هل تورطت أوكرانيا في الجرائم التي نفذتها قوات الدعم السريع في دارفور؟

في تطور عسكري هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في السودان، بدأت القوات المسلحة السودانية التقدم بثبات نحو مركز العاصمة الخرطوم، حيث تدور معارك عنيفة بالقرب من القصر الجمهوري، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023. وتشير مصادر ميدانية إلى اشتباكات ضارية يخوضها الجيش والقوات المتحالفة معه ضد المتمردين، في ظل مقاومة شرسة من قناصة متمركزين في المباني العالية.

وتزامن هذا التقدم مع تحركات مكثفة لقوات المدرعات التابعة للجيش السوداني من عدة محاور، رغم تضارب الأنباء الصادرة عن قوات الدعم السريع، التي لم تؤكد رسميًا انسحابها، بينما أفادت مصادر ميدانية وتقارير على وسائل التواصل الاجتماعي بحدوث تراجع كبير لعناصر الميليشيا باتجاه دارفور خلال الأيام الأخيرة.

وفي ظل هذا التصعيد العسكري، تتزايد المؤشرات حول التدخل الأوكراني المباشر في الصراع السوداني، حيث كشفت صحيفة كييف بوست الأوكرانية عن عمليات عسكرية خاصة تنفذها قوات أوكرانية داخل السودان تحت ذريعة محاربة “المرتزقة الروس”.

كما وثّقت تقارير إعلامية عربية ضبط الجيش السوداني مخازن أسلحة تابعة لقوات الدعم السريع تحتوي على مسيّرات وأسلحة أجنبية، يُعتقد أنها مقدمة من أوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا لجثة مقاتل أوكراني في مدينة ود مدني بعد تحريرها، وسط صمت رسمي من السلطات السودانية، التي تشير تقارير إلى تواصلها مع الجانب الأوكراني لطلب توضيحات بشأن دعمها للميليشيات المتمردة.

وفي تأكيد آخر على هذا التدخل، نشر المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني، إيليا يفلاش، عبر صفحته على فيسبوك، أن مدربي ومشغلي الطائرات المسيرة من الجيش الأوكراني يساندون قوات الدعم السريع، بدعوة شخصية من قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

فيما يكشف هذا التصعيد أبعادًا جديدة للصراع في السودان، حيث باتت البلاد مسرحًا لتصفية الحسابات الدولية، في ظل دعم قوى إقليمية ودولية للميليشيات المتمردة لتحقيق مصالحها، بينما يبقى الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر في هذه المواجهة الدامية.

الحرب الدائرة في السودان
تعليقًا على ما سبق، أكد الدكتور ياسر بابكر دفع الله، الخبير الاستراتيجي السوداني، أن الحرب الدائرة في السودان تُعد نموذجًا فريدًا من نوعه في أسباب نشوبها، وتطوراتها، والوسائل التي استخدمتها قوات الدعم السريع المتمردة، فضلًا عن تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي المحيط بها.

وأشار دفع الله إلى أن هذه الحرب تختلف عن غيرها من الصراعات، ليس فقط في طريقة اندلاعها، حيث بدأت بتمرد وحدة تابعة للقوات المسلحة – تحديدًا إدارة حرس الحدود – على الجيش النظامي، ولكن أيضًا في طبيعة المكافئة والرد على التمرد.

وأضاف أن الأحداث سرعان ما كشفت أبعاد المؤامرة الدولية والإقليمية، إلى جانب الأطماع التاريخية لبعض دول الجوار، التي استغلت الوضع لتعزيز نفوذها داخل السودان.

وأوضح أن الحرب السودانية لا مثيل لها في التاريخ القديم أو الحديث، إذ لم يسبق أن شهد العالم صراعًا يستهدف الوجود البشري ذاته، ويسعى إلى استئصال شعب بأكمله عبر القتل الجماعي، والنهب، والتدمير، والاعتداءات الوحشية.

واستشهد بمأساة غرب دارفور، حيث تم التمثيل بجثة واليها القائد الشهيد خميس أبكر، وما شهدته ولايات وسط السودان، خاصة ولاية الجزيرة، من انتهاكات جسيمة، إلى جانب القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة الفاشر، والذي طال الأسواق والمستشفيات ودور العبادة، متسببًا في خسائر فادحة بين المدنيين.

دور الدعم الخارجي في إطالة أمد الحرب
تطرق دفع الله إلى مسألة الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع، مؤكدًا أن الميليشيا المتمردة تلقت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا ضخمًا، لا يمكن وصفه، من جهات خارجية.

وأوضح أن طبيعة العتاد العسكري الضخم، والإمدادات الغذائية والطبية التي بحوزة الميليشيا، تثير تساؤلات عن مصادر تمويلها، خاصة أن هذه الموارد تفوق إمكانيات الجيش السوداني نفسه.

وأشار إلى أنه سبق وأن كشف في تقارير سابقة عن الدول التي قدمت الدعم الكبير للمتمردين، كما تحدث عن تواطؤ بعض القوى العالمية، التي تدعي أنها “دول عظمى”، لكنها في الواقع باركت هذه الفوضى وساهمت في تأجيجها.

واختتم دفع الله حديثه بالإشارة إلى أن السودان أصبح ساحة لصراع القوى الدولية، حيث تسعى كل من روسيا وأوكرانيا إلى استغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، مؤكدًا أن السودان هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب التي تهدد استقراره ومستقبله.

ساحة صراع دولي
فيما أكد محمد سعد كامل، رئيس تحرير صحيفة “بروان لاند” السودانية، أن السودان تحول إلى ساحة صراع دولي، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها الخاصة وتصفية حساباتها، بينما يبقى الشعب السوداني هو الضحية الأكبر، يدفع ثمن هذا النزاع المستمر على الثروات والموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد.

وشدد كامل على ضرورة أن يكون حل الأزمة السودانية داخليًا، بعيدًا عن أي تدخل خارجي، مؤكدًا أن أي أطراف دولية تتدخل في الشأن السوداني لا تفعل ذلك إلا وفقًا لمصالحها الخاصة. وفي هذا السياق، أشار إلى أنه إذا ثبت تدخل أوكرانيا في السودان، فإنه يأتي لخدمة أجندتها الاقتصادية أو اللوجستية، وليس بدافع دعم الاستقرار في البلاد.

واختتم رئيس تحرير “بروان لاند” تصريحه بالتأكيد على أن الحل الحقيقي للأزمة يكمن في حوار وطني شامل، يضع مصلحة السودان وشعبه فوق أي اعتبارات أخرى، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية التي لا تجلب سوى مزيد من التعقيد للأوضاع.

والجدير بالذكر ان أوكرانيا هي الدولة الوحيدة التي اعترف بعض مسؤوليها بالتورط في هذا الصراع ودعم الطرف المتهم بارتكاب الجرائم الإنسانية والتطهير العرقي، وعلى الرغم من ذلك لم يخرج حتى اللحظة أي مسؤول على مستوى القيادة السياسية أو الديبلوماسية للبلاد لتوضيح ماهية التواجد العسكري الأوكراني في السودان، كما على أوكرانيا أن تبرر التواجد عبر مسؤول على مستوى القيادة كالمبعوث الأوكراني لدى الأمم المتحدة في نيويورك أندريه ميلنيك.

شاهد أيضاً

سوريا بين فوضى السلاح وتحديات المصالحة .. هل ينجح أحمد الشرع في توحيد الصفوف؟

تؤكد الأحداث الأخيرة في الساحل السوري أن الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة لم يتمكنوا بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *