نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً بعنوان: فضيحة سيجنال تُخفي سؤالاً جوهرياً: لماذا نقصف اليمن؟
وهي للكاتب محمد بزي والذي هو مدير مركز هاغوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، وأستاذ صحافة في جامعة نيويورك، وهو كذلك الرئيس السابق لمكتب الشرق الأوسط في صحيفة نيوزداي.
ويستهل الكاتب مقاله بالحديث عن فضيحة مسنجر سيجنال حيث شارك عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في إدارة دونالد ترامب في محادثة جماعية يتداولون فيها خطط واشنطن للقيام بضربات عسكرية ضد تنظيم الحوثيين في اليمن والمعروف باسم أنصال الله. وليس فقط التسريب بحد ذاته، انما مجرد قيام المسؤولين بنقاش هكذا أمور حساسة وخطط عالية الدقة في غرفة محادثة في مسنجر سيجنال، هو أمر أثار السخرية في الشارع الأمريكي وفي الأوساط الصحفية، لكن بنفس الوقت شكّل الحدث أزمة سياسية وغضب كبير حتى بين صفوف مؤيدي ترامب من السياسيين وأعضاء الحزب الجمهوري الاميركي.
“يطالب الديمقراطيون بإجراء تحقيقٍ في الكونغرس واستقالة بعض المسؤولين المتورطين في الأمر، بمن فيهم وزير الدفاع، بيت هيجسيث، ومستشار الأمن القومي، مايك والتز. وفي مقالٍ نُشر سابقاً، أوضح رئيس تحرير مجلة ذا أتلانتيك، جيفري غولدبرغ، كيف تمكّن من متابعة المحادثة بين أعضاء حكومة ترامب على مدار يومين قبل سلسلةٍ من الغارات الجوية الأمريكية في 15 آذار مارس على مواقع الحوثيين”.
لكن كاتب المقال يسلط الضوء على مسألة أخرى هامة وهي لما تريد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصف الحوثيين أساساً، والى أي حد يصب هذا بمصلحة الولايات المتحدة:
“ولكن في خضم الغضب الواسع النطاق إزاء مشاركة المعلومات العسكرية عبر محادثة جماعية عبر تطبيق سيجنال، يغيب سؤال جوهري واحد: لماذا يقصف ترامب اليمن أساساً؟ فلقد أمر خمسة رؤساء وإدارات أمريكية متعاقبة وهي جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، وإدارة ترامب الأولى، وجو بايدن، وإدارة ترامب الثانية بشن هجمات عسكرية على اليمن، أفقر دولة في الشرق الأوسط”.
ويشير الكاتب الى حالة استمرارية بالسياسة الاميركية تجاه اليمن رغم تغير الإدارات الاميركية وتناقضاتها، ورغم أن ترامب كثيراً ما يخرج ويتفاخر بأنه يقوم بمنع الحروب وإيقافها ويتهم الإدارات السابقة بأنها تقوم بإشعال التوترات والصراعات في العالم، وها هو على رأس إدارة يناقش أعضاؤها البارزون القيام بشن ضربات على اليمن وبهذه الطريقة المثيرة للسخرية، وبالتالي يبدو أن الإستراتيجية الاميركية لم تتغير كثيراُ فيما يخص الوضع في اليمن، أو أن الإدارة الاميركية الجديدة، على خلاف تصريحاتها، تريد أن تسجل لنفسها إنتصارات عسكرية ما، رغم أن الجميع يكاد يجمع على أن شن ضربات من الجو لوحده لن ينهي المسألة ولن يتم تدمير الحوثيين، وما حصل في غزة وفي جنوب لبنان هو خير مثال على ذلك.
“واصل هؤلاء القادة مجتمعين، لأكثر من عقدين، انتهاج سياسات أمريكية فاشلة تجاه اليمن، تمحورت حول القصف المتكرر وعمليات مكافحة الإرهاب ودعم ديكتاتور حكم البلاد لعقود. يبدو ترامب، الذي صوّر نفسه طوال حملته الرئاسية الأخيرة على أنه مرشح السلام، متلهفًا لتكرار أخطاء الولايات المتحدة السابقة في اليمن. خلال الحرب الأهلية اليمنية الطويلة، فشلت سنوات من القصف المكثف في إزاحة الحوثيين من السلطة. وبحلول نهاية عام 2021، قدرت الأمم المتحدة أن الصراع في اليمن قد أودى بحياة 377 ألف شخص، وأكثر من نصف هؤلاء الضحايا منهم ماتوا ليس بسبب العمليات العسكرية ولكن لأسباب غير مباشرة، بما في ذلك المجاعة وتفشي الكوليرا وتدمير النظام الصحي. وبينما عانى المدنيون اليمنيون، خرج الحوثيون أقوى بعد كل مواجهة عسكرية”.
ويدعو الكاتب معارضي ترامب وخصوصاً من الديمثراطيين الى توجيه السؤال الجوهري لترامب حول المغزى من هكذا ضربات جوية أساساً وحول استراتيجية الولايات المتحدة في اليمن، وذلك بدلاً من الإلتهاء بقضايا تفصيلية مثل سبب هكذا تسريبات ولماذا تتم مناقشة هكذا أمور في محادثة جماعية في مسنجر:
“لماذا لا يطرح الديمقراطيون وغيرهم من منتقدي إدارة ترامب هذا السؤال الأساسي: ما الذي حققته الهجمات الأمريكية المنتظمة على اليمن على مدى عقدين من الزمن، سوى المزيد من الموت والبؤس في بلد ساهمت فيه واشنطن بالفعل في التحريض على واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم؟ يجب على أي شخص مهتم بالمساءلة الحقيقية لصانعي السياسات الأمريكية أن يرى هذا على أنه فضيحة أكبر بكثير من تلك التي تتكشف حاليًا في واشنطن بشأن محادثة سيجنال المسربة”.
وتقول إدارة ترامب إن الضربات الأمريكية الأخيرة على اليمن تهدف إلى الضغط على ميليشيا الحوثي لوقف الهجمات على ممرات الشحن الدولية في البحر الأحمر. بعد هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023، وغزو إسرائيل اللاحق لغزة، بدأ الحوثيون في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على السفن التجارية التي تبحر حول وعبر مضيق باب المندب، حيث أن البحر الأحمر أقرب إلى الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. قال الحوثيون إنهم يتصرفون هكذا دعماً للفلسطينيين المحاصرين وتعهدوا بالتوقف عن استهداف ممرات الشحن بمجرد أن تنهي إسرائيل حربها على غزة.
“وبالفعل أدت الهجمات إلى تعطيل حركة الشحن العالمية، حيث أعادت الشركات توجيه مئات السفن حول جنوب إفريقيا، مما قد يضيف آلاف الأميال إلى رحلة سفينة الشحن بين آسيا وأوروبا. في يناير 2024، شنت إدارة بايدن، إلى جانب بريطانيا، ضربات صاروخية ضد عشرات الأهداف في اليمن. لكن قادة الحوثيين لم يتراجعوا، وصعّدوا هجماتهم على سفن الشحن، واستمروا في إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل، والتي أُسقط معظمها قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية. ابتداءً من يوليو 2024، نفذت إسرائيل أربع جولات من الغارات الجوية على اليمن، بما في ذلك هجمات على المطار الدولي في صنعاء، ومحطات توليد الطاقة، وعدة موانئ”.
ويوضح الكاتب أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن اتبعت نفس سياسة الضغط والحصار على الحوثيين، وتأييد اسرائيل في قصفها لمواقع الحوثيين، لكن الامر لم يأت بنتجية، وفي المقابل فشلت إدارة بايدن في اتباع الطريق الأسلم لإنهاء هجمات الحوثيين وهو الضغط على حليفته اسرائيل لكي تكفّ عن هجماتها في غزة، ويبدو أن إدارة الرئيس الجديد ترامب تتابع في نفس مسار الإدارة السابقة، أقله فيما يتعلق بغزة والحوثيين.
“لأكثر من عام، تجنب بايدن المسار الأكثر وضوحًا لوقف هجمات البحر الأحمر والتصعيد الأمريكي ضد الحوثيين: فشلت إدارته في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإنهاء هجوم إسرائيل على غزة وقبول وقف إطلاق النار مع حماس. رفض بايدن حجب مليارات الدولارات من الأسلحة الأمريكية أو التوقف عن توفير الغطاء السياسي لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى. بدلاً من ذلك، واصلت إدارة بايدن إصرارها على قدرتها على إخضاع الحوثيين بالقوة”.
ويسلّط الكاتب الضوء على فشل هذه السياسة الاميركية:
“فشلت استراتيجية بايدن في تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وحوّل الحوثيون، الذين كانوا يفقدون الدعم داخل اليمن قبل حرب غزة، الهجمات الأمريكية إلى فرصة للحصول على تعاطف الرأي العام سواء في الداخل اليمني أو الخارج، ولقد صوّر قادة الحوثيين أنفسهم كواحدة من الحركات القليلة في العالم العربي المستعدة للدفاع عن القضية الفلسطينية ومحاربة إسرائيل وحلفائها الغربيين – على عكس الحكومات العربية التي التزمت الصمت وأقصى ما فعلته هو إصدار بيانات تنديد خجولة. كما استخدم الحوثيون صراع غزة لتعزيز مكانتهم داخل ما يسمى بمحور المقاومة، وهو شبكة من الميليشيات الإقليمية المدعومة من إيران. وقد قُضي على اثنين من الفصائل الرئيسية في هذا التحالف، حماس وحزب الله اللبناني، على يد الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، مما أتاح فرصة جديدة لقادة الحوثيين لتعزيز شعبيتهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وبحسب الكاتب، فانه جدير بالذكر أن الحوثيين التزموا لحد كبير بموقفهم المعلن وهو انهم سيتوقفون عن القيام بهجماتهم في البحر الأحمر اذا توقفت اسرائيل عن قصفها لقطاع غزة والجنوب اللبناني، وهو ما حصل عندما استطاعت إدارة بايدن، عبر مبعوثها إلى الشرق الأوسط، إقناع نتنياهو بالموافقة على وقف إطلاق النار مع حماس، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير، أي قبل يوم من تنصيب ترامب رئيساً للوايات المتحدة، فبعد هذه الهدنة في غزة، أوقف الحوثيون هجماتهم على الشحن التجاري في البحر الأحمر، كما وعدوا لأكثر من عام. وبالتالي ما كانت الإدارة الاميركية تريد تحقيقه عبر الضغط والقصف والإخضاع، دون فائدة، تحقق ببساطة بالطرق الدبلوماسية وبإلزام اسرائيل بالهدنة في غزة.
ولكن الكاتب يوضح أن إتفاق الهدنة فشل في مرحلته الثانية، وعلى أساس ذلك وبالإستناد على التسريبات الاخيرة، والضربات الجديدة على الحوثيين، يتنبأ الكاتب بأن الإدارة الاميركية ستستمر بسياسات سابقاتها وسيجلب هذا الأمر المزيد من المآسي للشعب اليمني وللمدنيين، ولكنه لن يوقف الحوثيين، وبالتالي سيكون من الحكمة العمل على إجبار اسرائيل على الانصياع والاتزام بالهدنة ومحادثات السلام التي يمكن أن تتبعها، بدلاً من التعنّت والرفض:
“مع انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في 2 مارس، رفض نتنياهو بدء المرحلة الثانية من المفاوضات، والتي تطلبت انسحابًا كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة ومحادثات بشأن هدنة دائمة. بدلاً من ذلك، وبدعم من إدارة ترامب، فرضت الحكومة الإسرائيلية حصارًا جديدًا على غزة، وحظرت جميع عمليات تسليم المواد الغذائية وغيرها من المساعدات. تراجع نتنياهو عن الاتفاق الذي وافق عليه في البداية، وحاول الضغط على حماس لقبول تمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع”.
وبحلول 18 مارس، استأنفت إسرائيل حربها على غزة بغارات جوية أسفرت عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني في يوم واحد. في الأيام التي سبقت انهيار وقف إطلاق النار، حذّر قادة الحوثيين من أنهم سيستأنفون هجماتهم على سفن الشحن إذا استأنفت إسرائيل حربها. وعندها بدأت إدارة ترامب بالتهديد بشن ضربات عسكرية أمريكية جديدة على اليمن.
ويختم الكاتب بالقول:
“يكرر ترامب الآن نفس النهج الفاشل تجاه اليمن الذي اتبعه بايدن والرؤساء الأمريكيون السابقون. في رسائل المحادثة الجماعية على تطبيق سيجنال التي كشف عنها محرر مجلة أتلانتيك هذا الأسبوع، أعرب أعضاء إدارة ترامب، بمن فيهم نائب الرئيس، جيه دي فانس، ووزير الخارجية، ماركو روبيو، ومدير وكالة المخابرات المركزية، جون راتكليف، أعربوا عن ازدرائهم للحلفاء الأوروبيين، وناقشوا توقيت الهجمات الأمريكية على الحوثيين. لكن لم يشر أي من هؤلاء المسؤولين الكبار إلى احتمال أن يؤدي هذا الامر الى إعطاء الحوثيين المزيد من المبررات لمواصلة هجماتهم بالإضافة الى حصولهم على المزيد من تأييد الرأي العام والتعاطف داخل اليمن وخارجه”.
ويرى الكاتب أنه على ما يبدو أن كبار مسؤولي فريق الأمن القومي التابع لترامب لم يُفكّروا حتى في تصديق كلام قادة الحوثيين حول أنهم سيتوقفون عن تعطيل التجارة العالمية بمجرد توقف إسرائيل عن قصف غزة، رغم انهم قد التزموا بتعهداتهم في شهر يناير. بل إن المؤسسة الأمنية الأمريكية تُواصل قصف اليمن كما فعلت لعقدين من الزمن، وتأمل بطريقة ما في نتيجة مختلفة هذه المرة، وهذا يعني تكرار أخطاء الماضي وعدم التعلّم من التاريخ.
المصدر:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/mar/28/trump-cabinet-military-signal-chat-yemen