ماذا وراء الدعوة الإماراتية لهدنة في السودان؟

مع اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الثاني، يرى العديد من الخبراء والمراقبين أن المواجهات بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لم تعد مجرد صراع داخلي أو حرب أهلية، بل باتت تحمل أبعادًا إقليمية ودولية، نتيجة تشابك مصالح قوى خارجية عديدة.

وأدى هذا الصراع إلى جعل منطقة البحر الأحمر، ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، ساحة لتنافس النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية، في ظل السباق المحتدم لتعزيز الهيمنة داخل القارة الإفريقية. وفي هذا السياق، تصاعدت التساؤلات حول مصادر تمويل وتسليح قوات “الدعم السريع”، والأطراف التي تقف خلف دعمها والأهداف الكامنة وراء ذلك.

دعوة إماراتية لوقف إطلاق النار خلال رمضان تثير الجدل

وسط هذه التطورات، وجهت دولة الإمارات، في 11 فبراير الجاري، دعوة إلى وقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، استنادًا إلى البعد الإنساني لقدسية الشهر الكريم. وقال مسؤول إماراتي إن “مع اقتراب شهر رمضان المبارك، وهو شهر الرحمة والعطف، تدعو الإمارات جميع الأطراف إلى احترام هذه الفترة المقدسة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية”.

لكن هذه المبادرة قوبلت بالرفض من الجيش السوداني، حيث صرح مصدر رفيع المستوى في الجيش لوكالة “رويترز” قائلًا: “لن نقبل بوقف إطلاق النار خلال رمضان إلا بعد فك الحصار عن جميع المدن والمناطق المحاصرة”.

ويأتي هذا الرفض في سياق اتهامات الجيش السوداني للإمارات بالتورط في الحرب عبر دعمها وتسليحها لقوات “الدعم السريع”، وهي مزاعم أكد خبراء في الأمم المتحدة ومشرعون أمريكيون أنها تستند إلى أدلة موثوقة، بينما تنفيها الإمارات رسميًا.

مخاوف من استغلال الهدنة لإعادة ترتيب الصفوف


يرى محللون أن أي وقف مؤقت لإطلاق النار قد يُستخدم كفرصة لإعادة تموضع القوات المتصارعة، مما قد يساهم في إطالة أمد النزاع بدلًا من التمهيد لحل نهائي. وفي ظل استمرار الاتهامات المتبادلة، يبدو أن الأزمة السودانية ستظل مفتوحة على مزيد من التعقيد، في انتظار تدخلات دبلوماسية أكثر فاعلية لتحقيق تسوية شاملة.

ماذا وراء الدعوة الإماراتية

رامي زهدي خبير في الشؤون الإفريقية الاقتصادية والسياسية

أكد رامي زهدي، الخبير في الشؤون الإفريقية الاقتصادية والسياسية في تصريحاته لمركز “المستقبل”، أن الحديث عن هدنة لوقف الحرب في السودان خلال شهر رمضان، من أجل تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، يرتبط بقدسية الشهر والشعائر الدينية، إلا أن هذه المبادرة، التي طُرحت العام الماضي دون نجاح، تظل غير واقعية في مضمونها رغم وجاهتها من الناحية الإنسانية.

وأوضح زهدي أن “كيف يمكن مطالبة ميليشيات وعصابات ترتكب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوداني، بوقف هذه الجرائم مؤقتًا خلال شهر رمضان، ثم السماح لها باستئنافها بعد ذلك؟ هذا نهج غير منطقي، والحل الأفضل هو الدعوة إلى وقف نهائي لهذه الانتهاكات، وإخراج الميليشيات من المنازل والمناطق التي احتلتها خلال الفترة الماضية، من أجل الوصول إلى تسوية شاملة وحل دائم للأزمة”.

وأشار إلى أن “إعطاء هذه الميليشيات فرصة هدنة، أياً كان الطرف الذي يدعو إليها، سواء كان دوليًا أو إقليميًا، يمنحها فرصة للحصول على دعم لوجستي وإعادة تأهيل نفسها، مما يسمح لها بالعودة إلى ساحة القتال لاحقًا، وهو ما يجعل الأمر بمثابة دائرة مفرغة لا تحقق الاستقرار للسودان”.

وأضاف زهدي أن الواقع على الأرض يشير إلى أن الجيش السوداني يحقق تقدمًا وانتصارات ميدانية في الفترة الأخيرة، وهو ما يصب في مصلحة الدولة والشعب السوداني. كما شدد على ضرورة التعامل مع الاتهامات المتبادلة بين السودان وبعض الدول بشأن دعم الميليشيات المسلحة بحذر، مؤكدًا أن هذه الاتهامات ما زالت تفتقر إلى أدلة قاطعة.

واختتم زهدي حديثه بالتأكيد على أن الحل الحقيقي يكمن في طرح مبادرات تضمن وقفًا دائمًا للقتال، وليس مجرد هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان، معتبرًا أن أي محاولة لفرض هدنة دون معالجة جذور الأزمة ستؤدي إلى استمرار دوامة العنف وعدم الاستقرار.

الدعم الإماراتي لـ “حميدتي”

تصاعد الاتهامات بشأن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع في السودان
في ظل استمرار الحرب في السودان، تتوالى التقارير والمعلومات الاستخباراتية التي تتحدث عن دعم الإمارات لقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث يُزعم أن أبوظبي ترسل شحنات من الأسلحة إلى هذه القوات عبر الحدود التشادية. وكانت منظمة العفو الدولية قد أدانت، في أواخر العام الماضي، هذا الدعم، مؤكدة تورط الإمارات في تأجيج الصراع عبر إمداد “الدعم السريع” بالأسلحة.

السودان يعزز شكواه ضد الإمارات في مجلس الأمن


وفي هذا السياق، قدمت الحكومة السودانية أدلة إضافية إلى مجلس الأمن الدولي لدعم شكواها الرسمية ضد الإمارات، والتي تم تقديمها في 29 مارس من العام الماضي. وطالب السودان المجلس باتخاذ إجراءات لوقف ما وصفه بـ”الدعم والرعاية والإسناد” الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع.
وأكد الحارث إدريس، مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، أن الإمارات توفر العلاج لمقاتلي الدعم السريع المصابين في مستشفى زايد العسكري بأبوظبي، وأرفق في شكواه صورًا لهم أثناء تلقيهم العلاج. كما تضمنت الشكوى تفاصيل وصورًا لصناديق ذخيرة مدفعية ثقيلة تحمل اسم الإمارات، استولى عليها الجيش السوداني عقب معارك جبل موية، إلى جانب شاحنات نقل أسلحة وذخائر تحمل أرقام وبطاقات ترخيص من دبي.

الدور التركي.. مسيرات بيرقدار تغير المعادلة

على الجانب الآخر، اختارت تركيا دعم الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وهو ما تجلى بوضوح منذ سبتمبر 2023. وبحسب خبراء، فإن الجيش السوداني يحقق تقدمًا ملحوظًا على الأرض، لا سيما بعد دخول الطائرات المُسيّرة التركية من طراز “بيرقدار” حيز الخدمة في أكتوبر الماضي، ما منح القوات السودانية تفوقًا عسكريًا ملحوظًا.

الإمارات ومحاولات تلميع الصورة

ويرى مراقبون أن التحركات الأخيرة للإمارات، بما في ذلك دعوتها إلى هدنة خلال شهر رمضان، تأتي في سياق محاولة تحسين صورتها خوفًا من فقدان نفوذها في السودان، خاصة في ظل تقارير تشير إلى تورط شركات إماراتية في تجارة الذهب والسلاح داخل البلاد، مثل شركة “GSK”.

ومع استمرار هذه المعطيات، يظل الصراع السوداني مفتوحًا على مزيد من التعقيدات، في ظل تداخل المصالح الإقليمية والدولية في المشهد.

شاهد أيضاً

سوريا بين فوضى السلاح وتحديات المصالحة .. هل ينجح أحمد الشرع في توحيد الصفوف؟

تؤكد الأحداث الأخيرة في الساحل السوري أن الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة لم يتمكنوا بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *