جنوب إفريقيا في مواجهة سياسات ترامب العنجهية

نشرت صحيفة ديلي مافريك جنوب الأفريقية المعنية بالقضايا المحلية والعالمية مقالاً مطولاً بعنوان: إجراءات ترامب ضد جنوب أفريقيا جزء من أجندة سياسية مُبطّنة ذات نوايا خبيثة.

وهو مقال بقلم فيكيلي أبريل مبالولا، وهو سياسي سياسي جنوب أفريقي والأمين العام الحالي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي منذ ديسمبر 2022، كما كان وزيراً للدولة في الحكومة في جمهورية جنوب أفريقيا بين عامي 2010 و2023، وكان وزيرًا للنقل بين عامي 2019 و2023.

استهلّ الكاتب المقال بالسخرية من ازدواجية المعايير في خطاب ترامب وتناسيه للحقائق والواقائع التاريخية المتعلقة بسياسة الغرب والولايات المتحدة في أفريقيا. وجاء في المقال:

“إن استخدام عبارة انتهاكات حقوق الإنسان في الأمر التنفيذي الذي أصدره دونالد ترامب يشكل تحولاً مثيراً السخرية، خاصة وأن ترامب انسحب بعد ثلاثة أيام من ذلك من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وأنهى تمويل هذه الهيئة المهمة. وبينما نحتفل بشهر حقوق الإنسان، من المناسب التأمل في قضية الأراضي التي استُخدمت كسلاح للتنمر علينا وإجبارنا على التخلي عن حقنا في رد الظلم التاريخي المتمثل في سلب الأراضي منا”.

وهذه إشارة الى السياسة الاستعمارية التي كانت أفريقيا ضحية لها لعقود من الزمن.

“ففي نهاية المطاف، تحقق كل غزو استعماري بسلب الشعوب الأصلية أراضيها وسلب كرامتها. وقد شهدنا نفس الشيء يُمارس على شعب فلسطين منذ عام 1947 من خلال الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي. في الأسابيع الأخيرة، ساد ضجةٌ كبيرة حول جدوى قانون نزع الملكية لعام 2024، مع إنهاء الولايات المتحدة للمساعدات، ومقاطعتها المشاركة في مجموعة العشرين، ووضع جنوب أفريقيا على قائمة المراقبة. من الواضح أن هذا كبش فداء لأجندة سياسية مُبطّنة ذات نوايا خبيثة، لكن لا شك لدينا في أن هذه الأجندة محكوم عليها بالفشل لأنها مبنية على كذبة لا يمكن تصديقها”.

ويشير الكاتب الى دور المنظمات الأميركية والغربية وتلك المدعوة منها، وتاريخ السياسات العنصرية المرتبطة بها:

“في حين أُشيد من قبل إدارة ترامب بدور منظمتي أفري فوروم وسوليدارتي اليمينيتين المدافعتين عن نظام الفصل العنصري، لا ينبغي التقليل من شأن دور ما يُسمى بمافيا باي بال في الولايات المتحدة، وهي مجموعة من المليارديرات البيض ذوي الجذور العميقة في جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري. ولربما تكون نقطة البداية هي دراسة كيفية تعامل دولة كالولايات المتحدة الأمريكية مع مسألة مصادرة الأراضي. ففي الولايات المتحدة، تتم عملية المصادرة من خلال نظام يُعرف باسم الاستملاك العام، وهو يُشبه إلى حد كبير ما هو منصوص عليه في المادة 25 من دستور جنوب أفريقيا، التي تنص على أن يكون المقابل عادلاً ومنصفاً”.

ويُقارن الكاتب القوانين المتعلقة بمصادرة الاراضي بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، ن اجل ابراز النفاق الاميركي عندما يتم توجيه ملاحظات من قبل إدارة ترامب بهذا الصدد:

“في النظام الأمريكي، يشير مصطلح الاستملاك العام إلى صلاحية ممنوحة للحكومة في الاستيلاء على الممتلكات الخاصة وتحويلها إلى منفعة عامة، وهو ما يُشار إليه صراحةً باسم الاستيلاء. قد يكون الاستيلاء استيلاءً فعليًا على الممتلكات من قِبل حكومة الولايات المتحدة، أو قد يكون في شكل استيلاء تنظيمي، والذي يحدث عندما تُقيّد حكومة الولايات المتحدة استخدام شخص ما لممتلكاته إلى درجة تُشكّل استيلاءً. وهنا يكمن نفاق من يزعمون أن جنوب أفريقيا، بإصدارها قانونًا برلمانيًا خضع للإجراءات القانونية الواجبة، ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وتُعامل فئات معينة من مواطنيها معاملةً سيئة للغاية”.

فقد قامت الولايات المتحدة وتحديداً إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب بتوجيه ملاحظات قاسية والغاء المساعدات بذريعة واهية من وجهة نظر الكاتب، وان السبب الحقيقي وراء هذه السياسة الاميركية هو استقلال قرار جنوب أفريقيا السياسي واتباعها لسياسات خارجة تصب في مصحلتها، ويبرز الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كمثال:

“إن صياغة الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بإلغاء جميع المساعدات لجنوب أفريقيا ذات دلالة، إذ جاء فيه بالنصّ: اتخذت جنوب أفريقيا مواقف عدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك اتهام إسرائيل، وليس حماس، بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، وإعادة تنشيط علاقاتها مع إيران لتطوير ترتيبات تجارية وعسكرية ونووية.

