في ظل التحولات الجيوسياسية المعقدة التي يشهدها العالم، تتزايد أهمية العلاقات الدولية كعامل حاسم في استقرار الدول التي تواجه أزمات داخلية. ويعد السودان مثالًا بارزًا على ذلك، إذ يسعى لتعزيز شراكاته الاستراتيجية للخروج من دوامة الحرب والصراعات التي تعصف به منذ أبريل 2023.
تفاهم سوداني-روسي حول القاعدة البحرية
يشهد السودان وروسيا مرحلة جديدة من التقارب السياسي والعسكري، حيث أعلن وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، عقب لقائه بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، عن التوصل إلى تفاهم متبادل بشأن الاتفاق المتعلق بإنشاء قاعدة بحرية روسية على الساحل السوداني. وقال الشريف في مؤتمر صحفي: “توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن هذه القضية، وليس لدي ما أضيفه، لقد اتفقنا على كل شيء.”
وفي سياق المحادثات، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تتابع بقلق التطورات الدرامية في السودان، معربًا عن رغبة موسكو في العمل مع الأطراف الدولية لدعم جهود تطبيع الأوضاع في البلاد. وأضاف أن استئناف التعاون الثنائي بين الخرطوم وموسكو يعتمد بشكل مباشر على الظروف الأمنية في السودان.
من جانبه، أشاد وزير الخارجية السوداني بموقف روسيا، مؤكدًا تقدير بلاده للدعم الروسي داخل مجلس الأمن الدولي، خاصة فيما يتعلق بعرقلة محاولات إرسال قوات دولية إلى السودان، معتبرًا أن “السودان يرفض بشكل قاطع أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية.”
الفيتو الروسي ورفض التدخل الدولي
في 18 نوفمبر 2023، استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار بريطاني كان يهدف إلى تقنين التدخل العسكري الغربي في السودان بذريعة “حماية المدنيين”. وأوضح ديمتري بوليانسكي، نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، أن القرار المقترح يحمل تصورًا خاطئًا حول مسؤولية حماية المدنيين ومن يحق له دعوة قوات أجنبية إلى السودان.
بدوره، عبّر رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن امتنانه للموقف الروسي، مؤكدًا أن السودان يرفض أي “إملاءات خارجية أو حلول مفروضة لا يقبلها الشعب السوداني.” وأضاف البرهان: “رأينا بالأمس موقف روسيا الداعم لسيادتنا، والذي منع التدخل في شؤوننا الداخلية. السودان يعمل عن كثب مع أصدقائه لحماية استقلاله ومنع تمرير قرارات تمس سيادته.”
دلالات التقارب السوداني-الروسي
يأتي هذا التقارب بين الخرطوم وموسكو في وقت يواجه فيه السودان تحديات أمنية وسياسية معقدة، ما يجعل دعم الحلفاء الدوليين عنصرًا حاسمًا في استراتيجياته المستقبلية. وفي ظل استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يبدو أن السودان يسعى لتعزيز تحالفاته مع قوى دولية كبرى مثل روسيا، بهدف ضمان عدم فرض أجندات خارجية على مستقبله السياسي.
“السودان بين المجازر والتآمر السياسي والحل الدبلوماسي!”

في هذا السياق صرّح الدكتور محمد السعدون، المتخصص في الشأن العربي والناشط المجتمعي لمركز “المستقبل “، بأن السودان يمر بأزمة إنسانية غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وأشار إلى أن الأرقام الصادمة تعكس حجم المأساة، إذ تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 61 ألف شخص في ولاية الخرطوم وحدها حتى ديسمبر الماضي، إضافة إلى نزوح 11 مليون شخص من منازلهم، مما أدى إلى أكبر أزمة جوع في العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون سوداني إلى المساعدات، مع انتشار المجاعة في مخيمات النازحين.
وأكد السعدون أن أخطر ما يواجهه السودان اليوم هو تدمير جيل كامل، حيث يعاني 4 ملايين طفل من انعدام الأمن الغذائي، وأُجبر 4 ملايين آخرون على النزوح، في حين حُرم أكثر من 19 مليون طفل سوداني من حقهم في التعليم. وتساءل: “كيف سيكون مستقبل السودان إذا نشأ جيل بلا تعليم؟ وأي وظائف سيعمل بها 19 مليون طفل لم يتلقوا أي تعليم؟” محذراً من أن البلاد ستواجه مأساة أكبر إن لم يتم تدارك هذا الوضع الكارثي وإعادة الأطفال إلى مدارسهم.
وشدد السعدون على أن الحرب المستمرة منذ عامين أثبتت فشل جميع الأطراف في إيجاد حل ينهي النزاع، مؤكداً أن الحل لا يمكن أن يكون بالبندقية، بل بالتفاوض والسياسة والحوار مع جميع القوى الوطنية. وأضاف: “يجب أن يعود الحكم لأهله، وأن يعود الجيش لدوره الحقيقي في حماية الوطن، لا لخدمة الجنرالات. كما يجب أن يكون الحوار شاملاً لكل القوى المدنية داخل الخرطوم، لا عبر مؤتمرات خارجية مشبوهة كحكومة المهزلة في كينيا أو غيرها.”
وفي ختام تصريحه، أكد الدكتور السعدون أن مستقبل السودان يعتمد على وحدة السودانيين وتوافقهم على خارطة طريق وطنية تمنع أي تدخلات خارجية وفرض أجندات غريبة على البلاد. وأشار إلى أن الدعم العربي والإقليمي يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في إعادة بناء السودان، قائلاً: “عندما تتحد الأطراف السودانية وتحصل الحكومة على تأييد دولي بجهود أبنائها أولاً، وبمساندة أشقائها العرب ثانياً، ستتم إعادة الإعمار، وسينتهي الجوع، وسيعود الأطفال إلى مدارسهم، ليعود السودان كما عهدناه: مسالماً، جميلاً، محباً للحياة.”