في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الجديدة في سوريا إلى إعادة توحيد البلاد وإنعاش الاقتصاد المنهك بعد سقوط نظام الأسد، تبقى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا من أبرز العقبات التي تحول دون تحقيق الاستقرار.
وعلى الرغم من استمرار المفاوضات بين الحكومة و”قسد” لحصر السلاح بيد الدولة، إلا أن التدخلات الأجنبية والتطورات العسكرية على الأرض لا تزال تعرقل الوصول إلى اتفاق شامل.
اشتباكات متصاعدة وقصف متبادل
شهدت مناطق ريف حلب الشرقي خلال الساعات الماضية تصعيدًا عسكريًا خطيرًا، حيث قصفت القوات التركية بالمدفعية الثقيلة محيط جسر قرقوزاق وبلدة صرين، ما دفع قسد إلى الرد عبر استهداف قاعدة تركية غرب نهر الفرات بقذائف الهاون.
وفي تطور آخر، اندلعت اشتباكات عنيفة في محيط سد تشرين شرق حلب، إثر هجوم شنته فصائل موالية لتركيا على مواقع “قسد”. كما استهدفت فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة مواقع “قسد” على محور جسر قره قوزاق، ما أدى إلى معارك عنيفة بين الطرفين.
وفي دير حافر، شنت الفصائل المسلحة هجومًا بطائرات مسيّرة انتحارية استهدفت مواقع “قسد”، ما أسفر عن وقوع إصابات.
حصيلة الضحايا منذ بدء التصعيد
ووفقاً لتوثيقات “المرصد السوري” لحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد القتلى منذ بدء التصعيد في 12 كانون الأول 2024 ما مجموعه 631 شخصاً، منهم 56 مدنياً (بينهم 7 سيدات و4 أطفال وصحفي)، و470 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا (بينهم رقيب في الجيش التركي)، و102 عنصراً من قوات “قسد” والتشكيلات العسكرية التابعة لها (بينهم قيادي)، و3 من القوات التركية.
56أنقرة تهاجم “قسد” وواشنطن
يتزامن التصعيد العسكري مع تصريحات نارية من الجانب التركي، حيث أكد وزير الخارجية التركي في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية أن “قسد” تسيطر على ثلث الأراضي السورية، بما في ذلك مناطق النفط والغاز، وتستخدم عائداتها في تمويل الإرهاب.
وأضاف الوزير أن هناك تهديدات لوحدة أراضي سوريا والعراق وتركيا، مشددًا على ضرورة القضاء عليها. كما وجه انتقادات حادة للولايات المتحدة، مؤكدًا أن دعمها المستمر لـ”قسد” يُسمّم العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وأن هذا الدعم يجب أن يتوقف.
الدور الأمريكي في دعم “قسد”
لا تزال الولايات المتحدة تدعم “قسد” عسكريًا، من خلال تزويدها بالذخائر والطائرات المسيرة، إضافة إلى إشرافها على تدريبات عسكرية لمقاتليها الذين تُقدّر بعض التقارير الإعلامية التركية أعدادهم بـ80 ألف مقاتل. وتبرر واشنطن هذا الدعم بدور “قسد” في محاربة تنظيم “داعش” وتأمين السجون التي تضم قياداته، وهو ما تعتبره أنقرة ذريعة لاستمرار النفوذ الأمريكي في المنطقة.
مستقبل مجهول وسط تعقيدات المشهد
مع استمرار التدخلات الإقليمية والدولية، تتجه الأزمة في شمال سوريا إلى مزيد من التصعيد العسكري، ما يعرقل أي حلول سياسية قريبة. وبينما تصرّ دمشق على استعادة سيطرتها على كامل الأراضي السورية، تسعى أنقرة لفرض واقع جديد على الأرض، فيما يبقى الدعم الأمريكي لـ”قسد” عاملًا رئيسيًا يؤجج الصراع، ويدفع المنطقة نحو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

وبشأن التهديدات التركية بشن عملية عسكرية ضد “قسد”، أكد المحلل السياسي السوري زكي الدروبي أن التصعيد العسكري المستمر في سوريا لا يسهم في إيجاد حل سياسي، بل يزيد من تعقيد الأزمة ويطيل أمد الصراع.
وشدد الدروبي على ضرورة رفض وجود أي قوات أجنبية على الأراضي السورية، سواء كانت دولًا أو ميليشيات أو أفرادًا، مشيرًا إلى أن هذا المبدأ ينطبق على كافة الأطراف، بما في ذلك المقاتلين الأجانب في صفوف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والأجانب في جيش الشرع، إضافة إلى القوات التركية.
وأوضح الدروبي أن السبيل إلى إنهاء النزاع يكمن في إقامة دولة مدنية ديمقراطية يتمتع فيها جميع المواطنين بالمساواة أمام القانون، مع رفض أي مشاريع انفصالية تهدد وحدة البلاد. كما أكد على ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية التي لا تستند إلى اعتبارات طائفية أو قومية، مع تشكيل حكومة وطنية تضم جميع الأطراف، والعمل على إطلاق مسار حقيقي للانتقال نحو نظام مدني ديمقراطي، باعتباره الحل الأمثل لوقف نزيف الدم السوري.