أيام قليلة مرت على الذكرى السنوية الـ14 للاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد في سوريا، في حين لا تزال أصداء الأمل والتحدي التي أشعلت شرارة “الثورة” في عام 2011 تتردد في ربوع سوريا. حيث تعد هذه الذكرى بمثابة تذكير بالتضحيات التي قدمها عدد لا يحصى من السوريين الذين تجرأوا على تحدي عقود من الحكم الاستبدادي والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.
ومع التحول الكبير المتمثل بإسقاط النظام البائد ووصول قيادة جديدة الى دمشق برئاسة أحمد الشرع، لا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة في بناء سوريا الجديدة الموحدة، في ظل وجود أجندات أجنبية على أرضها تؤثر بشكل كبير على مجريات الأحداث وعلى مستقبل البلاد وأهلها. فهذه الأجندات تحرك قوى على الأرض بشكل قد يعارض الوحدة الوطنية في حين تعد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أكبرها.
فرغم الإتفاق الذي تم توقيعه بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، القاضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، وما تبعه من إتفاق في حلب أمس على تسليم حيين تابعين لقسد في حلب للإدارة الجديدة، لا يزال هناك غموض حول مستقبل العلاقة وجدية قسد في العودة الى كنف الدولة، بنظر المراقبين.
فمن جهة، تسيطر قسد على ثلث الأراضي السورية، بما في ذلك مناطق النفط والغاز، وبغطاء ودعم أمريكي مباشر في إطار التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية ضد إرهابيي داعش. كما تشكل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لقسد، وهي التي تعتبرها تركيا ــ الداعم العضوي للإدارة الجديدة في دمشق ــ امتداداً لحزب العمال الكردستاني وخطراً على أمنها القومي.
وليست هناك حتى الآن أرقام رسمية ودقيقة حول تعداد قسد، إلا أن المصادر أشارت إلى أن هؤلاء المقاتلين تلقوا تدريبات عسكرية تحت إشراف ضباط أمريكيين، وأن هناك درجة هامة من التعاون بين قسد والقوات الأمريكية في المنطقة. كما أنه، ورغم الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2019، لا تزال قسد وبتوجيه أمريكي تروج لنفسها على الساحة الدولية بوصفها قوة تحارب الإرهاب.
ومن جهة أخرى، تستمر التوترات الأمنية حتى الآن بين قسد وفصائل مسلحة منضوية تحت غطاء الإدارة الجديدة، ولاتزال المواجهات العنيفة تحصل بين الحين والأخر، بين قوات “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا وقسد في عدة محاور شرقي حلب. في حين انتشرت في الآونة الأخيرة تقارير ومعلومات تشير إلى الدعم البريطاني لقسد الى جانب الدعم الأمريكي المتواصل لها.

وفي تصريحات خاصة للطبيب والناشط السياسي المختص بالشأن العربي، الدكتور محمد السعدون، يقول لـ “مركز المستقبل” رغم الإطاحة بالنظام وتولي أحمد الشرع قيادة دمشق، تواجه سوريا تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار بسبب الأجندات الخارجية، وأبرزها دور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على ثلث الأراضي، بما فيها مناطق النفط والغاز.
اما عن الدور الدولي وبالأخص الأمريكي والبريطاني والتركي : فالولايات المتحدة تدعم قسد ضمن التحالف الذي أنشأ للمحاربة ضد تنظيم داعش، بينما تقدم بريطانيا دعمًا استخباراتيًا وتدريبيًا. لوحدات حماية الشعب الكردية ، والتي تمثل العمود الفقري لقسد،
بينما تُعتبر تركيا هذه القوات امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) وتهديدًا لأمنها القومي.
ويضيف الدكتور محمد السعدون، التوترات مع تركيا: يثير هذا الدعم غضب أنقرة، التي تواجه قسد عبر فصائل مدعومة منها في شمال سوريا. رغم اتفاق بين الشرع ومظلوم عبدي لاندماج قسد في الدولة، يبقى التزام قسد غامضًا. يُنظر للدعم الغربي كورقة ضغط ضد تركيا، مما يعقد العلاقات التركية-البريطانية، التي تشهد خلافات أخرى .
تحتاج تركيا إلى تعزيز دبلوماسيتها لتقليص الدعم الغربي وتحقيق الاستقرار في سوريا وسط التحديات الجيوسياسية المستمرة بعيدا عن كل هذه الصراعات الإقليمية والانقسامات الدولية ، يبقى الحل الوحيد بيد ابناء سوريا فقط
فإذا كان هناك قرار صادق لتجنب هذه الخلافات وبناء دولة مؤسسات قوية تحمي جميع أبناء الوطن وتحقق العدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية فعليهم توحيد المؤسسات السيادية ومنح الثقة لحكومة تكنوقراط تنهض بسوريا إلى مكانتها الأساسية ويعيدوا لنا قلب العروبة النابض كما عهدناه
وبحسب مصادر عسكرية ميدانية كردية، فإن مقاتلي قسد يتلقون دعم استخباراتي بريطاني كبير ساعدهم على الصمود بوجه “داعش” سابقاً وبوجه الفصائل المدعومة من تركيا حالياً. وسبق وأن قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): “بريطانيا وحلفاؤها يقدمون دعماً حاسماً لقسد في سوريا، وهذا يشمل التدريب والمساعدات الاستخباراتية” بحسب وكالة رويترز.
كما عارضت بريطانيا العملية العسكرية التركية ضد قسد في العام 2019 وقال وزير خارجيتها جيريمي هنت: “نحن قلقون للغاية من الهجوم التركي في شمال سوريا. ندعو إلى وقف الأعمال العدائية، لأنها تهدد الاستقرار” بحسب وكالة فرانس برس. فيما انتقدت تركيا الدعم البريطاني للكرد، على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال: “بعض الحلفاء في الناتو يدعمون الإرهاب في سوريا تحت غطاء محاربة داعش” بحسب صحيفة حرييت التركية.
وبنظر الخبراء في الشأن التركي، فإن الدعم البريطاني لقسد يشكل تحدياً مباشراً للمصالح التركية في سوريا. فبريطانيا كجزء أساسي من التحالف الدولي ضد داعش، تمنح قسد شرعية دولية وتدعمها عسكرياً واستخباراتياً، مما يعزز وجودها في شمال سوريا. هذا الدعم يتوافق مع الموقف الأمريكي الرامي إلى الحد من التمدد التركي في المنطقة، بل ويُستخدم كورقة ضغط ضد أنقرة في المفاوضات الإقليمية.
وفي السياق، غرد السياسي البريطاني وعضو البرلمان السابق بيتر هين عبر منصة “اكس” قائلاً: “الأكراد في سوريا يتعرضون للهجوم من الجهاديين داخل سوريا، ومن تركيا أيضاً وعلى المملكة المتحدة ضمان حمايتهم وحماية حقوقهم”. كما أفاد السياسي البريطاني عن وجود لقاء مرتقب بين قياديين من قسد ومستشارين بريطانيين في العاصمة الأردنية عمان، تشمل قائد قسد، مظلوم عبدي، ووزير الدولة البريطانية لشوؤن الشرق الأوسط، هيمش فولكر، لدعم فصل كردستان سوريا عن دمشق.
يُشار الى أنه ورغم أن تركيا وبريطانيا تربطهما مصالح اقتصادية وعسكرية مشتركة، إلا أن الخلافات الجيوسياسية، خاصة حول قبرص وشرق المتوسط وسوريا، تظل مصادر رئيسية للتوتر. فالعلاقات التركية البريطانية شهدت تقلبات كبيرة عبر التاريخ، حيث مرت بفترات من التحالف والتعاون، وأخرى من التوتر والخلافات.
وقضية قبرص تعد أحد أبرز نقاط الخلاف بين تركيا وبريطانيا، حيث تدعم تركيا الجمهورية التركية لشمال قبرص (غير المعترف بها دولياً إلا من قبل أنقرة)، بينما تعترف بريطانيا بجمهورية قبرص (اليونانية). كما أن بريطانيا لديها قواعد عسكرية في قبرص (أكروتيري وديكيليا) بموجب معاهدة 1960، مما يجعلها طرفاً مباشراً في النزاع.
وبريطانيا كانت ضمن الدول الأوروبية التي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كما اختلفت تركيا وبريطانيا حول التعامل مع الأزمة السورية، خاصة فيما يتعلق بدعم المجموعات المسلحة. فيما اختلف البلدان حول دعم تركيا لبعض الفصائل في ليبيا، والتي تعارضها بريطانيا ودول أوروبية أخرى.