احتلت القارة السمراء في الأشهر القليلة الماضية اهتمام الباحثين السياسيين والخبراء ووسائل الإعلام والمهتمين، وذلك بسبب التغييرات والأحداث السياسية الكبيرة التي شهدتها القارة في السنوات القليلة الماضية بالإضافة للتنافس الدولي الكبير لبسط النفوذ في القارة والسيطرة على مواردها وأثره الجيوسياسي على مناطق الشرق الأوسط وأوروبا ومعظم الدول في الإقليم.
وعند الحديث عن مناطق النفوذ، تكون فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية أولى الدول التي لا يخفى على أحد سعيها لتوسيع مناطق نفوذها في أفريقيا.
ولكن مع تمدد النفوذ الصيني بالإضافة لسعي دول أخرى مثل ألمانيا وروسيا لمد نفوذها في القارة السمراء، بدأت بعض الدول مثل فرنسا وإيطاليا وتركيا إلى تغيير خططها وإنشاء تحالفات جديدة وإدخال أطراف جديدة إلى أفريقيا اعتماداً على مبدأ تلاقي المصالح.
“مصر دولة قوية… تتعاظم قوتها بتماسك القارة الإفريقية في مواجهة التحديات”
وأوضح رامي زهدي، الخبير في الشؤون الإفريقية، في تصريحات خاصة لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، انه في ظل عالم تتغير فيه أدوات إدارة التنافس والصراع الدولي بشكل غير مسبوق، تُعد إفريقيا مركزًا هامًا لهذا الصراع، حيث أصبحت ساحة تتبارى فيها القوى الدولية بأشكال مختلفة لتحقيق مصالحها. تتباين هذه المصالح بين الاستحواذ على الموارد الطبيعية، السيطرة على الممرات الاستراتيجية، أو بسط النفوذ الجيوسياسي. ويظهر هذا التنافس جليًا في تنوع أنماط وأهداف القوى الدولية داخل القارة، والتي منها على سبيل المثال، القوى الاستعمارية التقليدية تتمثل هذه القوى في الدول الأوروبية التي مارست استعمارًا مباشرًا على القارة مثل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، وإيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي لم تكن قوة استعمارية مباشرة ولكنها تتبع سياسات مشابهة. هذه الدول لا تزال تحافظ على نفوذها من خلال اتفاقيات اقتصادية وهيمنة ثقافية واستراتيجية.
كما توجد ايضا، القوى المتجددة تشمل دولًا مثل روسيا والصين. فبينما تحاول روسيا استعادة نفوذها التاريخي بالقارة عبر تقنيات جديدة، نجحت الصين في بناء علاقات وثيقة مع الشعوب الإفريقية عبر مشاريع بنية تحتية عملاقة وقروض ميسرة، مما جعلها شريكًا استراتيجيًا مفضلًا.
اضافة الى وجود القوى الإقليمية والدولية الناشئة تشمل هذه الدول تركيا، إسرائيل، الهند، ودول الخليج العربي، إلى جانب دول أصغر حجمًا مثل كوريا الجنوبية والبرازيل. تسعى هذه الدول إلى بناء حضور في القارة عبر التجارة والاستثمارات، مستغلةً الفراغ الذي تتركه القوى الكبرى.
وبشكل ملحوظ تبرز القوى الإفريقية المحلية تتمثل في دول مثل مصر، جنوب إفريقيا، نيجيريا، وإثيوبيا. تسعى هذه الدول لتعزيز نفوذها إقليميًا، مستندة إلى قوتها الاقتصادية أو موقعها الاستراتيجي.
إفريقيا بين التحديات والفرص
وأضاف زهدي في حديثه، أن القارة الإفريقية أصبحت اليوم تمتلك أدوات تفاوضية أفضل مما كانت عليه في الماضي، حيث تستطيع استثمار تنوع الشركاء الدوليين لتحقيق مصالحها، لافتاً إلى أنه مع ذلك، يبقى الحديث عن إفريقيا ككيان موحد تصورًا غير دقيق؛ فهي تضم 54 دولة لكل منها أولوياتها وظروفها. هذا التباين يتجلى في العلاقات المتعددة التي تربط بعض الدول بالقوى الخارجية، حيث قد تكون دولة مثل مالي قريبة من روسيا، بينما تبني كوت ديفوار علاقات متينة مع فرنسا.
فرنسا وإفريقيا: من النفوذ إلى التراجع
وتابع رامي زهدي قوله، لطالما كانت فرنسا إحدى أهم القوى الدولية نفوذًا في إفريقيا،لكن في السنوات الأخيرة، شهدت تراجعًا ملحوظًا نتيجة لرفض الشعوب الإفريقية لسياساتها. في المقابل، دخلت روسيا والصين كمنافسين جدد، مما أحدث تغييرًا في ميزان القوى داخل القارة.
وأوضح الخبير الاستراتيجي ،انه رغم ذلك، لا يُتوقع اختفاء فرنسا تمامًا من المشهد الإفريقي، حيث تظل مرتبطة تاريخيًا واقتصاديًا بعدد من الدول.
وأشار ” رامي” إلى أن إسرائيل تحاول تعزيز نفوذها في إفريقيا من خلال علاقات مع دول مثل إثيوبيا وكينيا وغانا. ورغم الدعم القوي الذي تحظى به من الولايات المتحدة، إلا أن شعبيتها بين الشعوب الإفريقية محدودة، بسبب ارتباطها بسياسات مثيرة للجدل في المنطقة.
الأمن القومي المصري وإفريقيا
وشدّد زهدي ، أن رؤى الأمن القومي المصري تمتد لتشمل القارة الإفريقية بأكملها، مع التركيز على المناطق الحيوية مثل القرن الإفريقي، وشرق ووسط القارة.
ووتابع الخبير الاستراتيجي أن مصر تدرك أن قوتها تتعاظم كلما ازدادت إفريقيا استقرارًا وتماسكًا، ذلك، تعمل على بناء شراكات متوازنة تحترم سيادة الدول الإفريقية وتسعى لتحقيق مصالح مشتركة، مضيفاً أن أي تواجد دولي في إفريقيا يهدد هذه المبادئ يصبح مصدر قلق لمصر.
وأشار رامي إلى أن التواجد الذي يهدف إلى زعزعة استقرار الدول، كما يحدث في السودان، يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري، بل وعلى الأمن العالمي ككل، متابعا أن من هذا المنطلق، تسعى مصر لتكون لاعبًا محوريًا عبر أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، مستعينةً بشركاء دوليين يتبنون سياسات نزيهة.
التنافس الدولي في إفريقيا وتأثيره على الأمن القومي المصري: بين الفرص والتحديات
ويختتم رامي زهدي كلامه قائلا، إن التنافس الدولي في إفريقيا يمثل تحديًا مزدوجًا لمصر: تحديًا لحماية أمنها القومي، وفرصة لتعزيز دورها القيادي داخل القارة. ومن خلال استثمار مواردها وخبراتها، تستطيع مصر أن تكون نموذجًا للتعاون المثمر القائم على الندية والاحترام المتبادل. “لإفريقيا أن تتعامل مع العالم بما تمتلك، لا بما تحتاج” هذا هو التوجه الذي تسعى مصر لتعزيزه في القارة السمراء.
وبحسب المصادر فإنه جرت محادثات بين ماكرون وحمدوك حول وعود فرنسية بإعادة عبدلله حمدوك لرئاسة الوزراء في السودان ودعمه، مقابل تقديمه ضمانات بإقامة قاعدة عسكرية فرنسية في السودان.
في السياق ذاته، أكدت السفيرة الفرنسية لدى السودان رجاء ربيع، عن الدعم الفرنسي الكبير والقوي للجهود التي يبذلها عبد الله حمدوك، ورحبت بمؤتمر “تقدم”.
وفقاً للخبراء فإن فرنسا تقف ضد الجيش السوداني وتدعم حميدتي، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي لمنع توجيه أي اتهام رسمي لحميدتي قبل إنتهاء الحرب. ولكن من المرجح أنها ستتخلص منه مباشرة بعد انتهاء الحرب.
ويشار إلى أن، صحيفة “هآرتس” العبرية كشفت في الأيام القليلة الماضية أن قائد قوات “الدعم السريع”، “حميدتي”، حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس “الإسرائيلي”، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي. وبحسب الصحيفة فقد تم نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة “جبل مرة” بدارفور التي تقع تحت سيطرة “الدعم السريع” بالكامل.