تصاعدت الأنباء والتقارير في الآونة الأخيرة حول وجود دعم عسكري وتقني تقدمه إسرائيل لقائد قوات “الدعم السريع” في السودان، محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”.
وتؤكد مصادر إعلامية واستخباراتية من السودان وإسرائيل أن حميدتي حصل على شحنات من الأسلحة وأجهزة التجسس والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.
يأتي هذا في إطار ما يبدو كخطة إسرائيلية لدعم قوات “الدعم السريع” على حساب الجيش السوداني، بما يخدم مصالح إسرائيل في المنطقة ويدعم نفوذها الاستراتيجي في البحر الأحمر.
أجهزة تجسس متطورة من إسرائيل لقوات “الدعم السريع“
أوردت صحيفة “هآرتس” العبرية أن حميدتي تلقى أجهزة تجسس متقدمة عبر طائرة ترتبط ببرنامج التجسس الإسرائيلي، وقد نُقلت الشحنة مباشرة إلى الخرطوم ومنها إلى منطقة جبل مرة في دارفور، حيث تتمركز قوات “الدعم السريع”.
وتتيح هذه الأجهزة لقوات “حميدتي” قدرات كبيرة في مجال التجسس واختراق البنية التحتية للشبكات والاتصالات، مما يمنحها بنية استخباراتية وأمنية مستقلة عن الجيش السوداني.
ويؤكد الخبراء التقنيون أن الأجهزة الإسرائيلية قادرة على اختراق نظامي أندرويد وآيفون، وتتبع شبكات الواي فاي، واعتراض الاتصالات عبر شبكة “جي إس إم” و”جي بي إس”، مما يعزز من قدرة “الدعم السريع” على فرض سيطرته الأمنية وتوسيع نفوذه الاستخباراتي.
تطبيع العلاقات السودانية – الإسرائيلية: جذور التفاهمات ودور الإمارات
لم تكن العلاقات بين إسرائيل والسودان حديثة، فقد أقدمت الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب في 23 أكتوبر 2020، وذلك بوساطة إماراتية، في سياق اتفاقات إقليمية تضمنت عدة دول عربية.
وكان التقارب بين “الدعم السريع” وإسرائيل نتاجًا لهذا التطبيع، حيث توسطت الإمارات لتقريب وجهات النظر وتوسيع الاتصال بين حميدتي والموساد الإسرائيلي.
ووفقًا لمصادر سودانية، عقدت اجتماعات بين حميدتي والمخابرات الإسرائيلية مرتين على الأقل منذ يونيو 2021، الأمر الذي عزز الثقة بين الجانبين ودفع بإسرائيل إلى زيادة دعمها لقواته بشكل مباشر.
علاوة على ذلك، كان تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب أحد الشروط التي فرضتها واشنطن لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما منح إسرائيل دورًا أوسع في المنطقة، وعزز من تواصلها مع قادة الدعم السريع بهدف تشكيل تحالف يخدم مصالحها الاستراتيجية.
دوافع الدعم الإسرائيلي لحميدتي وموقف الجيش السوداني
أكد الخبير العسكري محمد عبدلله قبلان أن لإسرائيل أسبابًا متعددة تدفعها لدعم حميدتي. فإسرائيل تنظر إلى الجيش السوداني كقوة متأثرة بالإسلاميين، وزيادة نفوذهم من شأنه أن يعزز دعمهم لحركات المقاومة الإسلامية مثل حركة حماس وحزب الله.
وأوضح “قبلان” إن انتصار الجيش السوداني، بقيادة البرهان، على قوات الدعم السريع سيقوي مناهضة السودان لإسرائيل ويزيد من دعمه لحركات المقاومة، وهو ما تخشاه إسرائيل. فالدعم العسكري الإسرائيلي لقوات “حميدتي” يشكل بالتالي خطوة نحو تحييد قوة الجيش السوداني.
وأشار قبلان إلى أن السودان كان قد تعاون مع حركة حماس منذ التسعينات وحتى عام 2014، حيث زود الحركة بالسلاح والدعم اللوجستي، إلى أن توقف هذا التعاون بضغط سعودي وإقليمي، خصوصًا بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع سودانية عام 2012.
وتعتبر تل أبيب أن عودة مثل هذا التعاون في حال سيطر الجيش السوداني قد يهدد مصالحها، لذا فهي تدعم “حميدتي” لتجنب هذا السيناريو.
الدعم العسكري الإسرائيلي لقوات حميدتي
وفي السياق ذاته قال الدكتور “ياسر بابكر دفع الله” خبير التخطيط الاستراتيجي والمحلل السياسي السوداني، في تصريحات خاصة لمركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية وتقييم المخاطر، أن إسرائيل قدمت لقوات الدعم السريع أسلحة متطورة وأجهزة تجسس عالية التقنية، في إطار شراكة مع الإمارات التي كانت تسعى لتحقيق مصالحها في السودان.
وأضاف أن هذه الشراكة تأتي مدفوعة بكراهية خفية يحملها رئيس دولة الإمارات تجاه السودان، مما ساهم في تعزيز قوات الدعم السريع بشكل علني ومتواصل.
وأكد لمحلل السياسي السوداني أن إسرائيل تستغل الإمارات كوسيلة لتحقيق مصالحها في السودان، حيث تحافظ وزارة الخارجية الإسرائيلية على علاقات جيدة مع الجيش السوداني، بينما يدعم جهاز الموساد قوات الدعم السريع بشكل مباشر.
أيادي خفية
وأوضح ” دفع الله” أن عدة دول، من بينها بريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى الأمم المتحدة ممثلةً في الدبلوماسي الألماني “فولكر بيرتس”، ساهمت في تقديم الدعم لحميدتي.
وأشار الدكتور “دفع الله” إلى أن هذه الدول مارست سياسات مشبوهة في السودان بحجة حماية الديمقراطية ودعم الشعب، لكنها في الحقيقة خلفت آثاراً أخلاقية سلبية على الشارع السوداني وأدت إلى تفشي الانقسامات والفساد الأخلاقي.
وأفاد “دفع الله”، أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، مدفوعة بأجندات سياسية واقتصادية، قد وجدت في حميدتي ضالتها كقوة يمكن استخدامها لتحقيق أهدافها.
وأكد المحلل السياسي السوداني أن هذه الدول شنت حملة إعلامية واسعة لدعم قوات الدعم السريع وتوجيه الرأي العام السوداني ضد الجيش وقائده الأعلى، مما أثر سلباً على الروح المعنوية للشعب.
الأهداف الاستراتيجية من دعم قوات الدعم السريع
أوضح الخبير الاستراتيجي ” دفع الله” أن الدول الداعمة لقوات الدعم السريع، وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة، ترى في هذه القوات وسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية في المنطقة.
وأفاد أن هذه الدول تهدف إلى تقويض دور الجيش السوداني، الذي يُنظر إليه على أنه حليف للقوى الإسلامية الإقليمية، بما في ذلك حركة حماس، في وقت سابق.
وأضاف “دفع الله”، أن إسرائيل تسعى لتعزيز قوات حميدتي بغرض مواجهة القوى الإسلامية السودانية الموالية للجيش والتي يُنظر إليها كحاضنة للحركات الإسلامية في المنطقة.
وأشار المحلل السياسي السوداني أن الإمارات تسعى من خلال دعم حميدتي إلى تحقيق مصالح مادية وسياسية، وترى فيه منفذاً لتحقيق اتفاقياتها الاقتصادية والأمنية التي أبرمتها خلال حكم قوى الحرية والتغيير، مؤكداً أن الإمارات ترى في حميدتي حارساً لمصالحها وضامناً لاستمرار نفوذها في السودان.
كيفية التصدي للمؤامرات الخارجية
وفي ختام تصريحاته، أبدى الخير الاستراتيجي الدكتور “ياسر بابكر” تفاؤله بشأن قدرة الجيش السوداني على دحر هذه المؤامرات الخارجية، مؤكداً أن الجيش والشعب قد أثبتوا صمودهم في مواجهة هذه التحديات، وأن السودان ماضٍ في طريقه نحو الحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه.