شهدت سوريا في الأيام الأخيرة أسوء اندلاع للعنف منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في أواخر العام الماضي، حيث نفذت قوات الأمن العام وإدارة الجيش السوري عمليات أمنية موسعة لملاحقة فلول النظام، وذلك بعد استهدافهم لمواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة الحالية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، العقيد حسن عبد الغني، انتهاء العملية العسكرية في الساحل، وأكد أنه تم “احتواء هجمات فلول النظام السابق وضباطه، وإبعادهم عن المراكز الحيوية، وتأمين معظم الطرقات العامة”. وذلك وفق لم أفادت به وكالة الأنباء الرسمية “سانا”.
إلا أن استعادة السيطرة قد رافقتها انتهاكات جسيمة من قبل مسلحين موالين للحكومة السورية، حيث تم تنفيذ عمليات تصفية بحق مدنيين، بما في ذلك نساء وأطفال، ولا سيما من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد. ومنذ بدء التصعيد، نشر مقاتلون وناشطون مقاطع فيديو تُظهر عمليات إطلاق نار مباشر على أشخاص عُزل يرتدون ملابس مدنية، بالإضافة إلى مقاطع تُظهر العشرات من الجثث بملابس مدنية مكدسة بالقرب من بعضها البعض على الأرض.
مما دفع مجموعات من الأقليات العلوية إلى المطالبة بتوفير الحماية الدولية لمدن الساحل السوري، وسط أنباء عن تبني روسيا لهذا الطلب الذي قدمته لمجلس الأمن الدولي خلال الجلسة المغلقة بطلب أمريكا وروسيا.

وفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، دفعت الاشتباكات الدامية آلافًا من أبناء الطائفة العلوية إلى اللجوء إلى قاعدة حميميم الروسية، هربًا من التصفية. وقد أكد المرصد أن حصيلة القتلى الناتجة عن أعمال العنف في منطقة الساحل السوري منذ السادس من مارس قد بلغت 1225 شخصًا.
وصرّح يونس العيسى، كاتب واعلامي سوري مختص بالشؤون العربية ، في حوار خاص لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، انه بعد سقوط نظام الأسد، بدأت العلاقات بين الحكومة الجديدة وروسيا تتنامى، بغض النظر عن الدور العسكري الروسي الذي كان داعما لنظام الأسد وشارك بقوة في حربه ضد الشعب السوري.
في ظل الواقع الجديد بسوريا، جاءت زيارة نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف بالإضافة إلى الاتصال الهاتفي بين الرئيس الشرع والرئيس بوتين ، وذلك لبحث مستقبل العلاقات الروسية في سوريا ومراجعة الاتفاقيات المتعلقة بالوجود العسكري الروسي من ناحية أخرى.
وأضاف العيسى، تسعى روسيا في سوريا بالتعاون مع حكومة الشرع على معالجة التحديات التي ورثتها سوريا وتركة ثقيلة وتحديات خلفها نظام الأسد، بما في ذلك إعادة تقييم العقود العسكرية والاقتصادية ، والعمل على تأسيس علاقة جديدة تحقق مصالح روسيا في المستقبل.
واشار بونس العيسى، تجلى شكل الدور الذي تريد روسيا رسمه في سوريا من خلال أحداث الساحل الأخيرة
حيث شهد توترا نتيجة قيام فلول من جيش نظام الأسد والموالين له بالهجوم على دوريات الأمن العام وقتل وخطف العشرات من تلك القوات، وقامت الحكومة السورية على إثرها
بالهجوم على تلك الفلول التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية
هذه الفلول كانت تعول على مساندة روسيا مباشرة في حربهم ضد قوات الحكومة الجديدة
ولكن روسيا لم تبادر سوى بهامش من المناورة
وتصريحات خجولة وعدم علمها بالتفاصيل
حسب المتحدث باسم الكرملين، فيما طالب لافروف يضمان مشاركة كل مكونات المجتمع السوري بالعملية السياسية.
ويبدو أن المناورة الروسية كانت للحفاظ على هامش سياسي، إذ لا تريد روسيا أن تظهر وكأنها تتخلى عن حلفائها السابقين في سوريا، لكنها في الوقت نفسه تتجنب دعمهم بشكل مباشر واستضافتهم بقاعدة حميميم لحين انتهاء الأحداث المراوغة الروسية والتصريحات الباردة
يمنحها القدرة على تغيير موقفها من الحكومة السورية وفقا لمجريات الأحداث وتحقيق مصالح الطرفين
التحولات بسوريا ورسائل الحكومة الجديدة تريد من خلالها بناء علاقات جيدة مع الروس الذين على مايبدو مستمرين بتواجدهم بسوريا عسكريا
وكذلك اقتصاديا وسياسيا والمشاركة في إعادة الإعمار وتطور العلاقات إيجابيا بين الطرفين
يعد مكسبا لكل منهم إذا كانت تحصل سوريا على دعم اقتصادي وهي بحاجته، وتضمن روسيا موطئ قدم راسخ لها بسوريا يمكنها من التحكم بمعادلة التوازن الإقليمي.
وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأحداث الأمنية الذي شهدتها منطقة الساحل السوري بأنها “غير مقبولة”، مطالبا السلطات السورية بضمان مشاركة جميع مكونات المجتمع في العملية السياسية. من ناحية الأخرى، صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا تأمل في رؤية سوريا دولة موحدة ومزدهرة ومتطورة وصديقة. كما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا عن أملها في أن تسهم جميع الدول الفاعلة في تسوية الوضع في سوريا، وأبدت موسكو استعدادها للتنسيق الوثيق مع الشركاء الدوليين من أجل خفض التصعيد.
في إطار سعيها لاحتواء الوضع الراهن، أعلنت الحكومة السورية، برئاسة أحمد الشرع، عن تأسيس لجنة تحقيق تهدف إلى “الكشف عن الأسباب والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها”.
في الوقت نفسه، عادت “قوات سوريا الديمقراطية” لتتصدر المشهد في سوريا، وذلك بعد الاتفاق التاريخي الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي. وينص هذا الاتفاق على دمج المؤسسات في شمال شرق سوريا تحت إدارة الدولة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. مع التزام الأكراد بدعم الدولة السورية في مكافحة “فلول نظام الأسد” وكل التهديدات التي تواجه أمنها ووحدتها.