تصاعد التوتر في السودان مجددًا بعد تحطم طائرتين عسكريتين تابعتين لسلاح الجو السوداني في أم درمان ونيالا، وسط اشتداد المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي). وأثار الحادث اهتمام وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، في وقت تتزايد فيه التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى امتلاك “الدعم السريع” لأسلحة متطورة حصلت عليها مؤخرًا، مما دفع المحللين والخبراء العسكريين إلى التكهن بأسباب سقوط الطائرتين والجهات التي قد تكون وراء الحادثة.
46 قتيلًا في تحطم طائرة عسكرية بأم درمان
أعلنت وزارة الصحة السودانية في 26 فبراير عن مقتل 46 شخصًا على الأقل جراء تحطم طائرة نقل عسكرية سودانية قرب قاعدة وادي سيدنا العسكرية، إحدى أهم القواعد الاستراتيجية للجيش في أم درمان. وبحسب مصادر عسكرية، فإن الطائرة المنكوبة من طراز “أنتونوف”، وكان على متنها عدد من الضباط، بينهم اللواء بحر أحمد، أحد كبار قادة العمليات العسكرية في العاصمة الخرطوم.
“الدعم السريع” يعلن إسقاط طائرة عسكرية في نيالا
في تطور متزامن، أعلنت قوات “الدعم السريع” عن مسؤوليتها عن إسقاط طائرة عسكرية سودانية أخرى في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور. وأكد بيان صادر عن “الدعم السريع” أن عناصره نجحوا في إسقاط طائرة من طراز “إليوشن” باستخدام منظومات دفاع جوي حديثة، دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول طبيعة السلاح المستخدم في العملية.
دلالات التصعيد العسكري
يأتي تحطم الطائرتين في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق بين الطرفين، حيث تزايدت التقارير عن تورط جهات دولية وإقليمية في تزويد قوات “الدعم السريع” بأسلحة متقدمة، مما يعزز قدرتها على مواجهة الجيش السوداني جوًا وبرًا. ووفقًا لمصادر استخباراتية، فإن الدعم السريع تلقى دعمًا عسكريًا من جهات خارجية، شمل تزويده بأنظمة دفاع جوي متطورة تمكّنه من استهداف الطائرات العسكرية السودانية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير التدخلات الخارجية على مسار الصراع السوداني.
انعكاسات على المشهد السياسي والعسكري
يؤكد مراقبون أن استهداف الطائرات العسكرية السودانية يمثل تحولًا خطيرًا في ميزان القوى داخل الصراع، وقد يكون مؤشرًا على مرحلة جديدة من المواجهات تعتمد بشكل متزايد على الحروب الجوية والتكنولوجيا العسكرية الحديثة. كما يطرح الحادث تساؤلات حول مدى جاهزية الجيش السوداني لمواجهة التحديات العسكرية المتزايدة، خاصة في ظل التقارير عن نقص الإمدادات العسكرية للجيش، مقابل تزايد الدعم الخارجي لـ”الدعم السريع”.

وبحسب الناشط السياسي محمد السعدون فأن الأزمة السودانية تتفاقم بشكل غير مسبوق، في ظل استمرار النزاع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، مشيرًا إلى أن هذا الصراع لم يعد مجرد خلاف داخلي على السلطة، بل تحول إلى معضلة إقليمية ودولية معقدة بفعل التدخلات الخارجية، التي تعمّق الأزمة وتزيد من معاناة الشعب السوداني.
وأضاف السعدون أن سقوط طائرتين عسكريتين للجيش السوداني في أم درمان ونيالا خلال الأيام الماضية، يكشف عن تحوّل خطير في ميزان القوى داخل الصراع، ويعكس الدعم العسكري الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع من جهات خارجية، خاصة بعد إعلان هذه القوات مسؤوليتها عن إسقاط الطائرتين باستخدام منظومات دفاع جوي متطورة.
وأوضح أن المعلومات التي تم تداولها حول حصول “الدعم السريع” على أسلحة متقدمة بدعم من فرنسا والإمارات، بمساعدة خبراء أوكرانيين، تطرح تساؤلات خطيرة حول طبيعة الدور الذي تلعبه بعض القوى الدولية والإقليمية في تأجيج الصراع داخل السودان، وتحويله إلى حرب بالوكالة تُنفذ فيها أجندات خارجية على حساب استقرار البلاد وأمن مواطنيها.
مسؤول أوكراني: بعض مواطنينا يقاتلون في السودان.. ومعظمهم من التقنيين
في سياق ذو صلة، قال الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، خلال مقابلة له مع صحيفة “العربي الجديد”، في 18 فبراير الماضي، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد، ومعظمهم إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين، ” مضيفاً: بأن “أوكرانيا لا تعتبر في الوقت الحالي أي طرف من الأطراف المتحاربة في السودان كياناً شرعياً”.
وتابع “كما أنها تدعم تشكيل حكومة مدنية مستقلة غير مرتبطة بأي جماعات شبه عسكرية”، معرباً عن استعداد بلاده لأن تصبح مورداً بديلاً للأسلحة للبلدان الراغبة في الدفاع عن سيادتها، خاصة ضد روسيا. وقال: ” لدينا بعض النجاحات الأمنية في أفريقيا”.
الحكومة السودانية تلتزم الصمت أمام اعتراف أوكرانيا رسمياً بدعمها لقوات “حميدتي”
فيما أثار صمت الحكومة السودانية ووزارة خارجيتها استياء العديد من المحللين والصحفيين والمراقبين والمهتمين بالشأن السوداني، خاصة بعد تصاعد وتكرار التصريحات الرسمية لمسؤولين أوكرانيين والتي تؤكد بشكل مباشر وغير مباشر تورط قوات بلادهم بدعم قوات “الدعم السريع”.
وتعقيباً على تصريحات الممثل الخاص لأوكرانيا في أفريقيا، قال السعدون إلى أن أخطر ما في هذه التطورات هو الاعتراف الرسمي الصادر عن أوكرانيا، حيث أقر المسؤول الأوكراني مكسيم صبح بوجود مواطنين أوكرانيين يقاتلون إلى جانب “الدعم السريع”، مؤكدًا أن معظمهم خبراء عسكريون ومتخصصون في تقنيات الدفاع الجوي.
هذا الاعتراف، بحسب السعدون، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السودان بات ساحة مفتوحة لتدخلات عسكرية خارجية خطيرة، تهدد أمنه القومي واستقراره السياسي.
وانتقد السعدون الصمت التام الذي تلتزمه الحكومة السودانية ووزارة الخارجية تجاه هذه الاعترافات الخطيرة، معتبرًا أن هذا التجاهل يعكس ضعفًا سياسيًا غير مبرر، ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الأجنبية.
وقال: “إن تصريحات المسؤول الأوكراني كافية لإحداث أزمة دبلوماسية كبيرة بين السودان وأوكرانيا، وكان من المفترض أن تتخذ الحكومة السودانية موقفًا حازمًا، مثل تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن وقطع العلاقات الدبلوماسية مع كييف”.
وشدد السعدون على أن استمرار هذا الوضع دون رد فعل رسمي من قبل الحكومة يضعف موقف السودان على الساحة الدولية، ويجعله يبدو كدولة عاجزة عن حماية سيادتها والتصدي للتدخلات الخارجية، وهو ما قد يدفع أطرافًا أخرى إلى التدخل مستقبلاً في الشأن السوداني بنفس الطريقة.
وفي ختام تصريحه، شدد السعدون على أن الشعب السوداني هو الضحية الأولى والأخيرة لهذا النزاع، حيث يدفع المدنيون ثمنًا باهظًا نتيجة استمرار الصراع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية، وانعدام الأمن، والانهيار الاقتصادي.
وأكد أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة يتمثل في تحرك وطني موحد لوقف التدخلات الخارجية، وإجبار الحكومة السودانية على اتخاذ مواقف واضحة لحماية سيادة البلاد، والعمل على إعادة بناء المؤسسات الوطنية القادرة على تحقيق السلام والاستقرار.