كشفت تقارير إعلامية ومحلية سودانية عن السبب الأساسي وراء استمرار الصراع الدامي في السودان وهو تعدد الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في النزاع السوداني بشكل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى تشابك مصالح تلك الأطراف السياسية والاقتصادية والأمنية على أراضي السودان دون الاكتراث لمصير الشعب السوداني.
ووفق التقارير الإعلامية فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أحد هذه الأطراف، بحيث أن حرب الوكالة تعتبر إحدى الاستراتيجيات الأساسية التي تتسم بها السياسة الخارجية الأميركية في العقدين الماضيين. وبحسب تلك التقارير فإنّ الولايات المتحدة تحولت لاتباع استراتيجية حروب الوكالة وادارة الصراعات عن بعد وذلك بعد حرب العراق وأفغانستان وغيرها، لأن هذه الاستراتيجية باتت أنجح وأقل تكاليف كما أنها تبعد الإدارة الأمريكية عن أي ادانة دولية أو تهم بالتورط في الأزمات والحروب والكوارث التي تعصف بدول الشرق الأوسط وأفريقيا وفي الوقت ذاته تحقق لها مصالحها السياسية والاقتصادية.
فيما أكدت بعض المعلومات والتقارير الصحفية نقلاً عن شهود عيان ومصادر عسكرية أن القوات الأوكرانية التي تم توثيق وجودها في السودان، تعمل في الأسابيع القليلة الماضية على تدريب قوات “الدعم السريع” على استخدام المسيرات، بل ومدت قوات “حميدتي” بمسيرات أوكرانية وساهمت في عدة هجمات نفذها الدعم السريع ضد الجيش السوداني في عاصمة إقليم دارفور في الفترة الماضية، وهذه التأكيدات جاءت بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن حول ضرورة إنهاء معاناة الشعب السوداني وضرورة انخراط الأطراف المتحاربة بالمفاوضات وتأمين المساعدات الإنسانية.
وجدير بالذكر أنه ومنذ نهاية العام الماضي، وحتى اليوم، تزايدت المعلومات والتقارير الصادرة عن وسائل إعلام عربية وأجنبية، عن انتشار وحدات خاصة من القوات الأوكرانية في السودان والصومال وعدّة دول أفريقية بأوامر من واشنطن، فخلال الشهر الماضي، نقلت بعض وسائل الإعلام معلومات نقلاً عن مصادر عسكرية أفريقية، قيام بعض الخبراء العسكريين الأوكران بتدريب عناصر تابعة لـ”ائتلاف الوطنيين من أجل التغيير” من جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ائتلاف من الجماعات المسلحة يعتبر داعم للرئيس السابق الموالي لفرنسا فرانسوا بوزيزي. وتدعم فرنسا هذا التحالف منذ عام 2020، وتسعى من خلاله لإحداث توترات في البلاد للإطاحة بالرئيس الحالي واستعادة النفوذ الذي فقدته مؤخرًا.
وجاء تأكيد هذه المعلومات على لسان رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، مشيراً إلى أن “أوكرانيا بالفعل تنشر وحدات عسكرية خاصة في السودان تقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع “، كما أكد النائب في البرلمان الأوكراني أليكسي جونشارينكو في حوار مع شبكة سي ان ان الأمريكية، في فبراير شباط الماضي، استعداد كييف للقتال مع واشنطن في أي بقعة من العالم، حيث قال: “وفي المستقبل، سيكون الأوكرانيون على استعداد لمحاربة إيران أو الصين أو كوريا الشمالية أيضاً، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، إذا لزم الأمر، لذلك، يجب على واشنطن الاستمرار في تقديم المساعدة لكييف”.، في إشارة غير مباشرة لاستخدام واشنطن للقوات الأوكرانية كـ “مرتزقة” للقتال في أفريقيا شريطة الحصول على الدعم الأمريكي.
وكانت كثير من الشبكات والوسائل الإعلامية المحلية والعالمية، مثل صحيفة “كييف بوست” الأوكرانية، و”سي ان ان” الأمريكية، وموقع “الايكونمست”، والغارديان، وبعض المواقع التركية والعربية، قد نشروا في وقت سابق تقارير ومعلومات توثق وجود القوات الأوكرانية في السودان.

وفي هذا الصدد، تقول دكتورة العلاقات الدولية والدبلوماسية سماهر الخطيب لـ”مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر”: بأن الدور الأميركي بشكل خاص والغربي بشكل عام، في الصراع الدائر في السودان يندرج ضمن استراتيجية الحرب بالوكالة، كما أن الأميركي والغربي يستخدمان الخداع الدبلوماسي في إدارة هذه الحرب كغيرها من الحروب، فلو راقبنا تصريحات المسؤولين الأمريكيين منذ بداية الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، نلاحظ بأنها علناً تدعو للتهدئة والمفاوضات والحل السياسي، وسراً تدعم إحدى طرفي الصراع بالسلاح والمرتزقة وتغذي الصراع بما يتوافق مع مصالحها، وهذا يندرج ضمن الخداع الدبلوماسي كأحد الأدوات الأميركية والغربية في إدارة الصراع عبر خداع أحد الأطراف بالتهدئة ودعم الطرف الآخر ضده”.
وبحسب أستاذة العلاقات الدولية والدبلوماسية، فإن “الولايات المتحدة الأمريكية، ووفق استراتيجيتها المعهودة بإعادة تصنيع المرتزقة التي تأتمر بأمرتها قامت باستخدام المقاتلين الأوكران في السودان لدعم قوات (الدعم السريع) ضد الجيش السوداني، بعد أن استخدمتهم سابقاً لدعم الجيش السوداني، وهذه الاستراتيجية تكررت في الحروب والصراعات التي أدارتها وتديرها الولايات المتحدة سواء في أفغانستان أو في سورية واليوم في السودان”.
وأضافت الخطيب، بأنه “وفق ما تم تداوله فقد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رفض الانصياع لشروط واشنطن في المفاوضات حول الأزمة السودانية، فتوجه شرقاً للحصول على الدعم الإيراني، وعلى ما يبدو بأنّ هذا التوجه كان سبباً في تحول واشنطن نحو دعم قوات الدعم السريع بالمسيرات والمقاتلين الأوكران”.
وأشارت الخطيب إلى أنّ “واشنطن بدأت باستخدام قوات الجيش الأوكراني كمرتزقة بعد تدميرها لأوكرانيا ومقاتلتها لروسيا في حرب الوكالة لتحقيق مصالحها في دول أخرى، في الوقت الذي تعاني منه أوكرانيا من نقص حاد في المقاتلين، وما يجري في السودان هو خير دليل”..
وتوقعت الدكتورة سماهر الخطيب أن تفشل الولايات المتحدة في استراتيجيتها في السودان باعتبار أن التوجه شرقاً بات ليس مطلب الجيش السوداني فحسب بل مطلب القارة الأفريقية برمتها أمام بطش وغطرسة السياسات الأميركية المصلحية..