مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) يسلط الضوء على المشاريع الاقتصادية في أفريقيا والاستثمارات هناك وتوازنات القوى الدولية اللاعبة على الساحة الافريقية.
لقد دار الكثير من الحديث مؤخرا حول القطارات في جنوب أفريقيا. ويبدو أن الولايات المتحدة والصين، بدافع من السباق على المعادن والموارد الطبيعية الأفريقية، تدعمان شركات السكك الحديدية المتنافسة لتأمين الوصول إلى 70% من الكوبالت في العالم، و12% من النحاس في العالم، واحتياطيات كبيرة من الكروم والجرافيت والليثيوم والمنغنيز والنيكل.
ولم تبخل هذه القوى الخارجية باستثمار مليارات الدولارات لتجديد خط سكة حديد بنجويلا الذي تم تمويله من قبل الولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع الكبرى، كجزء من ممر لوبيتو، وخط سكة حديد تنزانيا زامبيا الذي بنته الصين.
وبحسب تقرير المركز فلقد استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 4 مليارات دولار لتطوير ممر لوبيتو الاقتصادي، بما في ذلك تجديد خط سكة حديد بنجويلا الذي يبلغ طوله 1866 كيلومترا في أنجولا ودعم توسيع خط سكة حديد جديد بين جمهورية الكونغو الديمقراطية الجنوبية وزامبيا.
وحالياً تمول الولايات المتحدة في الوقت نفسه مشاريع الطاقة النظيفة، وتدعم استثمارات البنية التحتية، وتعيد تركيز برامج الزراعة، وتدعم مبادرات أخرى بهذا الخصوص، فضلاً عن العمل مع القطاع الخاص، وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، ومؤسسات تمويل التنمية، والشركاء الأوروبيين.
ومن جهتها وافقت جمهورية الصين الشعبية على إنفاق مليار دولار لإحياء خط سكة حديد تازارا الذي يبلغ طوله 1860 كيلومترًا. ولقد شهد الرئيس الصيني شخصياً توقيع مذكرة التفاهم بين نظيريه الزامبي والتنزاني في منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين في سبتمبر 2024.
“كان خط تازارا، الذي بناه عمال صينيون في السبعينيات، بمثابة تحفة للعلاقات الصينية الأفريقية، لكنه كان يُدار بشكل سيئ وكان أداؤه ضعيفًا باستمرار. واليوم لا تزال شركة تشييد الهندسة المدنية الصينية، وهي شركة تابعة لشركة تشييد السكك الحديدية الصينية المملوكة للدولة، تتفاوض على امتياز لتشغيل السكك الحديدية لمدة 30 عامًا. إذا تم الاتفاق، ستعمل شركة تشييد الهندسة المدنية الصينية على تطوير وتحديث سكة الحديد وتسليم قاطرات جديدة لزيادة السعة والمساعدة في تحويل المزيد من البضائع الثقيلة من الطرق إلى السكك الحديدية” – كما جاء في التقرير.
لكن، وبحسب تقرير المركز، فالولايات المتحدة لا تقف متفرجة:
“ستمثل رحلة الرئيس جو بايدن القادمة إلى أنغولا – والتي تم تأجيلها مؤخرًا بسبب إعصار ميلتون، ولكن من المتوقع إعادة جدولتها لهذا الخريف – أول رحلة له إلى المنطقة الأفريقية وأول زيارة رئاسية أمريكية على الإطلاق للدولة الواقعة في جنوب غرب إفريقيا. من المؤكد أنه سيقضي الكثير من وقته في تأكيد ومتابعة الاستثمارات الأمريكية في ممر لوبيتو. ومن المؤكد أيضًا أن وسائل الإعلام الدولية ستصور شركتي السكك الحديدية كممثلين رئيسيين في دراما التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين”.
يُذكر انه في قمة مجموعة السبع في هيروشيما باليابان في عام 2023، وعد الرئيس بايدن بأن خط السكك الحديدية سيمتد من الشواطئ الغربية لأنجولا إلى حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى المحيط الهندي، وربط القارة من الشرق إلى الغرب لأول مرة. وفي هذا العام، استضاف وزير الخارجية أنتوني بلينكين أعضاء اتحاد ممر لوبيتو في مائدة مستديرة رفيعة المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرحباً بمشاركة تنزانيا.
