بدأت روسيا منذ سنوات الإعتماد على القوة الناعمة والدعاية من اجل نشر وتعزيز نفوذها في عدد من دول العالم، ولا شكل أن الالعاب الاكترونية تعتبر جزءاً أساسياً من وسائل التأثير على الرأي العام وخصوصاً الفئات الشابة، ولذلك هناك توجه روسي بالعمل على استخدام سوق الألعاب الالكترونية من أجل الوصول لأكبر شريحة ممكن من المجتمعات وخصوصاً في الدول التي تتميز بنسبة كبيرة من الشباب المراهقين الذين يحبون التكنولوجيا والالعاب. هذا الى جانب حقيقة أن سوق الالعاب يعد فرصة كبيرة لكسب الأرباح وهذا ما تؤكد عليه الأرقام. وبالتالي بات واضحاً أن روسيا تصيب عصفورين بحجر واحد!
وهذا الأمر تتحدث عنه كارين ألين المستشارة والكاتبة في معهد دراسات الأمن (ISS) ومركزه في جنوب أفريقيا، وله عدد من الأفرع والمكاتب في دول أخرى مثل كينيا وأثيوبيا والسينغال.
وبحسب المستشارة فيبدو أن المسؤولين الغربيين باتوا يتخوفون بشكل حقيقي من الدعاية الروسية، لدرجة وصل بهم الامر الى التنبيه الى العاب بحد ذاتها يتم ترويجها روسيا ولها تأثير حقيقي على الشارع الأفريقي، ومثال هذه الالعالب نموذج فجر أفريقيا (African Dawn) وهي لعبة جيواستراتيجية لاقت رواجاً كبيراً لدى الشباب الأفريقي، ويقول المتابعون والمسؤولون الغربيون أن مثل هذه اللعبة تروج العداء ضد قوى الإستعمار الجديد وخاصة ضد فرنسا في الساحل الأفريقي، وفي نفس الوقت تُظهر روسيا كحليف وصديق ينقذ أفريقيا من الإستعمار.
اضطرت فرنسا إلى إنهاء حملتها العسكرية ضد التمردات الإسلامية في بوركينا فاسو والنيجر ومالي. ساوى العديد من سكان الساحل بين العمليات الفرنسية في المنطقة وتدخل باريس في شؤونهم الداخلية. لذا، فإن سرديات لعبة African Dawn تقع على أرض خصبة – ولا يمكن أن يكون توقيت إطلاقها في بوركينا فاسو في يوليو أكثر استراتيجية من ذلك، فالأمر مدروس بدقة. اللعبة مليئة بالرسوم المتحركة المتطورة والرسومات الجذابة، وتعيد تمثيل الانقلاب الذي شهدته بوركينا فاسو في سبتمبر 2022 تحت قيادة الكابتن إبراهيم تراوري.
وتعكس رواية اللعبة تاريخ الاستيلاء على السلطة في العالم الحقيقي، وتدعو اللعبة اللاعبين إلى اختيار جانب محدد، حيث يمكنهم تمثيل إما تحالف دول الساحل الجديد بقيادة المجلس العسكري (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، مع فيلق أفريقيا الروسي (فاغنر سابقًا)؛ أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المدعومة من الغرب (إيكواس)، مع فرنسا وأمريكا.
وجدي بالذكر انه قد فرضت إيكواس عقوبات على الدول الثلاث مالي وبوركينا فاسو والنيجر ردًا على انقلاباتها، مما دفعها إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الكتلة الإقليمية.
تعتبر إفريقيا هدفًا استراتيجيًا رئيسيًا في حرب المعلومات الروسية، ويقول منتقدو روسيا إن الهدف هو تشكيل وتضخيم السرديات المتعلقة بالغرب الإستعماري وسعيه للإستيلاء على الدول الافريقية، وذلك رغم أن الإستعمار الغربي هو حقيقة تاريخية، والشعوب الأفريقية لم تنس دور فرنسا وبريطانيا ناهيكم عن استعباد الاف الأفارقة، وبالتالي فالدعاية الروسية تستند على حقائق تاريخية وأحداث قد وقعت وليست من محض الخيال.
ولقد نقل معهد (ISS) عن باحث مقيم في أفريقيا يعمل في مجال عمليات التأثير في منطقة الساحل، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن صناعة الألعاب أكبر بسبع مرات من صناعة الأفلام في أفريقيا، ما يجعلها وسيلة جذابة للتواصل مع جمهور من الشباب في الغالب”.
وأردف الباحث في كلامه: “إن تشكيل سرد معين داخل غلاف من الرسومات الرائعة وأسلوب اللعب الجذاب ونظام الاختيار والمكافأة يمكن أن يكون أداة مفيدة بشكل استثنائي للتأثير على التصورات والرأي، إن هدف أي عملية تأثير هو تغيير الطريقة التي يتصرف بها الناس، وما هي الطريقة الأفضل من وضعهم داخل سيناريو خيالي حيث يتم مكافأة الخيارات الصحيحة”.
والحق يُقال بأن روسيا لم تكن السبّاقة في مجال استخدام الالعاب الالكترونية كوسيلة للدعاية، فلقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الألعاب منذ فترة طويلة للدعاية والتجنيد العسكري، حيث تحظى ألعاب مثل سلسلة (Call of Duty) بشعبية خاصة بين الشباب. وبعضها أثار الجدل فعلاً مثل جزء (Call of Duty: Modern Warfare 2, No Russian) حيث كلفت اللعبة اللاعبين بارتكاب عمل إرهابي خيالي من خلال لعب دور المتطرفين الروس الذين يطلقون النار على المدنيين كجزء من مؤامرة تجسس.
هناك ما يقرب من 3.2 مليار لاعب فيديو على مستوى العالم. في حين لا تزال في مهدها في جميع أنحاء أفريقيا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الوصول المحدود والمكلف إلى الإنترنت، لكن سوق الألعاب ينمو في القارة السمراء، حيث بلغ إجمالي العائدات من الألعاب المباعة في أفريقيا في عام 2022 حوالي 862.8 مليون دولار أمريكي. مما يعني أن روسيا تنبهت مبكرةً الى أهمية سوق الالعاب في أفريقيا، وبالتالي من المتوقع أن نرى العاباً روسية جديدة تستهدف المجتمع الافريقي خلال السنوات المقبلة.
إن إطلاق African Dawn في بوركينا فاسو، وليس نيجيريا أو جنوب إفريقيا مع مجتمعات الألعاب الأكثر رسوخًا، يؤكد على الطبيعة المستهدفة للحملة. إن التأثير على المجتمع قد يكون بعيد المدى – وخاصة في أفريقيا، حيث يفتقر الشباب إلى استقرار الاقتصادات القوية، وفرص العمل، والحكم الرشيد، وفي بعض الحالات، حرية التعبير.
ويكشف عدد من التقارير عن أن هناك حركة ملحوظة في سوق الألعاب في جنوب أفريقيا هدفها ليس التسلية ولكن من اجل نشر دعاية معينة والتأثير في الرأي العام في المجتمع وخصوصاً لدى فئة الشباب.
ويقول مختصون ومراقبون أن لعبة African Dawn مرتبطة أيضاً بمنظمة المبادرة الأفريقية (African Initiative) وهي خدمة معلومات إخبارية مؤيدة لروسيا ولديها مكاتب في بوركينا فاسو ومالي. وقد تسبب وجودها في إثارة القلق لدى الحكومات الغربية، التي وصفتها بأنها صوت لدعاية الكرملين واتهمتها ب “تحريف الخطاب الوطني وتقويض برامج المساعدات الغربية، بما في ذلك مبادرات الصحة العامة”.
وفي حفل إطلاق اللعبة، قال غريشا بوتين، مبتكر لعبة الفجر الأفريقي – وهو منشئ محتوى شهير عبر الإنترنت: “اليوم أصبحت ألعاب الفيديو هي الناقل الجديد للتاريخ العالمي، تمامًا مثل الكتب والأفلام. يجب أن يكون لدينا كل شيء خاص بنا. يجب صنع ألعاب فيديو محلية!” غريشا بوتين.
مترجم عن موقع Eurasia Review