إفريقيا وعلاقتها بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي

نشر موقع منظمة ساساكاوا اليابانية للسلام والمعنية بقضايا التعاون الدولي والعلاقات السياسية والاقتصادية دراسة بعنوان:

الوضع السياسي والأمني في شمال أفريقيا بعد “سنوات الانتخابات” – علاقته بالوضع الإسرائيلي الفلسطيني والسياسة الدولية

ترى الدراسة أن الديناميكيات السياسية والأمنية في شمال إفريقيا متشابكة بشكل عميق مع القضايا العالمية، بما في ذلك أزمات الطاقة والهجرة واللاجئين، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وطموح كل من الصين وروسيا الجيوسياسي. وقد أبرزت مشاركة زعماء شمال إفريقيا الرئيسيين – الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والرئيس التونسي قيس سعيد، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بصفته رئيسًا للاتحاد الأفريقي في قمة مجموعة السبع في إيطاليا في يونيو 2024 الأهمية المتزايدة للمنطقة في المناقشات الاستراتيجية العالمية، وهي قضية تهم دولاً عديدة تسعى للإستثمار ومن بينها اليابان.

مصر والجزائر وتونس: ترسيخ سلطة الرؤساء الحاليين ومركزية السلطة الحكومية.

ترى الدراسة أن هذه الدول يمكن أن تشهد فترة إستقرار طويلة الامد نسبياً نظراً لترسخ السلطات فيها ومركزية السلطة، مما يجعلها في مقدمة الدول الأفريقية التي يمكن الإستثمار فيها دون القلق من تقلبات محتملة، وبحسب الدراسة فلقد امتد الاتجاه العالمي للانتخابات المحورية في عامي 2023 و2024 إلى شمال إفريقيا، حيث تؤكد الأحداث السياسية الرئيسية على ترسيخ سلطة الزعماء الحاليين وترسيخ السلطة المركزية.

في ديسمبر 2023، أجريت انتخابات رئاسية في مصر، وفاز الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بفترة ولاية ثالثة. ستمثل رئاسته، الممتدة الآن إلى عام 2030، فترة ولاية مدتها 16 عامًا منذ وصلوه الى السلطة في عام 2014. ويستند استقرار إدارته إلى هيكل سلطة راسخة بعمق تستند على المؤسسة العسكرية، بدعم من تحالف يضم القضاء والمؤسسات الدينية وأجهزة الأمن والجهاز البيروقراطي والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ونخب الأعمال. وتضمن هذه الشبكة المعقدة أن التحديات التي تواجه إدارته تظل غير مرجحة في الأمد القريب.

أما الجزائر فقد تبعت مسارًا مشابهًا في انتخاباتها الرئاسية في 7 سبتمبر 2024، حيث أعيد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون بنسبة لولاية ثانية مدتها خمس سنوات. استقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الزعيم السابق، في أبريل 2019 ردًا على حركة الاحتجاج المتزايدة، وتميزت إدارة تبون بالاستقرار. ومع ذلك، ينبع هذا الاستقرار إلى حد كبير من هيمنة الجيش على المجال السياسي، وقمع المعارضة أثناء جائحة كورونا، والاستفادة من زيادة عائدات النفط والغاز الطبيعي الناجمة عن حرب أوكرانيا. مكنت هذه المكاسب الاقتصادية الحكومة من توسيع الخدمات العامة وخلق فرص العمل، وتعزيز الدعم العام وتخفيف الاضطرابات.

وفي تونس أثار تعميق المركزية في عهد الرئيس قيس سعيد مخاوف بشأن التراجع الديمقراطي في تونس. في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السادس من أكتوبر تشرين الأول، فاز الرئيس سعيد بأكثر من 90% من الأصوات. ومع ذلك، طغت نسبة المشاركة المنخفضة للناخبين على ولايته، مما يشير إلى انعدام الثقة الشديد في السياسة بين الناس.

ومنذ توليه منصبه في عام 2019، قام سعيد بتفكيك المؤسسات الديمقراطية بشكل منهجي، وإقالة رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان في يوليو تموز 2021، وتوسيع صلاحيات الرئاسة بشكل كبير من خلال المراجعات الدستورية في عام 2022. وعلاوة على ذلك، استهدف سعيد أيضًا المعارضة السياسية، وتجلى ذلك في اعتقال زعيم حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب السابق، في أبريل نيسان 2023، وإغلاق مقر الحزب.

ولكن وبحسب الدراسة فرغم استقرار السلطة الحالي في تونس، فهي تبقى البلد الأقل أماناُ من حيث الاستثمار وذلك بسبب وجود حالة من الارتباك الداخلي والعوامل التي يمكن لها أن تهز استقرار البلاد من بينها حقيقة أن تونس ليست دولة قرية كما هو حال مصر والجزائر وهي الآن تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، بالإضافة الى أن السلطة في تونس لا يملك قاعدة شعبية كبيرة كما هو الحال في مصر والجزائر.

ليبيا والسودان: صراعات مطولة وتدخلات أجنبية

ترى الدراسة أن كل من ليبيا والسودان هما البلدان الأقل استقرارا وبالتالي من الصعب التفكير بإستثمارات وعلاقات إقتصادية طويلة الامد مع تلك الدول، ففي ليبيا، تم تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة في ديسمبر 2021 إلى أجل غير مسمى، مما أدى إلى تكثيف المخاوف من الركود السياسي وتصعيد المواجهات.

ولكن هناك العديد من العوامل النظامية والبنيوية التي تكمن وراء الفشل في إجراء الانتخابات، من بينها عرقله الحكومة المؤقتة والبرلمان والمؤسسات الرئيسية العملية الانتخابية من أجل الحفاظ على المصالح الخاصة، وغموض شرعية هذه المؤسسات وكذلك حالة الإنقسام في البلاد والتي هي مستمرة منذ الإطاحة بمعمر القزافي.

منذ تأسيسها، تشبثت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة بالسلطة من خلال الاستفادة من توزيع عائدات النفط لتأمين الدعم الشعبي والعسكري في غرب ليبيا. ومع ذلك، فإن موافقة مجلس النواب في عام 2022 على إدارة منافسة متجسدة بحكومة الاستقرار الوطني كانت قد أعادت إشعال أزمة في البلاد وخصوصاً مع وجود مراكز قوة عسكرية موازية.

وبحلول ديسمبر 2024، سيطرت قوات الميليشيات التي تدعم حكومة الوحدة الوطنية على المنطقة الساحلية الغربية، بما في ذلك طرابلس، بينما احتفظ الجيش الوطني الليبي، بقيادة القائد خليفة حفتر، بالسيطرة على المناطق الشرقية والجنوبية، بالعمل بالاشتراك مع مجلس النواب وحكومة الاستقرار الوطني. وحتى داخل الغرب الليبي، تضيف الانقسامات الفصائلية بين الميليشيات الإسلامية مزيدًا من التعقيد إلى الصراع، وتتجاوز الانقسام البسيط بين الشرق والغرب الليبيين.

اما يما يتعلق بالسودان، فالحرب الأهلية التي اندلعت في 15 أبريل 2023 لا يبدو أنها ستنتهي قريباً على الرغم من استمرارها لأكثر من 20 شهراً، ورغم كل المآسي والضحايا وخصوصاً بين المدنيين، وملايين النازحين، تستمر الأعمال العدائية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية عبر جبهات متعددة، بما في ذلك ضواحي الخرطوم ومنطقة دارفور المضطربة. وتقدر الأمم المتحدة أن 27 مليون سوداني، أي أكثر من نصف السكان، يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية.

وعلى الرغم من نداءات وقف إطلاق النار المتكررة وجهود الوساطة من قبل جهات فاعلة مثل الاتحاد الأفريقي والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فإن عملية السلام المستدامة لا تزال بعيدة المنال في السودان.

وتشير الدراسة الى عامل آخر هام يحدد قابلية الإستثمار في الدول اللإفريقية، وهو عامل التدخلات الخارجية من قبل دول كبرى في الأحداث الجارية، وترى الدراسة أن السمة المشتركة للأزمات في ليبيا والسودان هي التدخل السياسي والعسكري العميق والمستمر للقوى الأجنبية. فبعد انهيار نظام القذافي مباشرة في عام 2011، أصبحت ليبيا ساحة معركة للمنافسة الجيوسياسية وخصوصاً بين روسيا وتركيا وكلاهما تملكا نفوذا كبيراً في ليبيا وتدعم طرفي الصراع. أما في السودان، تدعم مصر وإيران القوات المسلحة السودانية بينما تدعم الإمارات العربية المتحدة وروسيا قوات الدعم السريع، مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات بين القوى الإقليمية.

السودان، الذي يطل البحر الأحمر، له أهمية جيوسياسية كبيرة، وكانت روسيا تهدف منذ فترة طويلة إلى التقدم إلى مدينة بورتسودان الساحلية الرئيسية. في مايو 2024، أعلن الجيش السوداني أنه وافق على إنشاء مركز دعم لوجستي بحري روسي بالقرب من مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر مقابل إمدادات روسية من الأسلحة والذخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، اتفقت الدولتان على توسيع التعاون ليشمل الجوانب الاقتصادية مثل المشاريع الزراعية، وشراكات التعدين، وتطوير الموانئ. وقد يؤدي هذا الاتفاق، الذي تم تأمينه من خلال الحوافز العسكرية والاقتصادية، إلى تحويل دور روسيا في الصراع السوداني، نظرًا لدعمها السابق لقوات الدعم السريع من خلال فاغنر.

إن أي تغيير في توجهات موسكو من شأنه أن يغير بشكل كبير ديناميكيات الحرب، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الاستقرار الإقليمي، وبالتالي فالموقف الروسي المرتقب سوف يحدد بشكل كبير مستقبل الوضع في السودان وبالتالي يؤثر على احتمالات الإستثمار في هذا البلد.

تأثير الوضع الإسرائيلي الفلسطيني على المشهد الافريقي

لقد كان للهجوم الذي شنته جماعات مسلحة مثل حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، إلى جانب التوغل العسكري الإسرائيلي اللاحق في قطاع غزة، تأثير عميق على دول شمال إفريقيا. على وجه الخصوص، تعد مصر، التي تشترك في حدود مع قطاع غزة، موطنًا لجامعة الدول العربية وموقعة على معاهدة سلام مع إسرائيل في مارس 1979.

كما ساعد الوضع في غزة في تحسين علاقة مصر الباردة مع تركيا. في فبراير 2024، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القاهرة لأول مرة منذ 12 عامًا، وفي سبتمبر من نفس العام، زار الرئيس السيسي أنقرة لأول مرة منذ توليه منصبه، وكانت حرب غزة أحد الموضوعات الرئيسية على جدول الأعمال.

وبالتالي فتحسن العلاقة بين كل من تركيا ومصر سينعكس حتماً على الوضع في عدد من الدول الأفريقية لأن تركيا ومصر كانتا في السنوات السابقة غالبا تدعمان أطرافا متقابلة في الصراعات الداخلية في عدد من الدول الأفريقية، ومن بينها ليبيا والسودان، وبالتالي من منظور الإستقرار، يمكن أن يؤدي التقارب التركي المصري على ضوء أحداث غزة الى تحسن في الوضع الأفريقي أو على الأقل تخفيف حدة الصراعات والنزاعات الداخلية مما سينعكس إيجاباً على فرص أفريقيا لجذب الإستثمارات وتحقيق مكاسب اقتصادية وعقود طويلة الأمد.

وعلى النقيض من ذلك، عززت الجزائر دعمها الطويل الأمد لفلسطين، وعززت سياساتها المؤيدة للفلسطينيين على الساحة الدولية، بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتشير مساعداتها لغزة واجتماعاتها المتكررة مع الممثلين الفلسطينيين إلى تضامنها الراسخ. بعد هجمات 7 أكتوبر، كانت الجزائر واحدة من أوائل الدول التي قدمت إمدادات المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

وعلى الساحة الأفريقية وعلى الصعيد المحلي، يتماشى نهج الجزائر هذا مع تنافسها مع المغرب، خصوصاً أن المغرب طبّع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 بموجب اتفاقيات إبراهيم. ويعكس قطع الجزائر للعلاقات الدبلوماسية مع المغرب في عام 2021 ووقف إمدادات الغاز الطبيعي التنافس الجيوسياسي المتوتر الذي تفاقم بسبب المواقف المختلفة بشأن إسرائيل وفلسطين.

وفي مقابل تطبيع المغرب للعلاقات مع اسرائيل اعترفت إدارة ترامب في الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع الجزائر، وهو ما كان بمثابة انتصار استراتيجي للمغرب. وبينما تحافظ المغرب على علاقاتها مع إسرائيل، تواجه مشاعر معادية لإسرائيل متزايدة على المستوى المحلي، ولذلك تتبنى حكومة المغرب استراتيجية مزدوجة، فهي تعلن دعم فلسطين لاسترضاء الرأي العام مع الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي الحقيقي مع إسرائيل.

وختمت الدراسة بالقول أنه لا يمكن المبالغة في أهمية شمال أفريقيا في الجغرافيا السياسية للطاقة العالمية، نظرًا لقربها من أوروبا واحتياطياتها الهائلة من موارد الطاقة. تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في القارة الأفريقية، وتحتل المرتبة التاسعة عالميًا بـ 48.4 مليار برميل، بينما تحتل الجزائر المرتبة العاشرة عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي والخامسة عشرة في احتياطيات النفط. كما أدى اكتشاف مصر لحقول الغاز الطبيعي واسعة النطاق في البحر الأبيض المتوسط إلى وضع شرق البحر الأبيض المتوسط كنقطة محورية لتطوير الطاقة.

وبالتالي مهما كانت الصراعات الداخلية في الدول الأفريقية ومهما كانت خارطة التوازنات الجيوسياسية على الساحة الأفريقية، ستبقى هذه القارة محط أنظار وانتظار الدول الساعية للإستثمار وعقد الإتفاقيات الإقتصادية والشركات، وحتى أن دولاُ متطورة لكن غير عظمى كاليابان تدرس الأوضاع الأفريقية وتلتقط الفرص السانحة للدخول الى المنطقة عبر العقود التجارية والإستثمارات.

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية في أفريقيا (تيكاد 9) في أغسطس آب 2025، تتزايد أهمية مشاركة اليابان في شمال أفريقيا. إن تعزيز الشراكات في هذه المنطقة من شأنه أن يضع اليابان في موقع المساهم الرئيسي في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في شمال أفريقيا، وتعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية الأوسع في أفريقيا وخارجها.

https://www.spf.org/iina/en/articles/amane_kobayashi_01.html

شاهد أيضاً

هل تورطت أوكرانيا في الجرائم التي نفذتها قوات الدعم السريع في دارفور؟

في تطور عسكري هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في السودان، بدأت القوات المسلحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *