مبادرات فردية وتعقيد متصاعد
يشتد الاحتقان في الداخل الليبي وسط تحركات متسارعة من شأنها تزايد التوترات، حيث يبدو أن طرابلس باتوا يميلون إلى الحلول الأحادية في محاولة للسيطرة على المناصب السيادية وتقاسم الثروات والسلطة.
واحتجاجا على قيام سلطات طرابلس بالسيطرة على مقر المصرف المركزي وإعفاء محافظه، أعلنت السلطات الليبية في شرق البلاد إيقاف إنتاج النفط وتصديره، خلال شهر اغسطس الماضي، الأمر الذي أثار القلق في أسواق النفط عالميا.
وكان أبرز هذه التحركات قرار المجلس الرئاسي بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، والآن تتجه الأنظار نحو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، الذي يُواجه سيناريو مشابهاً بعد ورود أنباء عن سعي رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لتنحيته.
وفي تصريحات خاصة لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، أوضح الدكتور محمد الأمين هجان، الخبير في الشأن الليبي، والباحث للدكتوراه في كلية الدراسات الإفريقية العليا، بجامعة القاهرة، أنه ” منذ إسقاط حلف شمال الأطلسي لنظام الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي في 2011 وتعيش ليبيا حالة من الفوضى في المؤسسات العسكرية والاقتصادية، حيث شهدت البلاد صراعات عسكرية مسلحة دامية آخرها كان في 2019 عندما حاول الجيش الوطني الليبى بقيادة المشير خليفه حفتر السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.
وانتهت المحاولة بالفشل بعد تدخل قوى إقليمية مثل تركيا وإيطاليا، الأمر أدى إلى تقهقر قواته إلى الجفرة وسرت وخسارة قاعدة الوطية العسكرية في أقصى أقصى الغرب الليبي.”
ويضيف الدكتور محمد الأمين، واصفا المشهد الحالي في ليبيا قائلا” ويبقى المشهد في ظل انقسام البلاد بين حكومة عبد الحميد الدبيبة المدعومة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ومجلس نواب طبرق في شرق البلاد… ويتمثل الصراع الأساسى بين هذه القوى منذ إسقاط حلف شمال الأطلسي لنظام العقيد القذافي على الثروة المتمثلة في أهم مؤسستين هما المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي حيث تنتج المؤسسة فى حدود 1.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام و208 برميل مكافىء من الغاز.”
ويمتلك مصرف ليبيا المركزي أكبر احتياطي في قارة أفريقيا حيث يقدر الاحتياطي بحوالي 80 مليار دولار وأكبر محفظه استثمارية بحوالي 70 مليار دولار.
لذلك تسعى كل الأطراف المتناحرة على الاستحواذ على أكبر قدر من الثروة دون وضع حلول لإنهاء الانقسام السياسي المستمر منذ 2011.
ويستطرد الأمين، “المتابع للشأن الليبى يلاحظ أن الأمم المتحدة تتدخل بقوة عندما تتعرض المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي لأى خطر من قبل القوى المتناحرة في ليبيا ولعل آخرها إطاحة حكومة الدبيبة بالصديق الكبير محافظ ليبيا المركزي حينها تدخلت القوى الغربية والأمريكية بشل النظام المصرفي وفرض عقوبات على مصرف ليبيا لحين تعيين شخصية متفق عليها دوليا”
فشل غربي في إيجاد حل سياسي داخل ليبيا
ويفصّل الدكتور الأمين الدور الأوروبي قائلا “هكذا فشلت القوى الغربية والأمريكية في إيجاد حل سياسي مناسب ينهى الفوضى في المستمرة في ليبيا منذ 2011 والتى تحولت إلى صراع بالوكالة بين هذه القوى العظمى فضلا عن تدفق ملايين اللاجئين من قبل دول الساحل والصحراء إلى ليبيا حيث صرح عماد الطرابلسي وزير داخلية حكومة غرب ليبيا أن موجود في ليبيا حالياً حوالي 2 مليون لاجىء من دول الساحل والصحراء والسودان وفى وجهه نظري قد يتم استخدام هؤلاء في صراع مستقبلى كمرتزقة الأمر الذي قد يؤدي انفجار أمنى فى منطقة توصف بالهشة”
أما عن المستقبل في ليبيا فيرى الدكتور محمد الأمين، انه لا حل أمام الليبين سوى الوحدة الوطنية والاتفاق على توحيد المؤسسات الحكومية والعسكرية والاقتصادية والبدء في مشروع الدستور والانتخابات الرئاسية وهو الطريق لإنهاء الأزمة الليبية”.
أنباء متضاربة حول استقالة فرحات بن قدارة
وخلال الأيام الماضية، تضاربت الأنباء حول استقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة. ورغم انتشار شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي حول تقديمه استقالته إلى الدبيبة، بينما نفت مصادر رسمية وجود أي تأكيد لذلك حتى الآن.
بن قدارة بين حفتر والدبيبة: وساطة هشة في وجه ضغوط متزايدة
تاريخياً، ظهر بن قدارة كوسيط محوري بين معسكرين متصارعين في ليبيا، إذ اتفق كل من الدبيبة والمشير خليفة حفتر على تعيينه رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط عام 2022 في محاولة لتجاوز أزمة إيقاف إنتاج النفط، التي أطلقتها القبائل الليبية في الشرق احتجاجاً على استمرار رئاسة الدبيبة للحكومة ورفضه تسليم السلطة للحكومة المعينة من مجلس النواب. ولعب بن قدارة دوراً حاسماً في استئناف الإنتاج النفطي عبر التوازن بين توجهات الدبيبة ومتطلبات حفتر، ما جعله نقطة التقاء بين الطرفين.
شائعات الإعلام وتأثيرها على قرارات الدبيبة
وفي محاولة واضحة لتهيئة الرأي العام لإقالة بن قدارة، أشار مراقبون إلى أن الغرف الإعلامية التابعة للدبيبة بدأت نشر شائعات تُصور الإقالة كمبادرة تهدف للحفاظ على استقرار القطاع النفطي من خلال ترويج أسباب صحية وراء الاستقالة. ويرى محللون أن هذه الحملة الإعلامية ليست إلا خطوة ضمن استراتيجية أوسع لضرب المناصب السيادية مثلما حدث مع محافظ المصرف المركزي، حيث يسعى الدبيبة لإزالة أي شخصية قد تمثل عائقاً أمام سيطرته على الاقتصاد الليبي.
مصير النفط والسيطرة المالية
يواجه معسكر الشرق الليبي بقيادة حفتر تحديات كبيرة إذا نجح الدبيبة في تعيين شخصية جديدة لرئاسة المؤسسة الوطنية للنفط، ويشكل بن قدارة نقطة توازن هامة بين المعسكرين، حيث عمل على تحقيق التوافق بين مطالب حفتر وتوجيهات الدبيبة، مما جعله هدفاً أساسياً لحملة الدبيبة الرامية لتعزيز السيطرة المالية على هذا القطاع الحساس.