انسحاب أمريكي وصفقات تسليح لم ترى الضوء.. ما مصير الفصائل الكردية المسلحة في سوريا

تتصاعد التطورات السياسية في سوريا وسط تعقيدات تحيط بمستقبل الفصائل الكردية المسلحة، التي تواجه تحديات متزايدة مع تراجع الدعم الأمريكي، والتوترات الإقليمية والدولية حول مصيرها. وبينما تسعى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) للحفاظ على نفوذها في شمال شرق البلاد، فإن الغموض لا يزال يحيط بمستقبلها في ظل رفض واشنطن تسليحها، ومساعيها للحصول على دعم إسرائيلي مباشر.

دعوات كردية لدور إسرائيلي ورفض أمريكي للتسليح

في خطوة تعكس القلق المتزايد لدى الأكراد بشأن مستقبلهم في سوريا، دعت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية، الاحتلال الإسرائيلي إلى لعب دور مباشر في شمال شرق سوريا. وفي مقابلة مع صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، قالت أحمد إن “إسرائيل يجب أن تكون جزءًا من الحل لأمن الشرق الأوسط”، مشيرة إلى الحاجة إلى تدخلها لضمان استقرار الأوضاع.

تأتي هذه التصريحات في وقت شهدت فيه الأوساط الكردية تحركات للحصول على دعم عسكري خارجي، حيث كشفت مصادر كردية عن مفاوضات جرت قبل تصريحات أحمد، بحثت إمكانية تزويد “قسد” بأسلحة متطورة استولت عليها إسرائيل خلال عملياتها العسكرية في جنوب لبنان ومناطق داخل سوريا.

فيما باءت غير أن هذه المساعي بالفشل، بعد أن عرقلت الولايات المتحدة الصفقة، مفضلة توجيه تلك الأسلحة إلى أوكرانيا.

إسرائيل تنقل أسلحة سورية إلى أوكرانيا

ذكرت القناة 14 الإسرائيلية أن تل أبيب قامت بشحن كميات كبيرة من الأسلحة الروسية التي استولت عليها من حزب الله والجيش السوري السابق، إلى أوكرانيا، بدعم لوجستي أمريكي. ووفقًا للتقرير، تولت طائرات نقل عسكرية أمريكية عملية شحن الأسلحة من إسرائيل إلى بولندا، حيث تم تسليمها للقوات الأوكرانية.

وتضمنت الشحنات العسكرية قاذفات صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وصواريخ آر بي جي، وصواريخ حرارية متطورة، بالإضافة إلى أنظمة صواريخ متنقلة مضادة للطائرات وكميات كبيرة من الذخائر.

التوازنات الإقليمية ومستقبل “قسد”

على الصعيد الإقليمي، تواصل تركيا رفضها لأي وجود كردي مستقل في شمال سوريا، معتبرة “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه منظمة إرهابية.

في الوقت نفسه، تضغط الحكومة السورية الانتقالية لإعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية، مؤكدة أن السلاح يجب أن يكون في يد الدولة فقط، وهو ما يضع “قسد” أمام خيارات صعبة.

أما على المستوى الدولي، فإن الدعم الأوروبي لجهود إعادة إعمار سوريا مرهون بتغيرات سياسية، مع رفض التعامل مع أي نموذج ديكتاتوري جديد، ومطالبة دمشق بالالتزام بإصلاحات تضمن الاستقرار السياسي وحقوق الإنسان.

يضع هذا الموقف الأكراد في مأزق، إذ لا يمكنهم الاعتماد على واشنطن أو تل أبيب، في وقت تتراجع فيه فرص دعمهم عسكريًا.

إلى أين تتجه الأزمة؟

في ظل هذه المعادلات المعقدة، يبقى مستقبل الفصائل الكردية في سوريا رهينًا للتطورات السياسية والعسكرية في المنطقة.

ومع تزايد الضغوط من دمشق وأنقرة، وانسحاب الدعم الأمريكي، واستبعاد الخيار الإسرائيلي، يبدو أن خيارات “قسد” باتت محدودة، ما يفتح الباب أمام احتمالات إما تسوية سياسية تقبل بها الإدارة الذاتية بشروط جديدة، أو مواجهة عسكرية تفرض تغييرات على الأرض، أو إعادة تموضع تحسبًا لمتغيرات المشهد السوري في السنوات المقبلة.

الوجود العسكري الأمريكي

المحلل السياسي السوري زكي الدروبي
المحلل السياسي السوري زكي الدروبي

أكد المحلل السياسي السوري زكي الدروبي في تصريحه لمركز المستقبل، أن الوجود العسكري الأمريكي والانتهاكات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي السورية يعكسان فقدان سوريا لسيادتها الكاملة، وهي الحالة التي أوصلها إليها نظام الأسد.

وأوضح الدروبي أن هذه السياسات جعلت البلاد ساحة صراع إقليمي ودولي، حيث تتشابك المصالح وتتواجه القوى المختلفة، وتتم تصفية الحسابات على الأرض السورية بدماء السوريين.

وأضاف أن وجود القوات الأمريكية، إلى جانب أي قوات عسكرية أخرى داخل سوريا، والاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل، كلها عوامل تشكل تهديدًا لاستقلالية وسيادة الدولة السورية، وتعكس حجم التدخل الخارجي الذي تسعى من خلاله القوى الدولية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مستقبل سوريا وشعبها.

التدخل العسكري الأجنبي في سوريا

وأشار الدروبي إلى أن التدخل العسكري الأجنبي في سوريا لم يكن مباشرًا في أغلب الأحيان، حيث امتنعت بعض الدول مثل تركيا والولايات المتحدة عن التدخل المباشر في المعارك، لكنها شاركت في الضربات الجوية ضد تنظيم داعش ضمن التحالف الدولي بقيادة فرنسية-بريطانية. كما أن بعض الدول الأوروبية تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو ما يثير استياء تركيا، التي ترى في هذا الدعم تهديدًا لأمنها القومي.

وحول الموقف الأوروبي من الأزمة السورية، أوضح الدروبي أن الدول الأوروبية تراقب أداء السلطة الحالية، وقد أقدمت بالفعل على تجميد بعض العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة تهدف إلى مساعدة السلطات الجديدة  على تجاوز الأزمة الإنسانية والعمل على استقرار البلاد.

واضاف الدروبي أن هناك  عدد من وزراء الخارجية والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي زار سوريا، حيث التقى بعضهم بالإدارة الحالية، مؤكدين أنهم لن يقبلوا بظهور نموذج استبدادي جديد، كما شددوا على رفضهم التعامل مع منظمات إسلامية مثل هيئة تحرير الشام، المصنفة على قوائم الإرهاب.

 

شاهد أيضاً

سوريا بين فوضى السلاح وتحديات المصالحة .. هل ينجح أحمد الشرع في توحيد الصفوف؟

تؤكد الأحداث الأخيرة في الساحل السوري أن الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة لم يتمكنوا بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *