مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، يقدم مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، دراسة خاصة حول التداعيات الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية لاستمرار الصراع بين موسكو وكييف في حال عدم التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
ومن خلال تحليل الدراسات الصادرة باللغتين الإنجليزية والروسية خلال العامين الأخيرين، تستعرض هذه الورقة عدة سيناريوهات محتملة وتقيم آثارها على الأمن الإقليمي والدولي، والتحالفات العالمية، والاستقرار الاقتصادي، والمجتمع المدني.
منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة كما تسميها موسكو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، بذلت جهود دولية متكررة للتوصل إلى تسوية تفاوضية، إلا أن أي حل دائم لم يتحقق حتى اليوم، وتتناول هذه الدراسة تداعيات غياب أي اتفاق رسمي على مواصلة الحرب.
المنهجية
اعتمدت الدراسة على أكثر من 20 ورقة بحثية ومذكرة سياسية وتحليل استخباراتي نُشرت بين عامي 2023 و2025، صادرة عن مؤسسات مرموقة مثل مؤسسة RAND، تشاتام هاوس، مركز كارنيغي في موسكو، والمجلس الروسي للشؤون الدولية (РСМД). وتم التحقق من هذه المعلومات بمصادر استخباراتية مفتوحة وتقارير ميدانية. ومن بين الدراسات المستخدمة، ، RAND: “حرب طويلة في أوكرانيا” (مايو 2024)، تشاتام هاوس: “أربعة سيناريوهات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية” (أكتوبر 2024)، РСМД: “الركود العسكري والمخاطر السياسية في أوروبا الشرقية” (أبريل 2025)
، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS): “الرياح الاستراتيجية المعاكسة في أوكرانيا” (مارس 2025)
الجمود السياسي والعسكري:
– ديناميكيات الحرب الممتدة
وفقاً لتحليل مؤسسة RAND (2024)، من المرجح أن تتحول الحرب إلى صراع استنزاف طويل يتميز بـ، خطوط جبهات راكدة وتغيرات إقليمية طفيفة، ومعدلات عالية من الخسائر البشرية بين العسكريين والمدنيين، واستمرار عمليات التعبئة والتجنيد الإجباري في كلا الجانبين
ويرى محللون روس (РСМД، 2025) أن موسكو تستعد لصراع يستمر حتى عام 2026 على الأقل، مع التركيز على الصمود الاستراتيجي بدلاً من التقدم السريع.
– مخاطر التصعيد
غياب الاتفاق يؤدي إلى، تكثيف الضربات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية الحيوية، وتكرار الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة داخل العمق الروسي، واحتمالية تورط دول حلف الناتو بشكل مباشر أو غير مقصود
تحذر تشاتام هاوس من أن طول أمد الحرب يزيد من فرص التصعيد غير المقصود، خاصة في البحر الأسود وبيلاروسيا.
الآثار الاقتصادية:
– انهيار الاقتصاد الأوكراني
بحسب تقرير البنك الدولي (2025)، انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة تتجاوز 35% منذ عام 2022. وفي حال استمرار الحرب، ستنخفض القدرة الإنتاجية في الصناعة والزراعة، وستزداد التبعية للمساعدات الغربية، وسيدخل ملايين الأوكرانيين تحت خط الفقر
– قدرة روسيا على التكيف تحت العقوبات
رغم تأثير العقوبات الغربية، فقد تمكنت روسيا جزئياً من التكيف عبر، إعادة توجيه التجارة نحو آسيا، خصوصاً الصين والهند، وإنشاء أنظمة مالية بديلة مثل بطاقة “مير” ونظام SPFS
إلا أن البنك المركزي الروسي (2025) أشار إلى تراجع في الطلب المحلي والاستثمار، مما يشير إلى هشاشة طويلة الأمد.
الآثار الإنسانية والديموغرافية:
– أزمة اللاجئين
تشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (2025) إلى وجود أكثر من 10 ملايين نازح أوكراني. واستمرار النزاع يعني، زيادة العبء على الدول المستضيفة في أوروبا، وبطء في عودة اللاجئين إلى أوكرانيا
– الانهيار الديموغرافي
تعاني كل من روسيا وأوكرانيا من أزمات ديموغرافية، انخفاض أعداد الشباب بسبب القتل والهجرة، وتراجع معدلات الخصوبة لمستويات حرجة
التداعيات الجيوسياسية العالمية:
– حلف الناتو والولايات المتحدة
استمرار الصراع سيؤدي إلى، تعزيز التوسع شرقاً لحلف الناتو، وزيادة التواجد العسكري الأمريكي في بولندا ورومانيا ودول البلطيق
– الصين ودول الجنوب العالمي
ستواصل الصين استغلال النزاع لتوسيع نفوذها في أوراسيا، وستتبنى العديد من دول الجنوب مواقف الحياد للاستفادة من الطاقة الروسية الرخيصة
السيناريوهات المحتملة:
السيناريو أ: صراع مجمّد (2025-2030)، استقرار خطوط الجبهة دون اتفاق سلام، وعسكرة دائمة للأراضي الأوكرانية
السيناريو ب: تصعيد شامل، إعلان روسيا لتعبئة عامة، وتدخل الناتو بفرض مناطق حظر طيران في غرب أوكرانيا
السيناريو ج: ركود استراتيجي مع حرب بالوكالة، وتحول الحرب إلى صراع بالوكالة مدعوم بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الأجنبية
السيناريو د: تفكك داخلي في أحد الطرفين، يشير تقرير مركز CSIS (2025) إلى إمكانية حدوث اضطرابات داخلية حادة في حال طال أمد الصراع، قد تؤدي إلى تغيرات سياسية جذرية في كييف أو موسكو، ما سيغير توازن القوى على الأرض.
السيناريو هـ: تدخل أطراف ثالثة، بحسب تحليل Chatham House (2024)، فإن بعض دول آسيا أو الشرق الأوسط قد تبدأ بلعب دور مباشر أو غير مباشر في النزاع، سواء عبر الوساطة أو التمويل أو حتى الدعم العسكري، ما يزيد تعقيد الأزمة ويحولها إلى ساحة تنافس دولي مفتوح.
التوصيات الاستراتيجية
توصي الدراسة لأوكرانيا، بتنويع الإنتاج الزراعي والطاقة بعيداً عن مناطق النزاع، وتعزيز الأمن الداخلي وآليات مكافحة الفساد
في حين توصي لروسيا، بتخفيف الخطاب التصعيدي لإعادة فتح قنوات الحوار، والاستثمار في المناطق الحدودية المتضررة
أما للمجتمع الدولي، فتوصي الدراسة، بإعداد أطر دعم طويلة الأمد تتجاوز المساعدات العسكرية، وإنشاء قنوات تواصل خلفية لتقليل احتمالات التصعيد
الخاتمة
إن فشل روسيا وأوكرانيا في التوصل إلى اتفاق سلام سيؤدي إلى استمرار المعاناة الإنسانية، وزعزعة استقرار أوروبا، وإعادة تشكيل منظومة الأمن العالمي. ومن ثم، فإن الصبر الاستراتيجي يجب أن يترافق مع حلول دبلوماسية مبتكرة لتفادي هذا المستقبل المظلم.
المصادر:
1. مؤسسة RAND. “حرب طويلة في أوكرانيا.” مايو 2024. www.rand.org
2. تشاتام هاوس. “أربعة سيناريوهات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.” أكتوبر 2024. www.chathamhouse.org
3. المجلس الروسي للشؤون الدولية (РСМД). “الركود العسكري والمخاطر السياسية في أوروبا الشرقية.” أبريل 2025. www.russiancouncil.ru
4. مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS). “الرياح الاستراتيجية المعاكسة في أوكرانيا.” مارس 2025. www.csis.org
5. المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. بيانات النزوح الأوكرانية. أبريل 2025.
6. البنك الدولي. التوقعات الاقتصادية لأوكرانيا. مارس 2025.
7. البنك المركزي الروسي. النشرة الاقتصادية. مايو 2025.