تركيا واسرائيل: تنافس سقفه الحرب بالوكالة

نشر موقع (Turkish Minute) مقالاً بعنوان: تركيا وإسرائيل لا تسعيان إلى الحرب، لكن خطر الصراع في سوريا حقيقي.

وهو مقال بقلم بنيامين تكين يتحدث فيه عن المحاذير والمخاطر المرتبطة بالتماس التركي الاسرائيلي على الأراضي السورية، وهو الأمر الذي يشكل الى هذه اللحظة موضوعاً للجدل والتكهنات، فخطوط التماس لم تُرسم بعد، ولا توجد معلومات أو حتى مؤشرات كافية يمكن على أساسها أن يتنبأ المراقب بدقة بما ستؤول اليه الأمور على الساحة السورية بما في ذلك مستقبل العلاقة التركية الاسرائيلية التي تتأثر لحد كبير بالأحداث الجارية في كل الشرق الأوسط.

هذا ويُحذّر بعض المحللين من أن تركيا وإسرائيل تسيران في مسارٍ خطير في سوريا، حيث أدّت رؤاهما الاستراتيجية المتضاربة وتوسّع نفوذهما العسكري إلى تصعيد حاد للتوترات منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وبعد انحسار الدورين الايراني والروسي، تشهد تركيا وإسرائيل، وهما من أقوى القوى العسكرية في المنطقة، انخراطًا متزايدًا في مواجهةٍ متقلبة في سوريا. وبينما تُصر الدولتان، على الأقل بحسب التصريحات الواردة من البلدين، على عدم سعيهما إلى حربٍ مباشرة، فإنّ أدوارهما المتوسّعة في سوريا بعد الأسد وضعتهما على ما يُطلق عليه العديد من المحللين مسارًا تصادميًا.

وبحسب تكين، فقد سارعت تركيا، التي لطالما دعمت المعارضة السورية، إلى احتضان الحكومة الجديدة الناتجة عن وصول هيئة تحرير الشام الى دمشق، وأشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بما حصل ووصفه بأنه “لحظة مفصلية”، تفتح الطريق أمام عودة اللاجئين والاستقرار الإقليمي، رغم أنه ليس هناك أي مؤشرات على قرب بدء اللاجئين السوريين التدفق عائدين الى بلادهم، وما شهدته المعابر الحدودية من عودة يكاد لا يتعدى الحالات الفردية.

لكن ولأسباب دبلوماسية ولربما جيواستراتيجية نفت أنقرة منذ اليوم الأول تورطها المباشر في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولربما يكون السبب أن القوى التي استلمت دمشق تعد من تلك المصنفة على قوائم الارهاب العالمية، بما فيه في تركيا نفسها.

أما فيما يتعلق باسرائيل فقد كان رد فعل إسرائيل مشوبًا بالارتياح والقلق. وبينما رحّب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسقوط الأسد باعتباره ضربةً للنفوذ الإيراني، توغلت القوات الإسرائيلية على الفور في المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة ووسّعت وجودها في الأراضي السورية الجنوبية. ولقد نشر جيش الدفاع الإسرائيلي وحدات مدرعة خارج خطوط اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، منتهكًا بنود وقف إطلاق النار الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة والذي أُبرم بعد حرب أكتوبر. كما وتوغلت الدوريات الإسرائيلية في محافظتي القنيطرة ودرعا، مما أثار إدانةً حادة من قبل السلطة الجددية في دمشق وكذلك إدانة من قبل أنقرة والأمم المتحدة.

وبحسب تكين فأنه من غير المستغرب أن المسؤولون الإسرائيليون قد برروا التوغل بأنه إجراء أمني مؤقت، لكن المحللين والخبراء القانونيين اعتبروا هذه الخطوة على نطاق واسع استيلاءً غير قانوني على الأراضي بذريعة الدفاع عن النفس. بينما مع بداية عام 2025، ركزت تركيا على ترسيخ نفوذها في شمال سوريا. وأعادت فتح المعابر الحدودية، وبدأت إعادة بناء المشاريع، وعقدت اتفاقيات أمنية مع الحكومة المؤقتة في دمشق. أُرسل مستشارون عسكريون أتراك لإعادة تدريب الوحدات السورية، وبدأت أنقرة التفاوض على الوصول إلى منشآت استراتيجية مثل قاعدة التيفور الجوية في حمص.

في غضون ذلك، شنت إسرائيل حملة غارات جوية واسعة النطاق لشل البنية التحتية العسكرية المتبقية في سوريا ومنع ظهور ما تسميه “جبهة جهادية” على حدودها الشمالية. دُمرت العشرات من مواقع الأسلحة والمطارات التي تعود إلى عهد الأسد. وأعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين صراحةً تفضيلهم لدولة سورية مقسمة وضعيفة، خوفًا من أن تُشكل حكومة قوية يهيمن عليها مقاتلو هيئة تحرير الشام، وتوافق معظم المحللين الاستراتيجيين في اسرائيل أنه من الخطر السماح للحكومة في دمشق ببسط سلطتها بشكل كامل وخصوصاً ان الامر قد يتم بمساندة ودعم تركي.

صرح الدبلوماسي التركي السابق مصطفى أنيس إيسن لصحيفة “تركيش مينيت” أن تركيا لا تسعى لتحويل سوريا إلى دولة تابعة لها، لكنها تعتقد أن بقاء سوريا في ظل حكومة صديقة لتركيا هو أمر ضروري جداً ولا غنى عنه. وأضاف: “إن عدم الاستقرار في سوريا سينعكس حتمًا على السياسة الداخلية التركية”، مشيرًا إلى خطر تجدد تدفقات اللاجئين وتنامي ردود الفعل المعادية للهجرة في تركيا. ولكن مع ذلك، أقر إيسن بأن تورط هيئة تحرير الشام بعدد من الانتهاكات وتاريخها وتصنيفها على قوائم الارهاب يُعقّد الأمور بشكل كبير جداً.

كما ان الدبلوماسي مصطفى أنيس إيسن يعبر عن شكوكه فيما يخص التغيير بعقلية وايديولوجية أحمد الشرع، واعتبر أنه وعلى الرغم من أن الشرع يدّعي أنه انفصل عن ماضيه، الا انه لا يمكن لأحد أن يضمن أنه لن يسعى إلى اتباع أجندة طائفية أو انه سوف يسعى لاستفزاز اسرائيل مستقبلاً لو تسنى له الاستحكام بالسلطة في سوريا، وهذا ما تدركه اسرائيل جيداً وهي حتما لا تثق بالشرع ولا بوعوده، ولذلك وسّعت إسرائيل دعمها للدروز السوريين وميليشيات الأقليات، مما يُشير إلى تشجيعها المقاومة ضد الحكومة الجديدة التي يقودها الإسلاميون.

في شهر مارس آذار، رحّبت تركيا بالاتفاق التاريخي الذي تم التوصل اليه بين حكومة دمشق الحالية يقيادة أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة مظلم عبدي، وهذا الاتفاق يقضي بدمج المقاتلين الأكراد في الجيش الوطني لسوريا واستعادة السلطة السورية على شمال شرق سوريا. ويرى تكين انه في حين أشاد المسؤولون الأتراك بهذه الخطوة باعتبارها خطوة نحو الوحدة، إسرائيل من جهتها رأت فيه خسارة كبيرة، فقد كانت قوات سوريا الديمقراطية واحدة من الشركاء الإسرائيليين المحتملين القلائل في المشهد ما بعد الأسد.

من جهته حذّر الدبلوماسي التركي السابق هاشم تكينيش من أنه برحيل الأسد، “اختفى العدو المشترك”، وأصبحت تركيا وإسرائيل الآن جارتين في سوريا بأهداف متضاربة. ووصف رؤية تركيا لما بعد الحرب بأنها رؤية تقوم على التوسع الاقتصادي، وتعزيز الأمن، وتأمين نفوذ طويل الأمد يمتد إلى لبنان والأردن والبحر الأحمر. وأضاف أن إسرائيل ترى في ذلك محاولةً لتطويقها.

وبحسب رأي الكاتب بنيامين تكين زاد العنف الطائفي في المنطقة الساحلية السورية من تعميق الانقسام، فقد ردّ مقاتلون إسلاميون سنة – بعضهم مدعومون من تركيا بحسب التقارير – على ميليشيات علوية مرتبطة بالنظام السابق، مما أسفر عن مقتل المئات، ولقد استغلت إسرائيل سفك الدماء لتشويه سمعة النظام الجديد في دمشق بحسب وجهة نظر الكاتب.

