بين تجاهل السيادة وتغذية الصراع.. كيف تحاول دول الغرب إعادة تشكيل المشهد السوداني؟

في خطوة أثارت استياء السلطات السودانية، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى “G7” خلال مؤتمر عقدته في العاصمة البريطانية لندن، إلى “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار” في السودان.

ورغم حساسية الملف وتعقيده، تجاهلت المجموعة دعوة الحكومة السودانية الشرعية للمشاركة في المؤتمر، ما فُسّر في الخرطوم على أنه تجاهل متعمد للسيادة الوطنية ومحاولة لتجاوز المؤسسات الرسمية في التعاطي مع الأزمة السودانية.

الرد السوداني لم يتأخر، إذ وجّه وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، رسالة خطية إلى نظيره البريطاني ديفيد لامي، عبّر فيها عن “اعتراض السودان الشديد على استضافة بلاده مؤتمراً بشأن السودان دون التنسيق أو التشاور مع الحكومة السودانية”، مشيراً إلى أن “دعوة دول أخرى للمشاركة، بعضها يعد فعلياً طرفاً في الحرب ضد السودان وشعبه ومؤسساته، تمثل خرقاً واضحاً للأعراف الدبلوماسية وانحيازاً غير مبرر”.

دور غربي مثير للجدل ومحاولات لإعادة تشكيل المشهد السياسي

تشير التطورات إلى أن بعض القوى الغربية، وفي مقدمتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تحاول فرض مقاربة تعيد رسم خريطة السلطة في السودان، متجاوزةً الاعتبارات الوطنية وميزان الشرعية. فالغرب يتعامل مع طرفي النزاع – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – على أنهما قوتان متكافئتان، متجاهلاً أن أحدهما يمثل مؤسسات الدولة الرسمية، بينما الآخر متهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق.

وفي الوقت ذاته، تواصل هذه الدول استضافة شخصيات سياسية سابقة، لا تحمل أي صفة رسمية حالياً، للمشاركة في المؤتمرات الدولية التي تناقش مستقبل السودان. ويأتي في مقدمة هؤلاء رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، الذي أصبح – بنظر العديد من المراقبين – الشخصية المفضلة لدى الغرب لإعادة طرحه في المشهد السوداني، رغم فشل تجربته السابقة في الحكم وتراجع شعبيته داخلياً.

 

تحالفات بديلة ومحاولات لفرض أمر واقع سياسي

في إطار هذه الجهود، شكّل حمدوك ما عرف بتحالف “تقدّم” بدعم واضح من عواصم غربية، بهدف التمهيد لعودته إلى المشهد السياسي من بوابة توافق مدني مزعوم. غير أن التحالف سرعان ما تفكك بسبب انقسامات داخلية، ما دفع حمدوك إلى تشكيل تحالف جديد تحت اسم “صمود”، بالتوازي مع تحالف “تأسيس” الذي ينسق بشكل غير معلن مع قوات الدعم السريع بهدف تشكيل حكومة موازية.

وتزامناً مع انعقاد مؤتمر G7 في لندن، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، عن تشكيل ما أسماها “حكومة السلام والوحدة”، واصفاً إياها بأنها “الوجه الحقيقي للسودان”، في خطوة تصعيدية تؤشر إلى محاولة فرض أمر واقع سياسي على الأرض، وسط غياب أي توافق وطني حقيقي أو اعتراف دولي رسمي.

 

غياب مقصود لطرفي النزاع الرئيسيين

في هذا السياق أكد الباحث الاستراتيجي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، أمية يوسف حسن أبو فداية، أن المؤتمر الذي استضافته بريطانيا في 15 أبريل الجاري بشأن السودان عُقد في ظل غياب مقصود لطرفي النزاع الرئيسيين؛ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وهو ما اعتبره مؤشرًا على طبيعة التوجهات الدولية في التعاطي مع الأزمة السودانية.

وأوضح أبو فداية أن غياب القوات المسلحة عن المؤتمر لم يكن صدفة، بل نتيجة موقف واضح من قيادة الجيش التي ترفض المشاركة في أي محفل تفاوضي خارج مسار “جدة”، معتبرة أن أي منبر بديل يُعد تجاوزًا للاتفاق الإطاري الذي وُقّع في مايو 2023 بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب، ولم تلتزم قوات الدعم السريع بتنفيذه.

 

الجيش السوداني يتمسك بموقفه

وأضاف أن الجيش السوداني يتمسك بموقفه بعدم الانخراط في أي مبادرة دولية جديدة قبل تنفيذ بنود إعلان المبادئ الذي تم التوصل إليه سابقًا، على الرغم من الضغوط الخارجية، بما فيها محاولات سابقة من الولايات المتحدة لجرّه إلى طاولة محادثات في جنيف العام الماضي.

 

مطامع دولية

وأشار أبو فداية إلى أن المؤتمر الأخير في لندن شهد مشاركة دول إقليمية تُتهم من قبل الجيش السوداني بدعم الميليشيا المتمردة، وهو ما زاد من تعقيد المشهد وصعّب من إمكانية قبول الحكومة السودانية بحضوره أو التعامل مع مخرجاته.

وفي السياق ذاته، أكد أبو فداية أن بريطانيا لا تزال تُعتبر من قِبل الغرب والولايات المتحدة طرفًا محوريًا في الملف السوداني، استنادًا إلى تاريخها الاستعماري وموقعها في النظام الدولي كفاعل رئيسي في قضايا السودان ومصر وعدد من دول المنطقة، مشيرًا إلى أن تحرك لندن لعقد المؤتمر بدعم أمريكي وغربي – إلى جانب اهتمام واضح من دول عربية كالإمارات والسعودية – يأتي امتدادًا لدور ما يُعرف بـ”الترويكا” في دعم المسار السياسي المدني قبل اندلاع الحرب.

 

التوجه الغربي

كما لفت أبو فداية إلى أن اختيار شخصيات مثل عبد الله حمدوك ومبادرات مثل “صمود” و”تأسيس” ضمن الحضور المدني في المؤتمر يعكس استمرار التوجه الغربي في التعامل مع هذه القوى كالممثل الشرعي الوحيد للشارع السوداني، رغم الانقسامات العميقة في صفوفها منذ 2019، ورغم أن بعض تلك القوى باتت تفتقر إلى الحاضنة الشعبية الفعلية على الأرض.

 

وشدد أبو فداية على أن هذا النمط من المؤتمرات التي تُعقد بمعزل عن أطراف النزاع الفعلية على الأرض، دون التزام واضح بتنفيذ الاتفاقات السابقة، يُضعف فرص الوصول إلى تسوية سياسية حقيقية ويكرّس الاستقطاب الداخلي والإقليمي والدولي حول الأزمة السودانية.

 

 

شاهد أيضاً

روسيا صمام أمان لسوريا وإدارتها الجديدة

تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد سقوط النظام السابق، وإنعاش الاقتصاد، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *