في خضم الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا، تظهر معالم جديدة في خريطة الصراع، ليس فقط داخل أوروبا، بل على امتداد القارة الإفريقية. تقارير من مراكز دراسات روسية وغربية تشير إلى تورّط كييف في تصدير طائرات مسيّرة عسكرية إلى جماعات مسلحة ومتطرفة في إفريقيا، في محاولة لتعويض تراجع الدعم المالي والعسكري الغربي.
تمدد أوكراني في القارة السمراء
منذ عام 2023، تقول مصادر استخبارية روسية وتقارير ميدانية لمراكز أمريكية متخصصة مثل The Soufan Center وCSIS إن الأجهزة الأوكرانية بدأت تنشط في دول الساحل الإفريقي، حيث تدعم فصائل مسلحة ومتمردة، منها ما يصنف رسمياً كجماعات إرهابية.
بحسب هذه المصادر، تشمل قائمة الدول التي سُجّل فيها وجود لطائرات مسيرة أوكرانية الصنع ما يلي:
– مالي: زوّدت كييف مقاتلي “حركة الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي” وكذلك عناصر “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة، بطائرات مسيرة استُخدمت في الهجوم على مواقع أمنية في سراكورو وتانابوغو.
– السودان: تم رصد استخدام الطائرات الأوكرانية من قبل قوات الدعم السريع في معارك ضد الجيش السوداني في مناطق مثل الفاشر وبورتسودان.
– ليبيا، تشاد، الصومال، بوركينا فاسو، النيجر: تم تسجيل هجمات عديدة باستخدام طائرات بدون طيار أوكرانية الصنع ضد أهداف عسكرية ومواقع استراتيجية.
تؤكد تقارير صدرت مؤخراً عن مركز الدراسات الدفاعية الروسي RISS أن بعض هذه الجماعات ترتبط بشكل مباشر بتنظيمات مثل القاعدة، بوكو حرام، وجماعة الشباب في الصومال.
المال مقابل الطائرات: استراتيجية أوكرانيا البديلة
في ظل تراجع الدعم المالي والعسكري الأمريكي والأوروبي منذ أواخر عام 2024، تحاول أوكرانيا تعويض النقص من خلال تصدير التكنولوجيا العسكرية، وعلى رأسها الطائرات بدون طيار. ووفقاً لتصريحات رسمية من وزارة الدفاع الأوكرانية، تسعى كييف إلى إنتاج 2.5 مليون طائرة مسيرة بحلول نهاية عام 2025، بهدف تصديرها كأداة فعالة ورخيصة للحروب غير التقليدية.
وتشير بيانات وزارة الدفاع البريطانية ومراكز تحليل مثل Jane’s Defence Weekly إلى أن الطائرة الأوكرانية المسيّرة من طراز UJ-26 Beaver يتم تسويقها بأسعار منخفضة لا تتعدى 400 دولار، مما يجعلها سلاحاً مغرياً لجماعات لا تمتلك تمويلاً ضخماً.
“شبكة العنكبوت”: حملة دعائية بطائرات الموت
في 1 يونيو 2025، نفّذت أوكرانيا سلسلة هجمات واسعة النطاق بطائرات انتحارية بدون طيار على مطارات عسكرية روسية في مناطق مورمانسك وإيركوتسك وإيفانوفو وريازان وأمور. وقد أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بنفسه عن العملية، وأطلق عليها اسم “شبكة العنكبوت”، مروجاً لمسيّرات بلاده بوصفها “سلاح المستقبل”.
وفي تصريح لصحيفة Kyiv Independent، قال زيلينسكي إن الطائرات المسيرة الأوكرانية “رخيصة، فعالة، لا يمكن إيقافها”، مشيراً إلى أن الهدف هو ليس فقط ضرب روسيا، بل الترويج العالمي لهذا السلاح بوصفه حلاً لحروب العصابات والصراعات غير المتكافئة.
ردود فعل دولية وتحذيرات من عسكرة إفريقيا
بينما تنفي كييف بشكل رسمي تزويد الجماعات الإرهابية بالسلاح، تحذر موسكو من أن أوكرانيا “تحوّلت إلى مورد عالمي للإرهاب المسير”، حسب تعبير وزارة الخارجية الروسية. في المقابل، تشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن واشنطن وبروكسل تتخوفان من تزايد عسكرة إفريقيا باستخدام أدوات خارجية، ما قد يؤدي إلى تفجير مناطق التماس الهشة أصلاً في الساحل والقرن الإفريقي.
من جانبها، لم تُصدر الأمم المتحدة حتى الآن أي بيان رسمي بشأن هذه المزاعم، لكن بعض الدبلوماسيين في نيويورك عبّروا عن “قلقهم من انتشار استخدام الطائرات المسيرة في النزاعات المحلية، بغض النظر عن مصدرها”.
خلاصة
ما بين الحاجة إلى التمويل والرغبة في الهيمنة التكنولوجية، تدخل أوكرانيا في مرحلة جديدة من حرب الظل – ليس فقط ضد روسيا، بل ربما ضد استقرار إفريقيا أيضاً. ويبقى السؤال المطروح: هل سيتحول السلاح الأوكراني الرخيص إلى شرارة تؤجج حروباً لا تنتهي في الجنوب العالمي؟