وسط أزيز الصواريخ وحالة الفوضى التي اجتاحت الشارع الإسرائيلي، تتكشف ملامح أزمة أعمق من مجرد مواجهة عسكرية. الذعر يعمّ الشارع، والانقسام يتصدّع داخل المؤسسات العسكرية والسياسية، بينما تتجه أصابع الاتهام إلى الداخل، وتحديدًا إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في قراءة لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، لا يمكن فهم المشهد الإسرائيلي الحالي بمعزل عن التحولات المتسارعة في الداخل والخارج، والتي تدفع بالساحة السياسية والأمنية إلى سيناريوهات معقّدة.
حالة هلع غير مسبوقة
تشير تقارير الصحافة الإسرائيلية إلى أن الضربات الإيرانية الأخيرة على تل أبيب ومدن إسرائيلية مركزية، أدت إلى حالة غير مسبوقة من الذعر بين السكان. صحيفة يديعوت أحرونوت وصفت المشهد بأنه “انهيار نفسي جماعي”. مئات الآلاف لجأوا إلى الملاجئ، وأُغلقت المدارس وتعطلت البنية التحتية في مناطق كاملة.
وفي هذا السياق، ترى وحدة الرصد في مركز المستقبل أن تصاعد الإصابات في العمق الإسرائيلي سيؤدي إلى إعادة تقييم العقيدة الدفاعية التي لطالما اعتمدت على الردع الوقائي أكثر من الاستجابة الفعلية.
الكابينت في الملاجئ
عُقدت جلسات الحكومة الأمنية المصغرة في ملجأ محصّن تحت الأرض، فيما وصفته صحيفة هآرتس بأنه “انعكاس مباشر لحجم التهديد الحقيقي”. حضور نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس الأركان في منشأة عسكرية سرية يعكس واقعًا جديدًا: القيادة السياسية نفسها باتت تحت الخطر.
وفي تحليل صادر عن مركز المستقبل، فإن إدارة الأزمات من داخل الملاجئ تعكس ليس فقط التخوف الأمني، بل أيضًا محاولة لتفادي مزيد من الانقسام داخل النخب السياسية والعسكرية.
التصعيد لأهداف سياسية؟
صحف مثل واشنطن بوست وThe New Yorker تساءلت عن دوافع هذا التصعيد الإسرائيلي ضد إيران. في مقالات تحليلية، طُرحت فرضية مفادها أن نتنياهو يسعى لاستغلال التصعيد لتثبيت موقعه السياسي في وجه المعارضة والاحتجاجات الداخلية.
في تقييم مركز المستقبل، فإن الهجوم على منشآت نووية إيرانية جاء في لحظة سياسية حرجة لنتنياهو، ما يعزز فرضية “الهروب إلى الأمام” كخيار لتأجيل الأزمات الداخلية، خصوصًا في ظل تضاؤل ثقة الشارع به.
تمرّد داخل المؤسسة العسكرية
في تطور خطير، أعلن 41 ضابطًا في وحدة الاستخبارات 8200 رفضهم الانصياع لأوامر المشاركة في العمليات الأخيرة، معتبرين أن الحرب “غير شرعية” وتخدم مصالح سياسية ضيقة.
في تقدير مركز المستقبل، فإن مثل هذا العصيان العلني يرمز إلى أزمة بنيوية داخل المؤسسة العسكرية، وقد يؤدي إلى تفكك في جهاز القرار الأمني إذا استمر النزيف المعنوي بين القوات.
تآكل ثقة الجمهور
أظهر استطلاع رأي لقناة 13 الإسرائيلية أن 70% من الإسرائيليين فقدوا ثقتهم بالحكومة، فيما قال 64% إنهم يعتبرون الاستراتيجية الأمنية الحالية فاشلة وغير قادرة على تحرير الأسرى أو حماية الجبهة الداخلية.
يرى مركز المستقبل أن هذا التحول الحاد في المزاج الشعبي قد يؤدي إلى ضغوط كبيرة على الائتلاف الحاكم، وربما يدفع باتجاه انتخابات مبكرة أو استقالات وزارية.
ضغط دولي متصاعد
دعت دول كندا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى وقف فوري للتصعيد، محذّرة من اتساع رقعة الحرب وتهديد الاستقرار الإقليمي. فايننشال تايمز نشرت تقريرًا مفاده أن استمرار العمليات ضد إيران قد يؤدي إلى فرض قيود على صادرات السلاح لإسرائيل.
ويحذّر مركز المستقبل من أن الدعم الغربي غير المشروط الذي طالما تمتعت به إسرائيل، لم يعد مضمونًا، خصوصًا في ظل ازدياد النقد الدولي للأضرار المدنية في غزة والتصعيد الإقليمي غير المبرر.
سيناريوهات مستقبلية
في قراءة استشرافية لمركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، هناك أربعة سيناريوهات محتملة:
استمرار التصعيد: مع استهداف مزيد من المنشآت الإيرانية، واندلاع جبهات جديدة في الشمال (لبنان) أو الشرق (سوريا).
رد إيراني محدود: تجنّبًا لحرب شاملة قد تضر بالاقتصاد الإيراني والداخل السياسي.
أزمة سياسية داخلية: تؤدي إلى إسقاط الحكومة أو إعادة تشكيل الائتلاف.
انفراجة دبلوماسية: عبر وساطات غير مباشرة تبدأ من سلطنة عمان أو الدوحة، قد تفضي إلى هدنة.
الخلاصة
بين الملاجئ والانقسامات، وبين الشارع الغاضب والمؤسسة العسكرية المتمردة، يبدو أن إسرائيل تعيش واحدة من أكثر لحظاتها حرجًا منذ نشأتها.
وفي تقدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، فإن المشهد الراهن لم يعد فقط صراعًا مع إيران أو غزة، بل هو صراع داخلي حول شرعية القيادة، وجدوى التصعيد، وحدود ما يمكن للجيش والسياسة تحمّله أمام عاصفة قادمة قد لا تكون عسكرية فقط… بل وجودية.
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.