هذا هو السبب الحقيقي وراء اتخاذ الولايات المتحدة هذه الإجراءات الفظيعة ضد جنوب أفريقيا، الدولة ذات السيادة. دولة أفريقية تجرأت على مواجهة دولة الفصل العنصري الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية لمحاسبتها على أفعالها في غزة وفلسطين عمومًا. ولن ينسى العالم ولا التاريخ أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي 48 مرة على مر العقود لعرقلة أي محاولة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها غير القانونية وانتهاكاتها للقانون الدولي”.

وينتقل الكاتب لتفنيد الذريعة الأميركية المتمثلة بقانون الاستملاك في جنوب أفريقيا:

“يُلبي قانون نزع الملكية في جنوب إفريقيا لعام 2024 التزامًا دستوريًا بتنظيم نزع الملكية بموجب قانون عام. كما يسعى القانون إلى تصحيح خلل تاريخي أدى إلى حرمان الغالبية العظمى من الناس من ملكية الأرض. من المهم إدراك أن هذا القانون يلغي قانون نزع الملكية لعام 1975 الذي يعود إلى حقبة الفصل العنصري، والذي استُخدم لترسيخ عدم المساواة العرقية ونزع ملكية الأراضي من خلال عمليات التهجير القسري للسود من أراضيهم. كان هذا القانون هو الذي منح دولة الفصل العنصري تفويضًا مطلقًا لارتكاب أفعال وحشية للغاية وإجبار الناس على ترك أراضيهم تعسفيًا. يسعى قانون عام 2024 إلى تصحيح مظالم الماضي المتمثلة في التمييز العنصري وسلب ممتلكات السود. وهذا يُنهي كذبة أخرى مفادها أن جنوب إفريقيا الديمقراطية لديها سلسلة من القوانين القائمة على العرق تهدف إلى التمييز ضد البيض”.

ثم يعبر الكاتب عن موقفه بصفته الأمين العام الحالي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي:

“لا يغفل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أهمية الأرض كعامل محفز لنمو الاقتصاد، واستعادة كرامة ملايين الجنوب أفريقيين، وضمان الأمن الغذائي. يرى الحزب أن إعادة توزيع الأراضي لا تقتصر على الأراضي الزراعية، بل تمتد أيضًا إلى المناطق الحضرية لتشمل الأراضي المخصصة للاستيطان البشري والصناعات التجارية. لكن في المقابل أي تلميح إلى أن موقف الحزب السياسي فيما يتعلق بالأرض هو سعي إلى عزل أي فئة عرقية هو أمر مرفوض رفضًا قاطعًا. هدفنا كحزب هو السعي إلى نتيجة تقدمية تضع اقتصاد البلاد على مسار نمو أعلى. ولطالما استرشد برنامجنا لإصلاح الأراضي وإعادة توزيعها بالإجراءات القانونية الواجبة، واتسم بالإنصاف في نهجه. في نهاية المطاف، جنوب أفريقيا ديمقراطية دستورية قائمة على أسس راسخة من حقوق الإنسان وسيادة القانون والمساواة. هذه قيمٌ مقدسة تُعرّف أمتنا”.

ويسلط الكاتب الضوء على الأهمية العميقة للقانون من ناحية وجدان الأمة في جنوب أفريقيا نظراً للتاريخ الاستعماري في البلاد

“قضية الأرض قضيةٌ عاطفية تحمل في طياتها ندوبًا تاريخيةً لا يمكن أن تنتظر الشفاءَ النهائي. يُحدد القانون المعايير التي بموجبها يجوز للدولة مصادرة الأراضي دون تعويض. وتُوضّح القراءة الرصينة للقانون أن هذا لن يُقوّض حقوق الملكية، ولن يُسفر عن تعويضاتٍ غير عادلة. في الحقيقة، لا شك أن قانون نزع الملكية يضمن تعزيز حقوق جميع مواطني جنوب أفريقيا في الأرض. يجب أن ندرك أن التزامنا بضمان ازدهار الأعمال الزراعية التي تعود بالنفع على جميع المواطنين وتمكين المزارعين السود هو محور برنامج إعادة توزيع الأراضي في البلاد”.

ويختم الكاتب كلامه بالإشارة الى أن جنوب أفريقيا ليست لوحدها في مواجهة الغطرسة الاميركية:

“تقف دول عديدة حول العالم إلى جانبنا، وأعربت عن دعمها غير المشروط لتوجهات سياستنا. الشعب الذي لا يملك أرضًا هو أمة ضائعة لا أمل لها في انتشال نفسها من مستنقع الفقر. لا يجوز لنا أن ننخدع بنوايا أولئك الذين يسعون إلى إخضاعنا بالتهديد بإطلاق العنان لفوضى اقتصادية علينا، فهم صانعو الاستعمار الجديد والإمبريالية الحديثة الغارقة في ترسيخ التفاوت العرقي وازدراء التضامن والمساواة والاستدامة، بينما نحن وبكل جرأة نمضي قدماً في إجراءات تهدف إلى تفكيك إرث الاستعمار والفصل العنصري لاستعادة كرامة شعبنا”.

 

المصدر:

https://www.dailymaverick.co.za/opinionista/2025-03-19-trumps-actions-against-sa-part-of-a-deeply-veiled-political-agenda-with-nefarious-intent/

 

 

شاهد أيضاً

بين تجاهل السيادة وتغذية الصراع.. كيف تحاول دول الغرب إعادة تشكيل المشهد السوداني؟

في خطوة أثارت استياء السلطات السودانية، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى “G7” خلال مؤتمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *