقرة في العاصمة طرابلس”.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد استقبل -في وقت سابق الأحد- بمدينة العلمين رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي في طبرق أسامة حماد، وبحث معه تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات، ومساهمة الشركات المصرية في جهود إعادة إعمار ليبيا.
وتعد زيارة رئيس الحكومة أسامة حماد هي الأولى له خارج البلاد منذ تكليفه بتشكيلها منذ مجلس النواب الليبي في مارس/آذار 2022. وناقش مع رئيس الوزراء المصري ملفات التعاون بين البلدين ومساهمة الشركات المصرية في جهود إعادة الإعمار بليبيا.
وتأتي الزيارة في غضون تحشيد عسكري في اتجاه مدن غرب ليبيا، من جانب قوات الشرق الموالية للجنرال خليفة حفتر، المعروف باسم “الجيش الوطني”. إلى جانب اشتباكات في طرابلس بين القوى العسكرية الداعمة لحكومة الوحدة.
وتوترت العلاقات بين مصر وحكومة الدبيبة، على خلفية توقيعها اتفاقاً اقتصادياً مع الحكومة التركية في أكتوبر من عام 2022، بشأن التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الاقتصادية البحرية في المتوسط، وهو الاتفاق الذي واجهته القاهرة بالرفض.
كما تعتبرالقاهرة حكومة الدبيبة “فاقدة للشرعية” منذ تعيين مجلس النواب في مارس 2022 حكومة برئاسة فتحي باشاغا، الذي عُزل وحل محله حماد، في 16 مايو 2023.
لكن في مؤشر على تحسن العلاقات، زار الدبيبة، القاهرة في 4 يوليو الماضي، واتفق مع مدبولي، خلال لقاء على تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ودعم “القطاع الخاص في البلدين، وعقد المعارض والمؤتمرات للصناعات المصرية والليبية، وتشكيل مجلس رجال الأعمال المصريين الليبيين تحت إشراف الحكومتين، وتقديم الدعم اللازم لهم”، بحسب المكتب الإعلامي لحكومة الدبيبة.
وفي اللقاء نفسه، استعرض الدبيبة ومدبولي “نتائج اجتماعات اللجنة العليا المصرية الليبية التي عُقدت منتصف سبتمبر 2021 بالقاهرة، والتنسيق لعقد الاجتماع القادم لزيادة التعاون وتعزيز الاستثمار”.
وسبق أن أجرى مدبولي زيارة الى طرابلس في إبريل 2021، جرى خلالها توقيع 11 وثيقة تعاون في مختلف المجالات.
وفي المقلب الآخر يرى خبراء ومحللون سياسيون بأن الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد منذ تكليفها من مجلس النواب ، نجحت في ترسيخ مكانتها كحكومة شرعية تحظى بالدعم، خاصة من جمهورية مصر العربية. وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية التابعة لمجلس النواب، أعربت الحكومة عن تقديرها العميق لموقف مصر الداعم، والذي يتجلى في استقبالها الحافل لحماد ووفده. هذا الاستقبال يعكس مدى التزام مصر بدعم استقرار ليبيا ووحدتها، وهو ما يساهم في تعزيز دور الحكومة الشرعية على الساحة الدولية.
وبحسب الخبراء فإن استقبال مصر لرئيس الحكومة الليبية أسامة حماد يعتبر دليل قوي على الشرعية التي تتمتع بها حكومته والدعم المتزايد لها. ومع استمرار حكومة الدبيبة في محاولاتها اليائسة للبقاء في السلطة، يبدو أن الكفة تميل أكثر لصالح حكومة حماد، المدعومة بشكل قوي من مصر والدول الصديقة الأخرى،على حد قولهم.
ويشار إلى أن ليبيا تعاني بين الحين والآخر من مشاكل أمنية في ظل انقسام سياسي متواصل منذ عام 2022، إذ تتصارع حكومتان على السلطة: الأولى حكومة الوحدة المعترف بها أمميا برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس وتدير منها غرب البلاد بالكامل، والثانية حكومة أسامة حماد التي كلفها مجلس النواب ومقرها مدينة بنغازي وتدير شرق البلاد بالكامل ومدنا بالجنوب.