في ظل ما يشهده السودان من نزاع داخلي، يقدم مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر بحثاً خاصاً يتناول فيه المشهد السوداني وما يدور من أطماع دولية وصراع داخلي يتمثل بالقتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (RSF)، تحول إلى حرب واسعة النطاق بعد انهيار التحالف بين الطرفين في أبريل ٢٠٢٣.
في خضم هذا الصراع، برزت تقارير عن تدخلات خارجية، لاسيما من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، لدعم قوات الدعم السريع. يهدف هذا البحث إلى تحليل دوافع هذه الدول، والاستراتيجيات الاقتصادية والعسكرية المتبعة، وردود فعل الجيش السوداني، استناداً إلى تقارير من مراكز أبحاث دولية وتحليلات استراتيجية.
المحور الأول: الدوافع الجيوسياسية للإمارات وإسرائيل
١. الإمارات: محاربة الإسلاميين وتوسيع النفوذ
وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في ٢٠٢٣، تسعى الإمارات إلى تعزيز نفوذها في القرن الإفريقي عبر دعم قوات غير نظامية مثل قوات التدخل السريع، لضمان وجود حليف يخدم مصالحها في مواجهة الجماعات الإسلامية التي تعتبرها تهديداً.
كما تُركز الإمارات على تأمين طرق التجارة البحرية عبر البحر الأحمر، حيث تستثمر في مشاريع موانئ سودانية، مثل ميناء “بورتسودان” عبر شركة “دي بي ورلد” الإماراتية.
٢. إسرائيل: التطبيع واستغلال الفراغ الأمني
تشير تحليلات معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (WINEP) إلى أن إسرائيل تعمل على تعميق علاقاتها مع دول إفريقيا، بما فيها السودان، بعد توقيع اتفاقيات التطبيع في ٢٠٢٠.
ويُعتقد أن دعمها غير المباشر لقوات التدخل السريع (عبر الإمارات) يهدف إلى إضعاف الجيش السوداني الذي تحالفت معه جماعات معادية لإسرائيل تاريخياً، وفقاً لتقرير صادر عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط في ٢٠٢٢.
المحور الثاني: المصالح الاقتصادية المُستهدفة
١. السيطرة على الموارد الطبيعية
تُشير تقارير منظمة العفو الدولية (٢٠٢٣) إلى أن الإمارات وإسرائيل تستهدفان موارد الذهب السوداني، الذي يُعد ثاني أكبر احتياطي في إفريقيا.
وتوثق المنظمة عمليات تهريب منظمة عبر شركات إماراتية مثل “نوراين” المرتبطة بقوات التدخل السريع “RSF“. كما تُستغل الأراضي الزراعية السودانية عبر صفقات مع مستثمرين إماراتيين، وفقاً لتحقيق أجرته شبكة “الجزيرة” بالتعاون مع “OCCRP“.
٢. المشاريع الاستراتيجية
تربط مؤسسة بروكنجز بين الدعم الإماراتي و قوات التدخل السريع ومشروع “طريق الحرير الإماراتي”، الذي يهدف إلى ربط الموانئ الإفريقية بشبكة تجارية إماراتية. كما تُشارك إسرائيل في مشاريع استثمارية في شرق السودان، مثل تطوير ميناء “سواكن” كجزء من اتفاقيات التطبيع.
المحور الثالث: الدعم العسكري المُقدم لقوات الدعم السريع
1- الأسلحة والتقنيات الحديثة
كشف تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI) عن توريد الإمارات أسلحة متطورة لقوات التدخل السريع عبر قاعدة “العديد” الجوية في إريتريا، تشمل طائرات مسيرة تركية الصنع (Bayraktar TB2) وأسلحة خفيفة إسرائيلية. كما أشارت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إلى استخدام قوات التدخل السريع أسلحة مُصنعة في الإمارات في هجمات ضد المدنيين.
2- التدريب والاستخبارات
وفقاً لتحليل نشرته مجلة جينز الدفاعية، تتلقى قوات التدخل السريع تدريبات عسكرية من مرتزقة أجانب موالين للإمارات، بينما تُقدم إسرائيل دعماً استخباراتياً عبر شركات أمنية خاصة.
3- خلف هذا الدعم يوجد توافق غربي
تُشير الاتهامات الموجهة إلى فرنسا والإمارات بشأن تزويد قوات الدعم السريع السودانية بمعدات عسكرية متطورة إلى وجود توافق غربي ضمني وراء هذا الدعم. فبينما تنفي الدول الغربية أي تورط مباشر في الصراع السوداني، فإن استمرار تدفق الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية عبر قنوات رسمية وغير رسمية يعكس سياسة غير معلنة تتماشى مع المصالح الاستراتيجية للدول الغربية في المنطقة. وتوضح منظمة العفو الدولية أن نظام Galix الدفاعي، المصمم والمُصنع في فرنسا، قد تم دمجه في ناقلات الجنود المدرعة المصنوعة في الإمارات، مما يشير إلى تورط غير مباشر في النزاع رغم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور.
4- اتهامات منظمة العفو الدولية لفرنسا والإمارات
في تحقيق جديد، أكدت منظمة العفو الدولية أن ناقلات الجنود المدرعة نمر، المصنوعة في الإمارات، والمستخدمة من قبل قوات الدعم السريع، مزودة بنظام Galix الفرنسي، وهو نظام دفاعي متطور يوفر حماية للمركبات القتالية. وأشارت المنظمة إلى أن وجود هذه التكنولوجيا في ساحة المعركة بالسودان يُعد انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة المفروض على دارفور. كما سلط التحقيق الضوء على الشراكة العسكرية طويلة الأمد بين فرنسا والإمارات، حيث بلغت قيمة الصادرات العسكرية الفرنسية إلى أبوظبي نحو 2.6 مليار يورو خلال العقد الماضي، في ظل تقارير تؤكد تورط الإمارات في خرق حظر الأسلحة المفروض من قبل مجلس الأمن في عدة مناطق نزاع، بما في ذلك ليبيا والسودان.
المحور الرابع: استراتيجية الجيش السوداني في المواجهة
١. التحالفات الإقليمية والدولية
يعتمد الجيش السوداني على دعم مصر والسعودية، اللتين تُعارضان النفوذ الإماراتي-الإسرائيلي في المنطقة. كما يسعى لتعزيز علاقته مع إيران، التي زودته مؤخراً بطائرات مسيرة، وفقاً لتقرير معهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS).
٢. التحديات الداخلية
يواجه الجيش انقسامات داخلية وفقداناً للشرعية الشعبية، خاصة بعد مجازر دارفور. كما تُعيق العقوبات الدولية قدرته على استيراد أسلحة متطورة، بحسب تحليل لـمركز الأبحاث التطبيقية بجامعة نيويورك.
الخاتمة: تداعيات الصراع على السودان والمنطقة
يُفاقم الدعم الخارجي لقوات التدخل السريع من تعقيد الأزمة السودانية، ويهدد بتقسيم البلاد وتدمير اقتصادها. كما يُظهر الصراع تحول إفريقيا إلى ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية، مما يستدعي تدخلاً دولياً لفرض وقف إطلاق النار ومحاسبة الجهات الخارجية وفقاً للقانون الدولي.
المصادر
- International Crisis Group (ICG) Report, “Sudan’s Calamitous Civil War,” 2023.
- Carnegie Middle East Center, “Israel’s Quiet Role in Sudan’s Conflict,” 2022.
- SIPRI Arms Transfer Database, 2023.
- Amnesty International, “Sudan: Gold and Blood,” 2023.
- Brookings Institution, “The UAE’s Strategic Play in Sudan,” 2023.
- UN Panel of Experts Report on Sudan, 2023.
- IISS Military Balance Report, 2023.