بعد مرور أكثر من عام ونصف على الحرب في السودان بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو الملّقب بـ”حميدتي”، يعتقد كثير من الخبراء والمراقبين بأن ما يجري على الأرض يتجاوز حدود الصراع الداخلي والحرب الأهلية إلى ما يشبه صراع دولي على أرض البلد الأفريقي الكبير بين عدّة قوى خارجية ولكن بأيدي أصحاب الأرض.
لذا، كثر الحديث في الآونة الأخيرة وانتشرت كثير من التقارير والمعلومات في وسائل الاعلام حول مصادر تمويل قوات “الدعم السريع” وأنواع الأسلحة التي تمتلكها ومن يدعمها ولأي أهداف.
مسيّرات أوكرانية وأسلحة فرنسية وإسرائيلية بأيدي قوات “حميدتي”
في هذا السياق، أفادت مواقع إخبارية ووسائل إعلام نقلاً عن مصادر محلية، أن المضادات الأرضية التابعة للجيش تصدت، يوم الإثنين 18 نوفمبر الجاري، لـ5 طائرات مسيرة كانت تستهدف مطار عطبرة والسوق الكبير. وبحسب المصادر، فإن الطائرات المسيّرة أوكرانية الصنع وتم إطلاقها من مناطق سيطرة “الدعم السريع”.
وبحسب خبراء ومتابعين للشأن السوداني، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام طائرات مسيرّة أوكرانية من قبل “الدعم السريع”، حيث استخدمت سابقاً في معارك الفاشر وأم درمان وفي محاولة اغتيال البرهان أثناء عرض عسكري وغيرها الكثير. يأتي ذلك بعد تأكيد رسمي على لسان قيادات عسكرية أوكرانية بوجود مقاتلين أوكران من الاستخبارات العسكرية ومرتزقة في السودان.
في سياق متصل، كشفت منظمة العفو الدولية في أحدث تحقيق لها في نوفمبر الجاري، عن وجود التكنولوجيا العسكرية الفرنسية المدمجة في ناقلات الجنود المدرعة في حوزة قوات “الدعم السريع” بعد حصولها عليها عبر الإمارات العربية المتحدة.
وفي السياق ذاته، كانت صحيفة “هآرتس” العبرية كشفت في الأيام القليلة الماضية أن قائد قوات “الدعم السريع”، “حميدتي”، حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس “الإسرائيلي”، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الصحيفة فقد تم نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة “جبل مرة” بدارفور التي تقع تحت سيطرة “الدعم السريع” بالكامل.
ويشار أيضاً، إلى أنه في يوليو الماضي، كشفت مصادر عسكرية في الجيش السوداني عن ضبطها لطائرات مسيّرة بريطانية الصنع من نوع (Ares 3.1) خلال المعارك في أم درمان في يونيو الماضي.
بالوقت الذي تعاني منه أوكرانيا في حربها مع روسيا.. ماذا تفعل المسيّرات الأوكرانية في السودان؟
وفي هذا الشأن، أوضح الدكتور “ياسر بابكر دفع الله” خبير التخطيط الاستراتيجي ومحلل سياسي سوداني، في تصريحه لمركز المستقبل، أن في البداية كانت تتعاون أوكرانيا مع الجيش السوداني وذلك من خلال ارسال خبراء لمساعدة البرهان، خلال حربه مع قوات الدخل السريع، ولكن سرعان ما تغير الموقف الأوكراني، بعد دعم روسيا لجيش السوداني من خلال قرار الفيتو التي أصدرته روسيا في مجلس الأمن للرفض المقترح البريطاني بالتدخل في دولة السودان.
وأفاد الخبير الاستراتيجي، أن أوكرانيا في الوقت الراهن تدعم بعض الجماعات بدولة مالي وخاصة جماعة الطوارق، وتمدهم بأسلحة ومسيرات لأغراض سياسية تهدف إلى الفوضى، لافتاً إلى ان ربما قوات التدخل السريع بقيادة حميدتي، حصلت على بعض هذه المسيرات الأوكرانية لاستخدامها ضد الجيش السوداني بعد فرضة السيطرة على اغلب المناطق في السودان.
وأكد لمحلل السياسي السوداني أن إسرائيل تستغل الإمارات كوسيلة لتحقيق مصالحها في السودان، حيث تحافظ وزارة الخارجية الإسرائيلية على علاقات جيدة مع الجيش السوداني، بينما يدعم جهاز الموساد قوات الدعم السريع بشكل مباشر.
وأوضح” دفع الله” أن عدة دول، من بينها بريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى الأمم المتحدة ممثلةً في الدبلوماسي الألماني “فولكر بيرتس”، ساهمت في تقديم الدعم لحميدتي
وأشار المحلل السياسي السوداني أن الإمارات تسعى من خلال دعم حميدتي إلى تحقيق مصالح مادية وسياسية، وترى فيه منفذاً لتحقيق اتفاقياتها الاقتصادية والأمنية التي أبرمتها خلال حكم قوى الحرية والتغيير، مؤكداً أن الإمارات ترى في حميدتي حارساً لمصالحها وضامناً لاستمرار نفوذها في السودان.
الدعم الغربي والإسرائيلي لمليشيا الدعم السريع
في تصريحات سابقة لمركز المستقبل قال محمد سعد كامل، رئيس تحرير صحيفة “بروان لاند” السودانية، بأن الدعم الغربي والإسرائيلي لمليشيا “الدعم السريع” بات واضحاً منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023.
وذكر رئيس تحرير صحيفة “بروان لاند”، أن موقف روسيا أصبح محل تقدير من الحكومة السودانية بعد تصويتها ضد قرار مجلس الأمن الأخير بشأن السودان، في حين أعلنت أوكرانيا موقفها العدائي ضد روسيا في السودان، مما يعكس صراع القوى الكبرى في البلاد.
كما تناول “كامل” دور الإمارات في تجنيد مرتزقة من عرب الشتات من مختلف أنحاء أفريقيا للقتال في دارفور بهدف تنفيذ استراتيجية تقسيم هذا الإقليم عن الدولة السودانية وخلق رقعة جغرافية تابعة للإمارات، على غرار ما فعلته في اليمن وليبيا.
وأوضح أن هؤلاء المرتزقة يتم تجميعهم في تشاد ثم دفعهم عبر الحدود السودانية، حيث يتعرضون لهجمات جوية من قبل الجيش السوداني.
نفوذ فرنسا
وفي السياق ذات أوضح “رامي زهدي” – خبير في الشؤون الإفريقية – في تصريحه لمركز المستقبل ، أن فرنسا طالما كانت إحدى أهم القوى الدولية نفوذًا في إفريقيا، لكن في السنوات الأخيرة، شهدت تراجعًا ملحوظًا نتيجة لرفض الشعوب الإفريقية لسياساتها. في المقابل، دخلت روسيا والصين كمنافسين جدد، مما أحدث تغييرًا في ميزان القوى داخل القارة.
وأوضح الخبير الاستراتيجي، انه رغم ذلك، لا يُتوقع اختفاء فرنسا تمامًا من المشهد الإفريقي، حيث تظل مرتبطة تاريخيًا واقتصاديًا بعدد من الدول.
وأشار” رامي” إلى أن إسرائيل تحاول تعزيز نفوذها في إفريقيا من خلال علاقات مع دول مثل إثيوبيا وكينيا وغانا، لافتاً إلى ان بالرغم الدعم القوي الذي تحظى به من الولايات المتحدة، إلا أن شعبيتها بين الشعوب الإفريقية محدودة، بسبب ارتباطها بسياسات مثيرة للجدل في المنطقة.
أهداف المخطط الغربي-الإسرائيلي للسودان
يرى الكثير من الخبراء، بأن إيجاد موطئ قدم لفرنسا وإسرائيل والإمارات على البحر الأحمر، وتوسيع نفوذهم فيه، بالإضافة لمحاربة حركات المقاومة والتنظيمات الإسلامية، هو ما جمع هذه الدول ودفعها للاتفاق على دعم قوات “حميدتي” بالسلاح والمال والسياسة، ودعم حمدوك سياسياً، ومحاربة الجيش السوداني عسكرياً وسياسياً.
كما أن هناك أسباب أخرى مهمة تدفعهم لتنفيذ مخططهم الذي بدأت تتضح معالمه، مثل استخدام “الدعم السريع” كمرتزقة للقتال ضد الحوثيين، الذين يسببون الازعاج لإسرائيل وكل الدول الغربية، كما يحمي سفنهم التجارية، كما أن السيطرة على السودان، يفتح لهم المجال للفائدة الاقتصادية الكبيرة من صناعة وتصدير الذهب في السودان التي تسيطر عليها قوات حميدتي.
وبحسب بعض الخبراء والباحثين من المهم الإشارة إلى أن هذا المخطط والتحالف من الممكن أن يشكل تهديد كبير لدول المنطقة وللأمن الإقليمي وخاصة لمصر، ولكنه بالتأكيد يصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.