كان الآباء المؤسسون لأنجولا وتنزانيا وزامبيا يتحدثون كثيراً عن أهمية الاتصال ببقية أفريقيا عبر السكك الحديدية. وكانوا ينظرون إلى السكك الحديدية في بلدانهم باعتبارها مشاريع سياسية تساعد في ربط وتحرير جنوب أفريقيا. وفي عام 1975، أعلن الرئيس الزامبي كينيث كاوندا أن كلما كانت هناك شبكة اتصال أكبر وأوسع بين البلدان الأفريقية، كلما كانت الدول أقرب لبعضها البعض، مما يعني أن الدول الأفريقية تستفيد من التنافس الصيني الأميركي على أراضيها، لطالما ان الاتفاقيات تصب في مصلحتها.
واليوم في عام 2024، لا يزال هناك شغف لتحقيق هذا الحلم الأفريقي الشامل ببناء شبكة سكك حديدية تربط القارة. وفي هذا الصدد قال المدير الإداري السابق لشركة تازارا للسكك الحديدية أكاشامباتوا مبيكوسيتا ليوانيكا لبودكاست الصين في أفريقيا: “أعتقد أن أفكار ربط السكك الحديدية التي تم الحديث عنها على مر السنين ضرورية للغاية. يجب أن يكون هناك ارتباط من الساحل الأنغولي عبر الكونغو إلى حزام النحاس الزامبي، والربط بالسكك الحديدية الزامبية، والربط بتازارا ودار السلام، وكذلك الوصول إلى نقطة المنتصف من تازارا إلى لوبيتو”.
التقرير يشير الى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الصين والولايات المتحدة تتنافسان وكل منهما تستثمر في خط سكك حديدية، وهي تلك الخطوط التي كانت تعاني من مشاكل أساساً من حيث الخدمات وأعمال الصيانة المكلفة والصعبة، وواضح أن الدول الافريقية لا تريد أن يكون التنافس الاميركي الصيني بمثابة عثرة امام اكتمال تحقيق الحلم الافريقي، وهو حلم يمتد لحد تحقيق فكرة ربط مشروعي السكك الحديدية تازارا ولوبيتو، فكل خط على حدى لم يحقق الجدوى الاقتصادية التي كانت مرجوة منه. وبات واضحاً للخبراء أن توحيد أو ربط المشروعين بات أمراً ضرورياً لا يمكن تجاهله.
وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق بين لوبيتو وتازارا، فسوف يتعين على المسؤولين الأفارقة والأميركيين والصينيين أن يضعوا جانباً غرورهم وعداواتهم، فضلاً عن معالجة القضايا القديمة المتعلقة بعدم كفاءة الحكومات والفساد في الدول المساهمة والواقعة على طريق هذه السكك، حتى يتسنى لهم تحقيق هذا الاتفاق.
وكثيراً ما يروج الاتحاد الأفريقي لشبكة السكك الحديدية الأفريقية المتكاملة عالية السرعة التي تضم كلاً من لوبيتو وتازارا باعتبارها عقداً رئيسية. ويبدو من المعقول أن تدعم مجموعة التنمية في جنوب أفريقيا ودولها الأعضاء، هذه المبادرة، وخاصة إذا كانت تستند إلى نية زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في معالجة المواد الخام محلياً. فضلاً عن ذلك، لابد من بذل جهود متضافرة لمعالجة تحديات الحكم، بما في ذلك الفساد، التي أعاقت فعالية تازارا لفترة طويلة.
وقد ورد في التقرير: “لقد ألمحت الولايات المتحدة بالفعل إلى انفتاحها على ربط السكك الحديدية بين البلدين، ولكنها تستطيع أن تفعل المزيد لتعزيز هذه الأجندة. أولاً، ينبغي للرئيس بايدن أن يعرب عن دعمه الشخصي لهذا الهدف الطموح عندما يعيد جدولة رحلته إلى أنغولا. ثانياً، ينبغي للحكومة الأميركية أن تستفيد من برنامج عتبة مؤسسة تحدي الألفية الجديد في تنزانيا لمعالجة أي عقبات سياسية أو تشريعية. ثالثاً، ينبغي لها أن تفتح العديد من البرامج الأميركية للدول الأفريقية، بما في ذلك قانون خفض التضخم وشراكة أمن المعادن. كما ينبغي لها أن تمنح المزيد من الدول، بالإضافة إلى كينيا، الحق في الاستفادة من قانون الرقائق والعلوم لدعم المعالجة المحلية، كما تفعل بالفعل مع النيكل في تنزانيا.”.
ويخلص التقرير الى أنه من خلال ربط خط لوبيتو وخط تازارا، هناك إمكانية لتحقيق الحلم الأفريقي المؤجل منذ فترة طويلة بإنشاء ممر نقل واقتصادي عابر للقارات يعود بالنفع على الأفارقة وشركائهم الخارجيين على حد سواء.
المصدر:
https://www.csis.org/analysis/two-railroads-one-vision