التوسع الإسرائيلي في أفريقيا وصراع الهيمنة على البحر الأحمر وسبل تأثيرها على مصر

بدأت تل أبيب بالتصعيد والضغط على دول القرن الأفريقي حتى قبل بدء الحرب على قطاع غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي، بينما تعتبر قضية التغلغل الإسرائيلي داخل أواصر القارة الإفريقية قديمة منذ ستينات القرن الماضي، لكنها أثيرت حديثا على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، حاولت إسرائيل تطوير علاقاتها الديبلوماسية مع جيبوتي في عام 2020 تمهيدًا لاستخدام بعض القواعد العسكرية التي كانت مستخدمة من قبل فرنسا في البلاد، ولكن قوبل الطلب الإسرائيلي بالرفض من السلطات في جيبوتي، وبهذا الصدد وفي 4 نوفمبر 2024، صرح وزير خارجية جيبوتي والمرشح لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، بأن الاتحاد الأفريقي لن يفتح أبوابه أمام أي دولة تتجاهل المبادئ القانونية والأخلاقية المشتركة بين الدول الأفريقية، وخاصة إسرائيل.

ولتحقيق مصالحها في جيبوتي والحصول على قاعدة في مضيق باب المندب، تتجه إسرائيل نحو فرنسا، التي لا يزال موقفها في البلاد قويا، وتستضيف جيبوتي حاليا أكبر مجموعة عسكرية فرنسية في الخارج، قوامها 1500 فرد، وفي يوليو الماضي، مددت الدولتان معاهدة الدفاع، التي تحتفظ فرنسا بموجبها بالحق في استخدام قاعدة عسكرية في جيبوتي.

وتضغط فرنسا من جانبها من أجل التقارب بين جيبوتي وإسرائيل وتوفر قاعدتها العسكرية لعمل الموساد، وأصبح ظهور أجهزة المخابرات الإسرائيلية في القاعدة ممكنا بعد انسحاب الوحدة الألمانية من أراضي القاعدة الفرنسية عام 2021.

 

حذر الدول الإفريقية في علاقاتها مع إسرائيل

د. رمضان قرني – الخبير في الشؤون الإفريقية

وفي حديثه الخاص لمركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية وتقييم المخاطر، يقول الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشؤون الإفريقية، ” تعتبر قضية التغلغل الاسرائيلي في القارة الافريقية ليست بالجديدة، فهي موجودة منذ ستينيات القرن الماضي وهي الفترة التي شهدت محاولات اسرائيلية مكثفة لخلق علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول القارة وبالتالي يمكن القول ان الحديث عن تلك العلاقات هو امر متجدد ولكن يجب ان ياخذ بحذر حيث تاخذ تلك العلاقات طبائع مختلفة باختلاف الحقب الأزمنية المتعاقبة

ويضيف، بالتركيز على الاوضاع الاقتصادية والجيوسياسية والامنية في المنطقة، يمكن القول ان اسرائيل كانت بالاساس تسعى الى كسب الدعم الافريقي في المنظمات الدولية خاصة ان دول القرن الافريقي هي الكتلة التصويتية الثانية عالميا بقرابة 54 صوتا في منظمة الامم المتحدة، بعد مجموعة الدول الاسياوية، وبالتالي سعت اسرائيل بشتى السبل الى اجتذاب القارة في صالحها خاصة بعد اتفاقية السلام التي ابرمتها مع مصر كامبديفد والتي بموجبها ظنت اسرائيل ان العلاقات وصلت الى منحنى طبيعي وسلس بشكل كبير.

ويشير الدكتور قرني، يظل ايضا عنصر ثان هام وهو محاولة اسرائيل السيطرة على الموارد الاولية والطبيعية التي تتمتع بها دول القارة الافريقية والتي من اهمها على سبيل المثال، مادة اليورانيوم، والتي تحتاجها اسرائيل في مجال الطاقة، اضافة الى عنصر ثالث وهو لا يقل اهمية، والمتمثل في التموضع الامني والعسكري داخل الدول الافريقية وهو الذي تم ترجمته في شكل قواعد عسكرية منها في ارتريا والحديث عن محاولات لقواعد عسكرية في جيبوتي، ومؤخرا الحديث عن قواعد عسكرية في ارض الصومال.

الحرب على غزة تبدل وجهات النظر الإفريقية تجاه إسرائيل

ويؤكّد قرني، بينما جائت الحرب على غزة من الجانب الاسرائيلي لتشكل حجر زاوية في تلك العلاقات لتغير البوصلة الإفريقية ليست كحليف مطلق ولكن كدول ذات سيادة تعارض التغلغل الإسرائيلي واستغلال الثروات، حيث بدأت بتبني جنوب افريقيا دعوى قضائية لمحاكمة قادة اسرائيل كمجرمي حرب ثم عركلة الجهود التي استمرت سنوات لحصول اسرائيل على مقعد في الاتحاد الافريقي، اضافة الى تبني عدد كبير من الدول الافريقية مبدأ مقاومة جرائم اسرائيل المتكررة والحد من تواجدها داخل القارة

كما نتوقع انت تتخذ بعض الدول الافريقية مواقف صارمة من اسرائيل داخل كتلة الاتحاد الافريقي وعلى رئسهم مصر والجزائر وايضا جنوب افريقيا والوقوف ضد التوسع الذي بات يشمل قطاع الاتصالات والزراعة والذان يمثلان محاور امنية هامة داخل القارة نظرا لخصوبة بنيتها التحتية وثرائها التقني والهيكلي.

 

وايذاء هذا الوضع المتمثل في محاولات اسرائيلية حثيثة للتغلغل في اواصر الدول الافريقية والاستفادة من مواردها ودعمها، مثل السودان وجيوبوتي والصومال، وبالتالي يمكن القول ان القارة تمتلك بدائل دولية قوية لا تبتغي مصالح استعمارية، وستكون تلك القوى البديلة اكثر افادة للقارة الافريقية وعلى رئسها التعاون الروسي والصيني الذان بدءا في دعم الدول الافريقية وابرام شراكات قوبة معها.

 

التعاون الروسي بديل أكثر نفعا في إفريقيا

وفي سياق متصل قول قرني في حديثه، يعد التعاون الروسي الافريقي الاكثر نفعا حيث انه قائم على مبدأ تبادل المصالح وتنمية المجتمعات وليس استغلال الموارد وكسب الدعم، ياتي الى جانبها الشراكات التنموية ذات النفع المتبادل مع الهند والبرازيل لتوطين الصناعات وتنمية الموارد.

اذائا الى ذلك، يجب الالفات الى أهمية الدور السياسي الذي تلعبه روسيا داخل القارة الافريقية المتمثل في الدعم الدبلوماسي الملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية في دول الجوار والتي من شأنها ترسيخ مبادئ التنمية مما يسهم في تقوية دور مصر ايضا كدولة مهتمة بالتنمية في افريقيا.

ويضمن الوجود الروسي القوي في القارة الدعم المستمر لحركات التحرر من الاستعمار خاصة في ضوء الدور الرئيسي الروسي بهذا الشأن الى جانب التعاون العسكري الملحوظ مع دول كبرى داخل القارة ابرزها مصر والجزائر مما يسهم في ترسيخ الاستقرار الامني داخل دول الجوار والتي تمت ترجمتها في سوتشي الاولى والثانية والتي تأتي ثمارها في مجالات التبادل التجاري الروسي الافريقي المختلفة والتي وصلت الى 25 مليار دولار وهو رقم تاريخي في التبادلات بين الكتلتين.

ويختم الدكتور رمضان قرني كلامه قائلا، يمكننا القول ان الشراكة الاستراتيجية والعسكرية بين روسيا والدول الافريقية هي الاكثر نفعا خلال الفترات المقبلة، كما ان الشراكات التجارية والتنموية بين تلك الدول والهند والصين والبرازيل الاقوى بشكل ملحوظ ليكونا بديلا عن التدخل الاستعماري الاسرائيلي المدعوم من الدول الغربية وعلى رئسها فرنسا والولايات المتحدة.

 

ارض الصومال تهديد لأمن مصر

ويجدر الإشارة الى أن أرض الصومال هي منطقة أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 ولكن لا تزال غير معترف بها من قبل معظم دول العالم، ويلعب موقعها الجغرافي دوراً مهماً، فهو يقع عند مدخل مضيق باب المندب، وهي نقطة شحن مهمة بجوار اليمن، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية للسيطرة على الممرات الملاحية، اما بالنسبة لمصر، التي وقعت اتفاقية تعاون مشترك مع الصومال، فالتواجد الإسرائيلي في أرض الصومال يعتبر بمثابة تهديد أمني لها، حيث أن تواجد إسرائيل أو اثيوبيا بهذه المنطقة قد يعرض حرية حركة السفن التجارية القادمة الى ومن مصر الى الخطر.

وما يحدث في السودان كذلك ليس بعيدًا عن هذه الأحداث، حيث أن قوات الدعم السريع تتلقى دعم عسكري غير محدود من قبل الإمارات العربية المتحدة، وفي الأيام الأخيرة ظهرت تقارير تفيد بأن القوات المتمردة في السودان تتلقى كذلك دعمًا عسكريًا من إسرائيل وفرنسا.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت مؤخرًا، عن نتائج بعض التحقيقات التي أثبتت وجود مركبات مدرعة مصنعة في الإمارات ومزودة بتكنولوجيا عسكرية فرنسية، تُستخدم من قبل قوات الدعم السريع في النزاع القائم مع الجيش السوداني، وهو ما يشكل انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

كل هذه الشواهد تشير الى تحركات ضخمة تقودها إسرائيل بالتعاون مع حلفائها للتوسع أفريقيًا وخصوصًا في الدول التي تطل على البحر الأحمر، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا للمنطقة ككل وضغطًا إضافيًا على جمهورية مصر العربية بشكل خاص.

يقول الباحث بالشؤون الإسرائيلية عثمان أبو سمهدانة، إن إسرائيل مهتمة للغاية بإقامة علاقات مع جيبوتي لتعزيز السيطرة على البحر الأحمر ومكافحة الحوثيين اليمنيين بشكل أكثر فعالية، وكذلك الضغط على مصر

 

ويضيف أبو سمهدانة، “جيبوتي ليست المثال الوحيد على محاولات التوسع الإسرائيلي في افريقيا، فقد سعت لبناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال مقابل تقديم اعتراف بها كدولة مستقلة الأمر الذي يعتبر بمثابة دليل أخر على المحاولات المستمرة للتواجد على البحر الأحمر، وهذا ما يشكل خطرًا مباشرًا للمصالح المصرية”.

بالإضافة إلى ذلك، انتشرت في السنوات الأخيرة تقارير تفيد بأن إسرائيل والإمارات ناقشتا أيضًا إمكانية السيطرة المشتركة على جزيرة سقطرى الواقعة قبالة سواحل اليمن، وهناك تكهنات بأنه تم إنشاء قاعدة هناك، بما في ذلك مهبط طائرات ومنشآت عسكرية أخرى.

شاهد أيضاً

مسيرات أوكرانية وأسلحة إسرائيلية-غربية.. دعم سخي لـ”حميدتي” يوحي بمخطط موقع أمريكياً

بعد مرور أكثر من عام ونصف على الحرب في السودان بين قوات الجيش السوداني بقيادة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *