سوريا بين فوضى السلاح وتحديات المصالحة .. هل ينجح أحمد الشرع في توحيد الصفوف؟

تؤكد الأحداث الأخيرة في الساحل السوري أن الرئيس أحمد الشرع وإدارته الجديدة لم يتمكنوا بعد من بسط سيطرتهم الكاملة على جميع مكونات وزارة الدفاع، التي تشكلت حديثًا عقب اندماج فصائل الثورة المسلحة.

رغم أن الساحل السوري خاضع رسميًا لسيطرة الإدارة السورية الجديدة، فإن أي تجاوزات وقعت من قبل مسلحين تابعين لوزارة الدفاع ضد المدنيين من الطائفة العلوية تُحمّل المسؤولية للإدارة السورية بقيادة أحمد الشرع. فالعلويون جزء من النسيج السوري، تمامًا كالسنة والمسيحيين والدروز وباقي الطوائف.

جرائم موثقة وتصاعد التوترات

لا يمكن إنكار الجرائم الموثقة التي شهدتها اللاذقية وطرطوس مؤخرًا، إذ تناقلت وسائل الإعلام الدولية مقاطع مصورة توثق عمليات قتل ذات طابع طائفي وانتقامي، وهو ما يتناقض مع تعهدات الشرع السابقة في لقاءاته الإعلامية بأنه سيمنع مثل هذه الممارسات، ويضمن أن يكون حساب المجرمين عبر القضاء وحده.

الحكومة أمام اختبار السيطرة

على ضوء هذه الأحداث، باتت الحكومة السورية ملزمة باتخاذ إجراءات حازمة للسيطرة على الوضع ومنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً، للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.

لجوء إلى الحماية الروسية

في ظل التصعيد، لجأ بعض المدنيين من الطائفة العلوية إلى قاعدة حميميم الروسية طلبًا للحماية. وعلى الفور، تحركت روسيا دبلوماسيًا بالتنسيق مع الولايات المتحدة لبحث سبل وقف أعمال العنف في سوريا، وضمان حق الشعب السوري في الاستقرار. كما أعلنت موسكو استعدادها لتعزيز جهودها مع تركيا لتعزيز الاستقرار، ما يظهر دورها البارز في حماية المدنيين ضمن الأطر القانونية.

ضرورة التنسيق مع الحلفاء

يجد الرئيس أحمد الشرع نفسه أمام ضرورة التنسيق مع روسيا لمعالجة هذه المسألة المعقدة. وفي إطار التعاون العسكري بين موسكو ودمشق، يمكن للقوات الروسية أن تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على النظام في المناطق غير المستقرة، خاصة مع تصاعد خطر النزاعات العرقية الذي بات في أعلى مستوياته، وفقًا لما كشفت عنه الأحداث الأخيرة.

 

تعددية عسكرية وانقسامات متزايدة

بالنظر إلى الوضع الحالي في سوريا وتأثير عدم سيطرة وزارة الدفاع السورية على المجموعات والفصائل العسكرية، يرى المحلل السياسي والصحفي الكردي سير الدين يوسف أن المشهد على الأرض يعكس حالة من التعددية العسكرية والانقسام بين القوى المسلحة.

ويشير  يوسف إلى أن القوات التابعة لوزارة الدفاع السورية الجديدة، التي شكلها أحمد الشرع رئيس السلطة الانتقالية المؤقتة، لم تنجح بعد في توحيد صفوفها، حيث لا تزال هذه الفصائل منقسمة ومتناحرة فيما بينها. إضافة إلى ذلك، هناك قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد، التي تخضع لسيطرة الأكراد السوريين وتحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

تصاعد الانتهاكات وتأثيرها على الاستقرار

كما يلفت يوسف الانتباه إلى وجود فصائل ومجالس عسكرية أخرى في مناطق مثل السويداء ودرعا، إلى جانب القوات المتمركزة في منطقة التنف الحدودية مع العراق والأردن، التي تخضع بدورها لقوات التحالف الدولي.

ويرى يوسف أن هذا الانقسام العسكري بات يلقي بظلاله الخطيرة على الاستقرار في سوريا، خاصة بعد ظهور ملامح واضحة لتفاقم العنف الطائفي، من خلال ارتكاب هذه الفصائل لانتهاكات وصفها حقوقيون بالمنهجية ضد أبناء الطائفة العلوية.

وعن سبل منع تجاوزات عناصر وزارة الدفاع السورية الجديدة بحق المدنيين، يؤكد يوسف أن الحل ممكن إذا ما توفرت إرادة وطنية حقيقية لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

ويقترح التعامل مع هذه القضية من خلال مستويين، الأول هو فتح باب الانتساب والتطويع أمام جميع شرائح المجتمع السوري الدينية والعرقية والطائفية، لضمان أن يكون الجيش ممثلًا لكافة أطياف المجتمع، وليس حكرًا على طائفة معينة، أما المستوى الثاني، فيتمثل في إنشاء محكمة عسكرية خاصة لمحاسبة كل من يرتكب تجاوزات وانتهاكات بحق المدنيين، مع ضمان خضوعهم لمحاكمات عادلة.

التعاون مع روسي .. تحديات وفرص

أما فيما يتعلق بالدور الروسي، يشير يوسف إلى أن روسيا تعد دولة محورية في الملف السوري، بحكم امتلاكها قواعد عسكرية في الساحل وبعض مناطق الشمال السوري.

ومع ذلك، فإن الدعم الروسي للنظام السابق والتعقيدات السياسية الإقليمية والدولية تجعل من التنسيق بين الإدارة السورية الجديدة وموسكو أمرًا صعبًا، إذ يتطلب بناء أجواء جديدة من الثقة. لكنه يرى أن الاستفادة من جهود كافة الدول المنخرطة في الشأن السوري ضرورية لدعم الأمن والاستقرار في البلاد.

مؤتمر وطني لتوحيد الصفوف

وحول الخطوات المطلوبة لمنع تكرار الأحداث المؤسفة في الساحل السوري، والتي أودت بحياة المئات من أبناء الطائفة العلوية، يشدد يوسف على ضرورة إحالة مرتكبي هذه الجرائم إلى المحكمة العسكرية الخاصة، لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وأسرهم.

كما دعى المحلل السياسي الكوردي ، أحمد الشرع إلى عقد مؤتمر وطني حقيقي، يمثل كافة القوميات والطوائف السورية، بهدف تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع أطياف المجتمع السوري دون تمييز. ويرى أن مثل هذه الخطوة ستكون حجر الأساس في بناء مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا في سوريا.

 

شاهد أيضاً

بين تجاهل السيادة وتغذية الصراع.. كيف تحاول دول الغرب إعادة تشكيل المشهد السوداني؟

في خطوة أثارت استياء السلطات السودانية، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى “G7” خلال مؤتمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *