أفاد موقع eureporter أنه وقع 27 يوليو 2024، هجوم قام به متطرفون من الطوارق وجماعة الإسلام ودعم المسلمين الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة الجيش المالي والجيش الروسي المتمركزين في البلاد، مما يهدد أنشطة الشركات العسكرية الخاصة والقارة الأفريقية وركز مرة أخرى على التدخل الأجنبي.
وعقب الهجوم مباشرة، نشر المسلحون الإرهابيون خطاباً على شبكات التواصل الاجتماعي موجها لمن سموهم ب ”إخوانهم الأوكرانيين”، أعربوا فيه عن تضامنهم معهم في مواجهة روسيا. وبعد فترة وجيزة، قال أندريه يوسوف من مديرية المخابرات الرئيسية في أوكرانيا إنه متورط في الهجوم في مالي. ومع ذلك، كان الخبراء متشككين، قائلين إن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، التي لا تزال تحافظ على وجودها في أفريقيا من خلال المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة، لديها دوافع أهم للقيام بمثل هذه الهجمات، وأن الامر يتعلق بصراع نفوذ بين القوى الكبرى وليست قضية تضامن مجموعة من الإسلاميين الإرهابيين مع أوكرانيا.
في الآونة الأخيرة، كانت عمليات الشركات العسكرية الخاصة “الشرقية” هي الأكثر نشاطاً، وبالتالي جذبت أكبر قدر من الاهتمام. فمثلاً تكثف الصين أنشطتها الاقتصادية في أفريقيا، حيث وقعت اتفاقيات مع 52 دولة أفريقية، واليوم هناك 10 آلاف شركة صينية مقرها في أفريقيا، وحوالي 2 مليون عامل صيني يعملون في تطوير البنية التحتية، وبناء المساكن، والتصنيع، والتعدين في مختلف أرجاء القارة.
ولا شك أنا الاستثمارات التي تقدر بمليارات الدولارات تتطلب السلامة والأمن، فقد قُتل بالفعل مواطنون صينيون سابقاً نتيجة هجمات مختلفة، وتم اختطاف مواطنين صينيين أكثر من مرة من أجل الحصول على فدية، وهوجمت معسكرات البناء الصينية. وهذا دفع الصين الى إيجاد الحل لذلك عن طريق الإستعانة بشركات عسكرية خاصة لحماية مصالحها واستثماراتها في أفريقيا.
وضمن نفس السياق تسببت تجربة روسيا الناجحة في نشر قوات فاغنر العسكرية الخاصة في إفريقيا لمدة 10 سنوات في خيبة أمل دول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، التي لها بع طويل بالتدخل في الشؤون الإفريقية. لكن تختلف الطريقة التي تتفاعل بها روسيا مع الدول الأفريقية عن تلك التي يعتمدها الغرب لعقود، فروسيا تبني علاقات ليس فقط على المستوى الرسمي، بل علاقات مرنة غيررسمية مع السكان المحللين. وقد سمح هذا لروسيا بإزاحة الوجود الغربي في المنطقة بشكل كبير، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو، وكسب تعاطف وتأييد الملايين من الأفارقة العاديين.
ومن المعروف أن روسيا وقعت اتفاقيات رسمية مع عدد من الدول الأفريقية بشأن تحديث قواتها المسلحة. ويُشار إلى أن شركة فاغنر أبرمت عقداً مع وزارة الدفاع الروسية في عام 2023، ومثل جميع الشركات العسكرية الخاصة الروسية، تم وضعها تحت سيطرة الإدارة العسكرية لوزارة الدفاع. وبالتالي، فإن الوجود الروسي في الدول الأفريقية بات قانونياً ورسمياً بشكل تام، بالإضافة لكونه تواجداً شفافاً وعلنياً، وذلك على عكس اللاعبين الغربيين الآخرين الذين يختبئون وراء أسماء مختلفة للشركات العسكرية الخاصة، المعروفة بتورطها في جرائم الحرب وتهريب الأسلحة والمخدرات وعمليات الاختطاف وعدد من الصفقات المشبوهة.
وبدورها تعمل تركيا بنشاط على تطوير العلاقات مع أفريقيا، حيث افتتحت شبكة من السفارات في جميع أنحاء القارة في السنوات الأخيرة. وهي تركز على تعزيز التعاون العسكري، مع زيادة توريد المعدات العسكرية التركية خمسة أضعاف في عام 2021 وحده. أنشأت تركيا شركة خاصة هي شركة السادات الدولية للاستشارات الدفاعية (SADAT) في عام 2012. مؤسسها ومالكها هو عدنان تانريفردي، والذي توفي مؤخراً، وهو كان رجل أعمال كبير وعمل أيضاً كمساعد للرئيس التركي طيب رجب أردوغان من عام 2016 إلى عام 2022.
وقد صرح عدنان صراحة أنه نظرا للتقاليد العسكرية العميقة الجذور في تركيا، يمكن للشركات العسكرية الخاصة التركية تقديم الخدمات للدول الصديقة وتوفير فرص العمل للأفراد العسكريين المتقاعدين والمسرحين. وفي نهاية المطاف، يمكن استخدامها كأداة للسياسة الخارجية. ومن المفارقات أن الشركات العسكرية الخاصة التركية خاضت معركة ضد الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر وشركة فاغنر العسكرية الروسية في نهاية عام 2019.
أما بريطانيا، فقد أعلنت في عام 2023 عزمها تكثيف التعاون الأمني مع الدول الأفريقية، بما في ذلك من خلال برامج التدريب العسكري المحلية، وقد صرحّ بذلك وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي قبل زيارته إلى غانا ونيجيريا وزامبيا. وقال إنه يتعين على الغرب أن يقدم لإفريقيا سيناريو تنمية بديل يختلف عن السيناريو الذي اقترحته روسيا والصين.
بشكل عام، هناك الآن العشرات من الشركات العسكرية الخاصة الأجنبية العاملة في أفريقيا نذكر منها:
شركتي (Aegis Defence Services) و(G4S) البريطانيتين.
شركتي (Constellis) و(CACI) من الولايات المتحدة الاميركية.
شركة (Secopex).
شركة (Asgaard)
كما أن أوكرانيا تحاول الدخول الى الساحة الأفريقية بشركات عسكرية خاصة بها، وذلك للمواجهة مع روسيا بالمقام الأول. فبحسب وسائل إعلام فقد افتتحت شركة (Omega Consulting Group) الأوكرانية مؤخرا مكتبا في بوركينا فاسو.
كما ويعمل متعاقدون عسكريون من الصرب والكروات والبوسنة والهرسك في أفريقيا، بما في ذلك المشاركون السابقون في الحروب في يوغوسلافيا، لكن عدد هؤلاء غير معروف وغير خاضع للرقابة، لأن الشركات نفسها تميل إلى توقيع اتفاقيات السرية. وعادة لا تهتم النخب المحلية بالكشف عن علاقاتها بمثل هذه التنظيمات، إذ تعتمد عليها للبقاء في السلطة وتحقيق أرباح ضخمة.
بات واضحاً أن الأنجلوسكسونيين يتمسكون بالتقاليد القديمة للحكم الاستعماري، ويستعدون لمعركة جديدة من أجل الحفاظ على نفوذها في أفريقيا بل وتوسيعه، وفي ظل الواقع الأفريقي حيث التوتر والصراعات وحتى الغنقلابات العسكرية، فمن الطبيعي أن تلجأ الدول الى خدمات شركات الامن والشركات العسكرية الخاصة وحتى تجنيد واستخدام المسلحين المحللين، خصوصاً عندما لا يكون من الممكن الإعتماد على الجيوش أو قوات الامن الرسمية.
لكن ما يميز تعاطي دول الغرب مع الوضع الأفريقي، هو فشل الأساليب الغربية التقليدية التي كانت تتبعها، وهو الأمر الذي على ما يبدو دفع الغرب الى تبني أساليب أكثر عنفاً في مواجهة الدول المنافسة، وهو ما أظهره الهجوم الاخير في مالي.
يُذكر أن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) تم إنشاؤها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2100 الصادر في أبريل 2013 وذلك “لدعم العملية السياسية في ذلك البلد”. وبحلول فبراير 2023، ارتفع قوام البعثة إلى أكثر من 17 الفاً من العاملين بينهم الآلاف من “قوات حفظ السلام” المسلحة. وقد تم دفع أجورهم بسخاء من حساب خارج الميزانية توافق عليه الجمعية العامة سنويا.
بالإضافة إلى الخوذ الزرق، تم نشر القوات الفرنسية أيضًا في مالي لمحاربة الجماعات الإرهابية المحلية، بما في ذلك تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة. أرادت باريس استعادة السيطرة الكاملة على مالي، وعندما أصبح من الواضح أن ذلك لن يحدث، أعلن إيمانويل ماكرون انسحاب القوات الفرنسية من هناك.
وأمر مجلس الأمن بإغلاق بعثة الأمم المتحدة في مالي في 30 يونيو 2023، وطلب من أفرادها مغادرة البلاد بحلول 31 ديسمبر من العام الماضي. وعلى الرغم من أن قرار مجلس الأمن بإنهاء ولاية البعثة اتخذ بالإجماع، فقد انطلقت حملة مناهضة لروسيا في الغرب. وفقا لآخر الأخبار، فإن الدول الغربية لن تتخلى عن سياساتها العدوانية في أفريقيا، على الرغم من أنها تفقد الزخم. فقد أعلنت شركة (Amentum) العسكرية الخاصة الاميركية أنها ستعمل في غرب ليبيا، وستحل محل شركة (Bancroft) المذكورة سابقاً والتي كانت مهامها الرسمية تتمحور حول إجراء التدريب تحت رعاية الشركة الدولية ACOTA، فضلاً عن عمليات إزالة الألغام ومكافحة الإرهاب التي كانت تنفذها قبل ذلك في الصومال. ويبدو أن شركة (Bancroft) ستحاول مرة أخرى في ليبيا بعد فشلها في جمهورية أفريقيا الوسطى.