يكاد يُجمع معظم الباحثين والمتخصصين بالشأن السوداني والصراعات الدولية، على أن العامل الأهم في استمرار الصراع في السودان هو تعدد الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في النزاع بشكل مباشر وغير مباشر، وتشابك مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية على أراضي البلد الغني جداً بالثروات، دون الاكتراث لمصير الشعب السوداني، الذي لا يزال يقبع تحت ويلات الحرب وآثارها المدمرة.
وفي هذا الصدد، ترجّح التقارير الإعلامية بأن استمرار الصراع الدامي بين قوات الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، هو نتيجة تعثر كل المسارات والمبادرات السياسية التي رعتها قوى إقليمية ودولية، وفشلها في الوصول لحل سياسي شامل للأزمة السودانية.
وفي سياق متصل، أطلقت الأمم المتحدة الشهر الماضي دعوة إلى نشر قوات “دولية محايدة” لحماية المدنيين السودانيين من دون تأخير، ووفق ما نقله تلفزيون “الحدث” فإن “الأمم المتحدة أشارت في بيان رسمي، إلى أن طرفا الصراع ارتكبا (جرائم مروعة) بحق المدنيين ومن الضروري إيقافها”. ويبدو أن الدعوة الأممية أتت بسبب ضغوط أمريكية وفرنسية متزايدة نحو تحقيق هذه الخطوة لأسباب يُعتقد أنها سياسية ولكن بغطاء حماية المدنيين، وفقاً لمراقبين لتلك الدعوة.
في المقابل، رفضت الحكومة السودانية كل ما يتم الحديث عنه حول نشر قوات دولية في السودان مشيرة إلى أن ذلك يعتبر “غزواً وانتهاكاً لسيادة الدولة”.، كما أنه “لم يتم التشاور مع الحكومة السودانية من أجل نشر قوات إفريقية في السودان”، وفقاً لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار والذي أكد خلال تصريحات لتلفزيون “الشرق” أن “تجاوز المعايير الدولية لنشر قوات إفريقية في السودان يعتبر غزوا وانتهاكا لسيادة الدولة”.
كما نقلت وسائل إعلام عربية وأفريقية الأسبوع الماضي، تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو، خلال اجتماع له مع مجموعة من الصحفيين في العاصمة الكينية نيروبي، حول انخراطه بمشاورات مع الاتحاد الأفريقي بشأن إمكانية نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين، وذلك بسبب استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الدعوات الدولية للتدخل لحماية المدنيين.
وكان بيرييلو قد كتب، في 4 أكتوبر الجاري، «فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي، لإيجاد آلية مراقبة بشأن الاتفاقيات الحالية والمستقبلية، بهدف حماية المدنيين في السودان»،
في هذا الصدد، قدم مستشار وزير الإعلام اللبناني الأستاذ مصباح العلي قراءته للشأن الأفريقي قائلاً بأن “دعوات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، والأمم المتحدة لنشر قوات دولية في السودان ، تخفي ورائها كثير من إشارات الاستفهام في توقيتها ومضمونها، ويبدو أنها تندرج بسياق خطة غربية – أمريكية تم تجهيزها لتغيير الواقع الحالي في السودان وتحقيق ما فشلت السياسة بتحقيقه بالقوة العسكرية”.
وبحسب المستشار اللبناني، فإن “هذه الدعوات تحمل في طياتها أهداف عدّة يمكنها أن تدفع واشنطن والقوى الغربية، نحو خيار نشر قوات عسكرية تحت غطاء أممي”، ما يعني بأنها “ليست فقط لحماية المدنيين أو إيقاف الحرب الدائرة في البلاد كما تم الإعلان عنها”.
أما عن السبب وراء السعي الأمريكي الحثيث لنشر قوات في السودان فهو “فشل كل المبادرات السياسية الدولية والإقليمية التي رعتها ودعمتها واشنطن وباريس وكل القوى الغربية لإنجاز حل سياسي يوقف الصراع الدائر ويحقق مصالحها في ثالث أكبر بلد في القارة السمراء، وكان آخرها “مفاوضات جنيف” التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية، وحاولت إجبار البرهان على حضورها بصفته قائداً للجيش السوداني، إضافة إلى الفشل العسكري والسياسي للقوى السودانية المدعومة من الغرب بحسم الصراع وتحقيق الأهداف وفقاً للمصالح الغربية في البلاد”.
ونوّه المستشار اللبناني إلى “وجود مساعي أمريكية وغربية حثيثة لإدخال عملاء وضباط استخبارات إلى السودان، وهذه المساعي بدأت منذ بداية الصراع، بالتالي فإنّ نشر قوات دولية على أراضي السودان سوف يسهل على واشنطن والدول الأوروبية نشر عناصر استخباراتية وعسكرية لها على أراضي السودان بغطاء أممي، مما يعزز نفوذها في الداخل السوداني.” مشيراً إلى حصول ذلك سابقا عندما قامت واشنطن وأجهزة الاستخبارات الغربية بـ”استغلال عمل المنظمات الإنسانية لهذا الغرض”.
وختم العلي قراءته بترجيح أن “توجه البرهان شرقاً هو ما دفع واشنطن والقوى الغربية لدعم نشر قوات دولية في السودان، باعتبار أن واشنطن والقوى الغربية ترى بتوجهات البرهان شرقاً تمثّل تهديد مباشر لمصالحها الجيوسياسية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة”.