ويتفق المحللون الأتراك على أن التصريحات الإسرائيلية لا تترك مجالاً للشك بموقف اسرائيل الحقيقي من السلطة في دمشق فمثلاً وصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شارين هاسكل، القيادة السورية المؤقتة علنًا بأنها “نظام جهادي” واتهمتها بتنفيذ “تطهير عرقي” خلال أعمال العنف الطائفي الأخيرة في المناطق الساحلية.

واعتبرت هاسكل أن السلطات الجديدة في دمشق تقودها “جماعة إرهابية إسلامية جهادية استولت على دمشق بالقوة، وتدعمها تركيا” بحسب تعبيرها، وقالت أن إسرائيل تعمل على منع هذا التهديد الناشئ عن طريق ترسيخ تواجدها العسكري والأمني على طول حدودها الشمالية.

وبحسب المحللين الأتراك فانه في ظل هذه الأحداث فقد تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة. وقد فُسِّرت صلاة عيد الفطر التي أداها الرئيس أردوغان، والتي دعا فيها الله ل “تدمير إسرائيل الصهيونية”، على نطاق واسع على أنها دعوة علنية للقضاء على إسرائيل.

في حين ندد المسؤولون الإسرائيليون بتصريحات أردوغان ووصفوها بالتحريض، إلا أنها جاءت في وقت تواجه فيه إسرائيل إدانة عالمية شديدة. وتخضع البلاد حاليًا للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، في أعقاب قضية رفعتها جنوب أفريقيا. وقد خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية.

علاوة على ذلك، في نوفمبر تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. وبالتالي ونظرًا للسياق الدولي، لم تكن إدانة تركيا لإسرائيل أمراً خاصاً بها فقط، فقد أدانت دولٌ في جميع أنحاء الجنوب العالمي، وحتى بعضها في أوروبا، الإجراءات الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان والضفة الغربية، معتبرةً إياها انتهاكاتٍ للقانون الدولي.

في ظل هذه الظروف، شهد مطلع أبريل 2025 أشد تصعيد حتى الآن. ففي الثاني من أبريل، شنت طائرات حربية إسرائيلية غارات جوية متعددة على سوريا، أصابت قاعدة التيفور، ومطار حماة العسكري، ومركز أبحاث قرب دمشق. وأفادت وسائل إعلام سورية بسقوط عشرات الضحايا. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن الغارات كانت “رسالة واضحة” إلى سوريا وتركيا على حد سواء، مفادها أن إسرائيل لن تسمح لسوريا بأن تصبح قاعدة أمامية للقوات المعادية. وخص وزير الخارجية جدعون ساعر أنقرة باللوم، متهمًا إياها بمحاولة “تحويل سوريا إلى محمية تركية”.

وبالمقابل ردت تركيا باعتراضات شديدة عقب الغارات الإسرائيلية. وأدانت وزارة الخارجية التركية الهجمات ووصفتها بأنها “تصعيد غير مبرر”، بينما حذر وزير الخارجية هاكان فيدان من أن عمليات إسرائيل قد تزعزع استقرار سوريا في هذا الوقت الحرج، وأكد أن الإجراءات الإسرائيلية تقوض قدرة الحكومة الجديدة في دمشق على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها من التنظيمات الارهابية، وتحد من قدرة الحكومة على استعادة الأمن في المنطقة.

ومع ذلك، وفي إشارة إلى خفض التصعيد، صرّح فيدان أيضًا بأن تركيا لا تسعى إلى مواجهة مع إسرائيل في سوريا، مضيفًا: “يجب أن يحدد السوريون أمن سوريا. إذا أرادوا التوصل إلى تفاهمات معينة مع الإسرائيليين، فهذا شأنهم”.

وبالتوازي مع التصريحات المعلنة والاتهامات المتبادلة، يرى تكين وغيره من المحللين الاتراك وغيرهم، انه وراء الكواليس، بدأ البلدان محادثات هادئة لإنشاء خط فض اشتباك في سوريا، وهو الامر الذي تؤكده أيضاً مصادر دبلوماسية غربية. وجاءت هذه المحادثات في أعقاب الضربات الإسرائيلية على قاعدة التيفور الجوية.

