سياسة ألمانيا الخارجية في دعم النفوذ التركي على حساب النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية

استحوذت القارة السمراء الغنية بالثروات والموارد، على اهتمام القوى الكبرى والصغرى في العالم عبر التاريخ حيث كانت وما زالت مَحَطّ الأنظار ومركز الثقل لتحقيق المكاسب، واليوم بات التنافس الدولي على أشده في مسعى الدول الكبرى لتثبيت موطئ قدم لها في أفريقيا، وبشكل خاص في ظل حالة اللايقين التي يمر بها النظام الدولي، واندلاع الأزمات العالمية المتلاحقة في أصقاع العالم، ومن البديهي أن نذكر فرنسا والولايات المتحدة وكذلك إيطاليا عندما يكون الحديث عن دور الدول الغربية في هذا، غير أنّ اللاعب الخفي الذي يندر الحديث عنه هو ألمانيا.

وفي هذا الصدد، تشير التقارير الإعلامية وتحليلات الخبراء إلى أنّ ألمانيا تسير في تحقيق أطماعها على النقيض من المسار الفرنسي والأميركي والإيطالي، ففي حين تستحدم فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأساليب القديمة في القارة السمراء ويسعون إلى إبرام اتفاقيات تعاون مع دول القارة بشروطهم الخاصة، يوق الخبراء  بأن ألمانيا اختارت مساراً أكثر لباقة من شراكئها الغربيين.

ووفق الخبراء والمراقبين للسياسة الألمانية، فإن النهج الألماني هو على وجه التحديد النهج الهجين، بحيث تقوم ألمانيا بالمحافظة على الدبلوماسية والعلاقات التجارية مع الدول الأفريقية، وفي الوقت نفسه تحقق طموحاتها الجيوسياسية الجدية، والتي تمنحها الحفاظ على مكانتها كزعيم للاتحاد الأوروبي، من خلال تحالفات مع دول صديقة كتركيا مثلاً.

ووفق الخبراء فأن الدور الألماني الخفي في دعم النفوذ التركي طفى على السطح مع ازدياد التقارير التي تتحدث عن الدور التركي الكبير والمتنامي في القارة الأفريقية، خصوصاً في بعض مسارح الاهتمام الكبيرة، مثل ليبيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر، وأبرمت اتفاقيات تعاون عسكري، وصفقات تسليح وتدريب، ما يؤكد تصدّر القارة اهتمام صُناع السياسة الخارجية التركية.

واللافت هنا، ما ذكرته مجلة “كومباكت” الألمانية المعارضة، نقلاً عن مصادر خاصة في جهاز الاستخبارات الألماني بأن رئيس مديرية الصناعات الدفاعية التركية، هالوك جورجون، ونائب رئيس المخابرات التركية، أحمد جمال الدين تشاليك، وصلا إلى برلين في 8 يوليو/تموز، في زيارة استغرقت يومين. وبُحث خلال الاجتماع مسألة خطط ألمانيا لسحب قواتها العسكرية من النيجر، والتي كان من المفترض أن تكتمل بحلول 31 أغسطس.

ومن ثمّ قام كل من جورجون ورئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن بزيارة النيجر في 17 يوليو/تموز كجزء من وفد ضم أيضاً وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ووزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار، لأول مرة منذ تغيير الحكومة في النيجر، حيث ناقش الأتراك خلال الزيارة آفاق التعاون المشترك في المجال العسكري.

وفي أعقاب هذه التقارير، برزت معطيات وأحداث نقلتها مصادر إعلامية عن تنامي الدور التركي وموازاته لانحسار الدور الفرنسي في القارة، ما أثار حفيظة الأخيرة، التي وجدت نفوذها يتقلص حتى على الصعيد الداخلي في الاتحاد الأوروبي.

د. سماهر الخطيب - متخصصة في العلاقات الدولية والدبلوماسية
د. سماهر الخطيب – متخصصة في العلاقات الدولية والدبلوماسية

وفي هذا السياق أشارت المتخصصة في العلاقات الدولية والدبلوماسية الدكتورة سماهر الخطيب لـ”مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر” إلى أنّ

السلوك الألماني في الملفات الخارجية، يوحي بأنّ الألمان يحاولون العودة إلى الساحة الدولية بقوة، وأن يحجزوا لهم مكاناً في النظام العالمي الجديد والذي بدأت تتضح معالمه”، مضيفة بأنّ “هذا السلوك بدا واضحاً في زيارات بدا واضحاً في زيارات أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية الأخيرة سواء في الشرق الأوسط من خلال زياراتها إلى لبنان وصولاً إلى شرق آسيا وزيارتها إلى الصين. وهذا إن دل على شيء فيدل على مسعى ألمانيا إلى العودة  بقوة إلى الساحة الدولية وتعزيز وجودها في الملفات كافة”، وتابعت الخطيب: “أما في القارة السمراء ومع تعدد اللاعبين الدوليين في هذه القارة فإن ألمانيا توجهت نحو سياسة اللعب بالخفاء دون لفت الانتباه إليها، فوجدت في تركيا ضالتها، لتعزيز مكانتها داخل الاتحاد الأوروبي أمام الطموح الفرنسي المتزايد والرفض الأفريقي للوجود الغربي”.

وأكدت المتخصصة في العلاقات الدولية والدبلوماسية على أن “أحد أهم النقاط التي يجب الإرتكاز عليها في تحليل التعاون الألماني – التركي في الملف الأفريقي تتضح في زيارة الوفد التركي إلى برلين في 8 يوليو، ووضع استراتيجية مشتركة مع ألمانيا، للتعاون في الشأن الأفريقي، ومن ثمّ قام وفد تركي ضم كل من وزير الخارجية التركي ورئيس المخابرات ووزير الدفاع بزياة فريدة من نوعها إلى النيجر، وفي هذه الزيارات دلالة واضحة على العلاقات التي تربط كل من تركيا وألمانيا ومصالحهما في أفريقيا والاتحاد الأوروبي”.

وأوضحت الخطيب إلى أن “تركيا عززت نفوذها في القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة مستغلة انحسار النفوذ الفرنسي في القارة، وفي المقابل استغلت ألمانيا تنامي النفوذ التركي ودعمته بهدف تحقيق مصالح ومكاسب اقتصادية في الدول الأفريقية التي تدخل ضمن نطاق نفوذ تركيا، وفي الوقت نفسه ساهم تقلص كل من نفوذ وقوة فرنسا على الصعيد السياسي والاستراتيجي، على إحباط وعرقلة آمال وأطماع باريس في قيادة الاتحاد الأوربي بدلًا من برلين”.

وختمت المتخصصة في العلاقات الدولية والدبلوماسية بالقول: “بالنظر إلى السلوك الألماني في الملفات الخارجية، يحاول الألمان العودة إلى الساحة الدولية بقوة، عبر التنافس مع فرنسا في الملفات كافة، ففي الشرق الأوسط تسعى لأخذ دور محدود لإن هوامش الأدوار التي يتركها الأميركي لحلفائه ضيقة في الشرق تحديداً، وفي أوروبا تسعى لعرقلة الآمال الفرنسية لقيادة الاتحاد الأوروبي، وفي أفريقيا تسعى لوضع موطئ قدم في أفريقيا على حساب الدور الفرنسي، إضافة إلى تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة ومحاولة إيجاد توازن في علاقتها مع الصين وروسيا”.

شاهد أيضاً

سوريا بين فوضى السلاح وتحديات المصالحة .. هل ينجح أحمد الشرع في توحيد الصفوف؟

تؤكد الأحداث الأخيرة في الساحل السوري أن الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة لم يتمكنوا بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *