أثار تقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” بشأن إمكانية إنشاء تركيا لقاعدة جوية في الأراضي السورية قلقًا كبيرًا في الأوساط الإسرائيلية، التي اعتبرت هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
وفي وقت تتصاعد فيه التوترات بين القوى الإقليمية في المنطقة، ويبدو أن الحكومة السورية تواجه تحديات معقدة في مساعيها للحفاظ على استقرار الأراضي السورية ومنع تحولها إلى ساحة صراع مفتوحة بين القوى الإقليمية.
إنشاء قاعدة جوية تركية في سوريا
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصدر أمني قوله إنه إذا تم إنشاء قاعدة جوية تركية في سوريا فسيؤدي ذلك إلى تقويض حرية العمليات الإسرائيلية، معتبرا ذلك تهديدا محتملا تعارضه إسرائيل.
وأضاف المصدر أن قلق إسرائيل من أن تسمح الحكومة السورية لتركيا بإقامة قواعد عسكرية يأتي في ظل التعاون المتزايد بين دمشق وأنقرة، مشيرا إلى أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ناقشت هذا الأمر خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وتابع أن إسرائيل استهدفت أواخر مارس/آذار الماضي القاعدة العسكرية “تي فور” في ريف حمص (وسط سوريا) لإيصال رسالة مفادها أنها لن تسمح بالمساس بحريتها في العمليات الجوية.
واللافت أن عضو لجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الصهيونية الدينية “أوهاد طال”، قال إن على إسرائيل أن تمنع تركيا من التمركز في سوريا، وتعزز تحالفها مع اليونان وقبرص، وتحصل على دعم أميركي ضد أنقرة.
وفي منشور عبر منصة إكس، وصف “طال” تركيا بأنها دولة عدو، ودعا إلى إغلاق السفارة التركية في إسرائيل فورا.
بين المصالح والتهديدات
ونوّه مراقبون إلى أن سوريا أمام مشهد يتطلب قراءة دقيقة، ليس فقط للموقف التركي، بل أيضاً لطريقة تعامل إسرائيل معه، والتقاطعات المحتملة بين المصالح والتهديدات التي قد تشكل أرضية لمواجهة غير مباشرة في الساحة السورية التي في كل حال من شأنها أن تنعكس سلبًا على الشعب السوري.
واعتبر المراقبون أن التعويل على الدعم التركي والسماح له بالتأثير في سوريا ليس من أولويات السلطات السورية الجديدة، فهي منفتحة للتعاون مع العديد من الدول الفاعلة، وعلى رأسها روسيا، التي تستطيع ضمان عدم انزلاق البلاد نحو مستنقع مظلم.
وفي ظل هذه التوترات المتصاعدة بين تركيا وإسرائيل داخل الساحة السورية تتزايد احتمالات حدوث صدامات غير مباشرة بين الطرفين وإسرائيل وكردة فعل قد تلجأ إلى عدة مسارات للتعامل مع النفوذ التركي المتنامي اخطرها تلك المتعلقة بزيادة النشاط العسكري في الجنوب السوري لإبراز الخطوط الحمراء.
فلطالما اعتبرت إسرائيل الجنوب السوري منطقة حساسة لأمنها القومي، ومع تزايد النفوذ التركي، قد ترى إسرائيل ضرورة لتكثيف عملياتها العسكرية في تلك المنطقة، سواء عبر ضربات جوية تستهدف مواقع محددة أو من خلال دعم مجموعات محلية موالية لها، بهدف إرسال رسائل واضحة بأن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق بأمنها، الأمر الذي بنهاية المطاف يمس سوريا والسوريين مباشرة.
وبالمجمل، تعكس هذه السيناريوهات تعقيد المشهد السوري وتداخل المصالح الإقليمية والدولية فيه. وفي ظل غياب تفاهمات واضحة بين تركيا وإسرائيل، تبقى احتمالات التصعيد قائمة، مما يبرز الحاجة الملحة لسوريا إلى تعزيز تعاونها الخارجي وتحديدًا مع روسيا، الشريك الاستراتيجي بوصف الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يستطيع دعم دمشق لتقوية موقفها اقليميًا.
احتفاظ روسيا بوجود عسكري
تعتبر روسيا التي تحتفظ بوجود عسكري قوي في سوريا، لاعبًا أساسيًا في تحديد موازين القوى، وأي تعاون ثنائي مستقبلي بين موسكو ودمشق لن يقتصر على مسألة تواجد القوات الروسية في قواعدها وتوفير مهام محددة، بل قد يمتد أيضًا إلى تطوير وتعزيز قدرات الجيش السوري مما قد يجعله يعتمد على ذاته بدلًا من الانجرار وراء المغامرات التركية، الداعم الرئيسي حاليًا لسلطات دمشق.
تثير التقارير المتداولة عن نية أنقرة إنشاء قاعدة جوية داخل الأراضي السورية موجة من القلق المتصاعد في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وسط تحذيرات من أن الخطوة – إن تحققت – قد تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإسرائيلي، وتعيد تشكيل معادلات النفوذ في واحدة من أكثر الساحات الإقليمية تعقيدًا.
كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في تقرير حديث نقلاً عن مصدر أمني، أن تل أبيب تنظر بجدية إلى ما وصفته بـ”الخطر المحتمل” الذي يمثله التمركز العسكري التركي داخل العمق السوري، معتبرةً أن من شأن هذه القاعدة أن تقيّد حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي وتحد من عملياته، خصوصًا تلك التي تستهدف مناطق في وسط وجنوب سوريا.
تصاعد حدة التوتر
المصدر ذاته أشار إلى أن هذا التوجه التركي يتزامن مع تنامي مؤشرات التقارب السياسي بين دمشق وأنقرة، الأمر الذي تنظر إليه إسرائيل بعين الريبة، خاصة مع غياب تفاهمات واضحة أو خطوط تنسيق مشتركة تضمن عدم تعارض المصالح الأمنية بين الأطراف المنخرطة.
وفي مؤشر على تصاعد حدة التوتر، كشف التقرير أن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القاعدة الجوية “تي فور” في ريف حمص أواخر مارس/آذار الماضي لم يكن مجرد عملية عسكرية اعتيادية، بل رسالة سياسية واضحة فحواها: لن يُسمح لأي طرف بتهديد حرية إسرائيل في التحرك داخل الأجواء السورية.
من جانبه، دعا “أوهاد طال”، عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عن حزب “الصهيونية الدينية”، إلى تبنّي نهج أكثر تشددًا تجاه أنقرة، مطالبًا بإغلاق السفارة التركية في تل أبيب، وتفعيل التحالف الثلاثي مع اليونان وقبرص لمواجهة النفوذ التركي في شرق المتوسط.
تقاطع مصالح ومخاوف من مواجهة بالوكالة
يقرأ مراقبون هذا التوتر المتصاعد بين تركيا وإسرائيل على الأراضي السورية كمؤشر خطير على إمكانية تحول سوريا إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات الجيوسياسية. فبينما تسعى دمشق للخروج من دوامة الفوضى وتثبيت سيادتها، تواجه في الوقت ذاته استحقاقات معقدة تتعلق بتحالفاتها الإقليمية وموازنة النفوذ الخارجي على أراضيها.
ويحذر هؤلاء من أن تمكين أنقرة من التمركز عسكريًا داخل سوريا قد يدفع تل أبيب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، أبرزها زيادة وتيرة العمليات العسكرية في الجنوب السوري، وهي المنطقة التي لطالما اعتبرتها إسرائيل “خاصرة أمنية رخوة” يجب تأمينها.
وقد تشمل هذه الخطوات تنفيذ غارات جوية مركزة، أو دعم مجموعات مسلحة محلية موالية لتل أبيب، في إطار استراتيجية “الردع النشط”، بهدف كبح أي نفوذ قد يمس أمن الحدود الشمالية لإسرائيل.
الرهان على موسكو… وكبح الانجراف نحو المغامرة
في ظل هذا المشهد المعقد، يرى بعض المحللين أن دمشق – رغم انفتاحها النسبي على تركيا – لا تضع التعاون العسكري معها ضمن أولويات المرحلة. بل إن الرهان الحقيقي، بحسب توصيفهم، يتمثل في تعزيز الشراكة مع روسيا، الحليف الأكثر تأثيرًا والأقدر على فرض توازن قوى على الأرض.
فموسكو التي تحتفظ بوجود عسكري فاعل داخل سوريا، لا تقتصر مهمتها على حفظ الاستقرار العسكري، بل يمكنها لعب دور حاسم في إعادة بناء الجيش السوري وتطوير قدراته، بما يخفف من اعتماد دمشق على الحلفاء الإقليميين ذوي الأجندات الخاصة.
وجود عسكري تركي دائم
وفي هذا السياق صرح أكد المحلل السياسي السوري زكي الدروبي لـ”مركز المستقبل” أن المساعي التركية

لإنشاء قاعدة جوية في شمال سوريا تمثل تطورًا استراتيجيًا ذا أبعاد متعددة منها عسكرية، سياسية وأمنية، إذ تسعى أنقرة من خلالها إلى ترسيخ وجودها في مناطق نفوذها مثل عفرين، تل أبيض، ورأس العين، بما يتيح لها ق
درة مضاعفة على تنفيذ عمليات جوية سريعة، وتوفير دعم لوجستي مباشر لقواتها البرية، إلى جانب تعزيز عمليات المراقبة الجوية.
ورغم هذه المؤشرات، شدد الدروبي على أن “من غير المرجح أن تسمح دمشق فعليًا بوجود عسكري تركي دائم، بما في ذلك إقامة قاعدة جوية”، موضحًا أن الخطاب الرسمي السوري كان دائمًا حازمًا في رفض أي وجود عسكري أجنبي غير شرعي على أراضيه، سواء كان أميركيًا أو تركيًا أو غيره، ما لم يكن هذا الوجود بالتنسيق الكامل مع الحكومة المركزية في دمشق.
وأشار إلى أن التقارب الأخير بين سوريا وتركيا لا يزال “تقاربًا حذرًا وتكتيكيًا أكثر منه استراتيجيًا”، فالدوافع التركية ترتكز على هواجس أمنية تتعلق بمنع تشكّل كيان كردي شبه مستقل قرب الحدود الجنوبية، فيما تنظر دمشق لهذا التقارب كفرصة لتحقيق مكاسب سيادية وتكتيكية، أبرزها تقليص نفوذ “قسد” واحتواء الوجود الأميركي، لكن دون أن يكون هناك اتفاق واضح بشأن انسحاب تركيا من الأراضي السورية، في ظل إصرار أنقرة على ضمانات أمنية حقيقية قبل التخلي عن مناطق نفوذها.
الموقف الإسرائيلي
وفي ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، اعتبر الدروبي أن “القلق الإسرائيلي لا يرتبط مباشرة بتركيا كتهديد عسكري، وإنما ينبع من تخوفات تل أبيب من حدوث اختلال في التوازنات الحالية داخل سوريا”، خاصة في ظل احتمال نشوء تفاهمات تركية، إيرانية، روسية، قد تحدّ من حرية التحرك الجوي الإسرائيلي أو تعيد رسم خريطة النفوذ في شمال وشرق سوريا.
تحركات عسكرية إسرائيلية
ورجّح الدروبي أن “لا تكون هناك علاقة مباشرة بين التوسع التركي في الشمال وتصعيد إسرائيلي في الجنوب”، لكنه لم يستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى تحركات عسكرية متزامنة ضمن إطار أوسع لإعادة ضبط التوازنات الاستراتيجية في سوريا إذا ما رأت في التحركات التركية تهديدًا لترتيباتها غير المعلنة في الساحة السورية.
وختم الدروبي بالإشارة إلى أن “سوريا تواجه معادلة شديدة التعقيد”، حيث تسعى لاستعادة سيادتها الكاملة، ولكنها تجد نفسها محاصرة بتقاطعات نفوذ لقوى إقليمية ودولية متنافسة على أرض واحدة، في وقت يجعل من توازن علاقاتها مع تركيا وروسيا مهمة أكثر حساسية في ظل استمرار التوتر مع إسرائيل.