وأفادت التقارير بأن نتنياهو أبلغ نظراءه بأن إسرائيل لديها فرصة محدودة فقط لضرب الموقع قبل وصول القوات التركية، وبعد ذلك سيصبح الأمر محظورًا على العمليات الإسرائيلية. ورغم استمرار التوترات، يبدو أن الحكومتين حريصتان على تجنب الاشتباكات المباشرة. وفي اليوم نفسه، أصدر المسؤولون الأتراك والإسرائيليون بيانات عامة متطابقة تقريبًا تؤكد عدم سعيهم إلى الصراع.

ومع ذلك، يقول المحللون إن الوضع لا يزال غير مستقر بشكل خطير، وأن أي تفاهمات قد تكون قد حصلت خلف الكواليس وتحت الطاولة تبقى معرضة للخطر وتتأثر بالأحداث على الأراضي السورية، وحتى الحرب بالوكالة يمكن نظرياً أن تدفع البلدين الى صراع حقيقي مستقبلاً، فلا توجد ضمانات كاملة ونهائية بأنه لن تكون هناك مواجهة من أي نوع بين تركيا واسرائيل، على الأقل على الأراضي السورية ولو بشكل محدود، ولا يمكن في الوقت نفسه التعويل على انسحاب أي منهما من سوريا والتخلي عن بسط نفوذها، وبالتالي فتركيا واسرائيل اليوم أمام امتحان صعب للغاية، وحتى ان كان هناك توافق تام واتفاق على تقاسم النفوذ، فالقوى السورية المدعومة من قبل الطرفين تبقى تكنّ العداء لبعضها البعض، وصراع الأدوات دائما قد يؤدي الى نشوب صراع بين مشغلي هذه الأدوات.

وبالحديث عن الأدوات فانه جدير بالذكر ان الولايات المتحدة وتحديدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الذي يلعب الآن دور الوسيط بين تركيا واسرائيل ويحاول منع حدوث اي نزاع بين البلدين، ولقد أشاد ترامب، خلال حديثه إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في البيت الأبيض مؤخراً بعلاقته “الجيدة جدًا” مع الرئيس التركي أردوغان، مدعيًا قدرته على حل أي خلاف بينه وبين نتنياهو. ورغم أن ترامب دائماً ينظر الى العلاقات بين الدول على انها علاقات بين القادة، ولا يفهم سورى لغة الصفقات، الا انه يبقى زعيم لأكبر دولة في العالم، وبالتالي لا يمكن لكل من تركيا واسرائيل العمل بما يخالف رغبات العم سام، وان قال العم سام بوجوب حل النزاع بين الطرفين، فمن غير المحتمل أن تقدم اسرائي أو تركيا على العمل يما يخالف الإدارة الاميركية، فيبقى فقط الجلوس على طاولة المحادثات ومحاولة حلً أي خلافات عالقة.

ولكن تكين يرى انه حتى اليوم، لا يزال الوضع متقلبًا. وتقف تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الناتو، وإسرائيل، شريكتها الاستراتيجية السابقة، على طرفي نقيض في ساحة معركة هشة ومتصدعة. حتى الآن، لم تُطلق النيران مباشرة بين الدولتين، لكن هامش الخطأ يضيق بسرعة، كما أن ترامب لن يبقى للأبد، والولايات المتحدة لديها العديد من القضايا العالمية والمحلية للإهتمام بها، وليس فقط منع صراع تركي اسرائيلي على الأراضي السورية.

المصدر:
https://www.turkishminute.com/2025/04/08/turkey-israel-do-not-seek-war-but-the-risk-of-conflict-in-syria-is-real-analysts/

شاهد أيضاً

البرلماني الليبي الدكتور “علي التكبالي” في حوار خاص: وجوه ستختفي.. وحكومة جديدة تُصنع في كواليس أمريكا

التكبالي : مجلس النواب سيتلاشى.. وواشنطن تجهّز حكومة ليبية بديلة بدعم أمم مصر تتعامل كسبّاح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *