أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قرارًا بتعيين كامل الطيب إدريس رئيسا للوزراء، ليكون أول من يتولى هذا المنصب بعد استقالة عبد الله حمدوك في يناير 2022 عقب تعثّر التوافق بين القوى السياسية.
كما شمل القرار تعيين امرأتين ضمن عضوية مجلس السيادة الانتقالي، لتمثيل كل من شرق ووسط السودان. وفي خطوة أخرى، ألغى البرهان إشراف أعضاء مجلس السيادة على الوزارات الاتحادية.
ترحيب إفريقي وانتقاد داخلي
في أول تعليق رسمي على القرار، رحّب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، بتعيين إدريس، معتبراً ذلك تطورًا مهمًا نحو تحقيق الحكم الشامل واستعادة النظام الدستوري في البلاد. ودعا يوسف كافة الأطراف السودانية إلى مضاعفة الجهود لإنجاح عملية الانتقال السياسي بقيادة مدنية.
في المقابل، أصدر التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” بقيادة عبد الله حمدوك بيانًا في 21 مايو 2025، أدان فيه تصريحات يوسف، معتبراً أن تأييده للقرار يتعارض مع قوانين الاتحاد الأفريقي. واعتبر البيان أن تصريحات يوسف تشكّل دعمًا غير مباشر لاستخدام القوة، رغم رفض الشارع السوداني لمثل هذه الأساليب.
أعلن حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، انتهاء المواجهات العسكرية مع الجيش السوداني، مؤكدًا أن البلاد تدخل مرحلة جديدة تهدف إلى تأسيس ما وصفه بـ”الدولة السودانية الجديدة”. وأوضح أن المرحلة المقبلة ستركز على تحقيق العدالة وتوزيع الثروة في إطار نظام فيدرالي شامل يُراعي التوزيع السكاني للولايات.
قراءات في المواقف الدولية والتحركات العسكرية
يرى مراقبون أن التطورات العسكرية الأخيرة التي أحرزها الجيش السوداني بقيادة البرهان، لا تتوافق مع الأجندات الغربية الداعمة للمكون السياسي المرتبط بقوات الدعم السريع.
ويشير الخبراء إلى أن أول جهة أبدت اعتراضها على تعيين رئيس وزراء جديد كانت المملكة المتحدة، تلتها مواقف معارضة من عبد الله حمدوك، الذي تربطه علاقات وثيقة بلندن. ووفقًا للتقارير، فإن المملكة المتحدة اشترطت حضور حمدوك لأي مؤتمر دولي بشأن الأزمة السودانية، وهو ما أثار احتجاجات شعبية سودانية في لندن رفضًا لمشاركته.
العقوبات الأمريكية تؤكد ضلوع واشنطن في مؤامرة تستهدف السودان

أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور ياسر بابكر دفع الله، في تصريح لـ “مركز المستقبل”،
أن قرار الحكومة الأمريكية الأخير بفرض عقوبات على السودان يأتي تأكيدا واضحا
لتورط واشنطن في التخطيط والدعم والإشراف على ما وصفه بـ”المؤامرة الكبرى” ضد بلاده.
وقال الدكتور بابكر إن الأيام أثبتت بوضوح تورط الإمارات في زعزعة استقرار السودان، مشيرًا إلى أن خسائرها في الميدان دفعتها إلى مواقف تشبه “الجنون”. وأضاف أن الولايات المتحدة لم تكتفِ بالتخطيط، بل وصلت إلى مرحلة النزول الميداني عبر العقوبات، بعد أن وثقت تقارير سابقة مشاركة مرتزقة من دول عدة بينها أمريكا.
المصالح الأمريكية فوق دماء السودانيين
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن السياسات الأمريكية تاريخيًا لم تكن يومًا لصالح الشعب السوداني، بل تخدم فقط مصالحها، حتى لو كان الثمن هو تشريد وإبادة السودانيين، على حد تعبيره. كما اتهم بابكر واشنطن باستخدام ما وصفهم بالخونة من أبناء السودان وعرب الجنجويد لتنفيذ مخططاتها، مضيفًا أن الإمارات تلعب دورًا تخريبيًا في هذه المعادلة.
وربط الدكتور بابكر العقوبات الأمريكية المباغتة بما وصفه بالانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوداني، وعلى رأسها إعلان العاصمة الخرطوم خالية من المرتزقة، حسب وصفه، كما اعتبر أن هذا التصعيد يعكس حالة من الذعر لدى الأطراف الداعمة لقوات الدعم السريع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
الميدان العسكري: الجيش يحرز تقدمًا على الأرض
تواصل القوات المسلحة السودانية تحقيق تقدم في معاركها مع قوات الدعم السريع، وتمكّنت من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية في العاصمة الخرطوم، وإقليم دارفور، وعدد من الولايات الأخرى. وتتصدر هذه التطورات العناوين الإخبارية، وتؤثر على مسارات الأحداث الداخلية والدولية المتصلة بالسودان.
ويرى محللون أن النجاحات الميدانية للجيش انعكست في شكل ردود أفعال سياسية من بعض الدول، تحمل في طياتها رسائل واضحة بشأن مستقبل الصراع.
واشنطن تفرض عقوبات على السودان بسبب “أسلحة كيماوية”
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 22 مايو الجاري، فرض عقوبات على السودان بعد التوصّل إلى “استخدامه أسلحة كيماوية عام 2024″، وفقًا لقانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991.
وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية، تامي بروس، أن العقوبات تشمل تقييد الصادرات الأمريكية إلى السودان وحرمانه من الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية. وأكدت أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ بعد نشر الإشعار الرسمي في السجل الفيدرالي، المتوقع في 6 يونيو المقبل.
ودعت الولايات المتحدة حكومة السودان إلى التوقف عن استخدام الأسلحة الكيميائية والامتثال لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. من جهتهم، اعتبر بعض المراقبين أن توقيت القرار الأمريكي يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الجانب القانوني، في ظل تعارض المسارات السودانية الحالية مع مصالح واشنطن في المنطقة.
الجيش السوداني: قوة لا يمكن كسرها
وفي السياق ذاته أكد بابكر أن ما وُجه ضد السودان من أسلحة متطورة وخطط حديثة لحرب المدن لم يكن له مثيل، إلا أن الجيش السوداني صمد وحقق انتصارات غير مسبوقة. ووجه رسالة للولايات المتحدة قائلًا: “لا أنتم ولا غيركم قادرون على مواجهة الجيش السوداني، لا الآن ولا في المستقبل”
اتهامات الأسلحة الكيميائية: زلة لسان سياسية
وصف الخبير الاستراتيجي اتهام أمريكا للجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية بأنه “زلة لسان” من الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، مؤكدًا أن لا أحد يملك دليلاً على ذلك، ولن يعود جندي واحد لميدان القتال في السودان بعد هذه المرحلة.
حكومة حمدوك: أداة خارجية فشلت في الداخل
اتهم د. بابكر حكومة عبد الله حمدوك بأنها كانت “أداة في يد أمريكا وبريطانيا”، مشيرًا إلى أن هذه الحكومة مهدت الطريق لقوات الدعم السريع، وأن جميع مؤتمرات واجتماعات الدعم التي نظمتها الدول الغربية فشلت في تحقيق أهدافها.
الفاشر: معركة كسر العظم وصمود القوات المشتركة
اعتبر بابكر الهجوم على مدينة الفاشر إحدى المحاولات الأخيرة من “الميليشيات والداعمين الخارجيين” لتحقيق اختراق ميداني، مؤكدًا أن القوات المسلحة والقوات المشتركة والمواطنين المستنفرين أفشلوا هذا المخطط.
انتقد بابكر مواقف الاتحاد الأفريقي، متهمًا إياه بالانحياز لقوات الدعم السريع ومجموعة حمدوك، لكنه أشار إلى أن هذا الموقف تغيّر مؤخرًا بعد اتضاح معالم الهزيمة في صفوف الدعم السريع، وهو ما دفع الاتحاد إلى “العودة إلى رشده”، بحسب تعبيره.
كامل إدريس: خيار دولي مقبول
رحب د. بابكر بطرح اسم كامل إدريس لما له من امتدادات دولية، معتبرًا أنه يجسد الشروط التي تطالب بها معظم الجهات الدولية والحقوقية، حتى تلك التي “لا تؤمن بالديمقراطية والمدنية”، على حد وصفه.
قال الدكتور بابكر إن القوى المدنية التي دعمت الدعم السريع قد “أفل نجمها وطمست هويتها”، مؤكدًا أن الشعب السوداني لفظها تمامًا ولم يعد يعيرها اهتمامًا.
القرار سوداني… والوصاية الدولية مرفوضة
وختم ياسر بابكر تصريحه بالتأكيد على أن السودان – حكومة وشعبًا وقوات مسلحة لم يعد يهتم بما تخطط له الجهات الإقليمية أو الدولية، قائلاً: القرار سوداني خالص، لا تحكمه الأهواء ، ولا تمليه الأجندات الأجنبية.