في ضوء التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، يطرح مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر فرضية تحليلية مفادها أن هذا التوتر المتسارع في الشرق الأوسط قد يصب – ولو بشكل غير مباشر – في مصلحة روسيا، من خلال تشتيت تركيز الغرب وموارده عن الحرب في أوكرانيا. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل هذه الفرضية من منظور استراتيجي شامل، بالاعتماد على مصادر غربية وروسية موثوقة، مع ربط التطورات الميدانية بالأبعاد الجيوسياسية العالمية.
-أولاً: الشرق الأوسط يشتعل… وأوكرانيا تنتظر
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، بلغ ذروته بهجمات صاروخية متبادلة واستهدافات جوية في العمق، وسط تحذيرات دولية من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة. في خضم هذا التوتر، تُطرح تساؤلات حول انعكاسات هذا التصعيد على ساحات صراع أخرى، لا سيما الحرب في أوكرانيا.
يشير تحليل نشره مركز RAND الأميركي إلى أن التورط الأمريكي في أكثر من ساحة نزاع يُضعف من قدرته على الحسم في أي منها، ويجبره على توزيع موارده العسكرية والدبلوماسية بطريقة قد تؤدي إلى إبطاء دعمه لكييف.
> المصدر: RAND Corporation, “Strategic Competition and Conflict Multiplication”, 2024.
-ثانيًا: تعدد الجبهات يرهق واشنطن
تؤكد مجلة Foreign Affairs أن واشنطن تواجه “أزمة أولويات” بين الدفاع عن أوكرانيا، وردع الصين في المحيط الهادئ، واحتواء التصعيد في الشرق الأوسط. ومع اندلاع المواجهة بين إيران وإسرائيل، فإن الاهتمام الأميركي يتجه حتماً إلى حليفه الأول في المنطقة: تل أبيب.
وقد صرح مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن جزءاً من قدرات التجسس الصناعي والمراقبة الجوية قد أُعيد توجيهه من أوروبا الشرقية نحو منطقة الخليج وشرق المتوسط.
> المصدر: Foreign Affairs, “The Perils of Overextension”, March 2025.
-ثالثًا: أوروبا ومخاوف أمن الطاقة
في ظل التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز أو ضرب منشآت نفطية في الخليج، بدأت الدول الأوروبية تعيد حساباتها بشأن أولوياتها الاستراتيجية. تقول صحيفة Financial Times إن فرنسا وألمانيا تخشيان ارتفاعًا جنونيًا في أسعار الغاز، قد يطيح بالتعافي الاقتصادي الهش بعد أزمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا.
هذه المخاوف قد تدفع بعض الدول الأوروبية إلى تقليص دعمها السياسي والعسكري لكييف، والتركيز على استقرار إمدادات الطاقة.
> المصدر: Financial Times, “Iranian Escalation Triggers EU Energy Anxiety”, April 2025.
-رابعًا: حسابات موسكو في زمن الفوضى
ترى موسكو، بحسب تحليل منشور في مجلة “روسيا في الشؤون العالمية”، أن عالمًا مشغولاً بصراعات متعددة هو بيئة مثالية لتثبيت مكاسبها الميدانية في أوكرانيا. فمع تراجع التركيز الغربي، تستطيع القوات الروسية الضغط على الجبهات المفتوحة، لا سيما في دونيتسك وزابوروجيا، حيث حققت مؤخرًا تقدماً تكتيكياً.
كما تعزز روسيا شراكاتها مع دول مثل الصين والهند وإيران، مستفيدة من انشغال الغرب في الملفات الأخرى.
> المصدر: Russia in Global Affairs, “Мир в беспорядке — шанс для России”, March 2025.
– خامسًا: حدود الاستفادة الروسية
رغم ما سبق، تؤكد دراسات من مركز كارنيغي للسلام أن الاستفادة الروسية من التصعيد في الشرق الأوسط تبقى غير مباشرة، إذ لا تزال العقوبات المفروضة على موسكو قائمة، والدعم الأميركي لأوكرانيا مستمر – وإن بوتيرة أبطأ.
كما أن روسيا لا ترغب فعليًا في اندلاع حرب إقليمية واسعة، قد تؤدي إلى ارتفاع مفرط في أسعار النفط بشكل يضر حتى باقتصادها، ويثير ضغوطًا من حلفائها في آسيا.
> المصدر: Carnegie Endowment, “Russia and the Cost of Global Disruption”, April 2025.
-سادسًا: السيناريوهات المتوقعة
1. انشغال الغرب يتيح لروسيا فرص الحسم التكتيكي:
إذا استمر التوتر بين إيران وإسرائيل، قد تشهد روسيا انفراجة ميدانية في الجبهات الشرقية.
2. تعثر الدعم الغربي لأوكرانيا:
قد تتباطأ شحنات السلاح والمساعدات المالية، مما يؤدي إلى تراجع أوكراني تدريجي.
3. تهدئة إقليمية مفاجئة تعيد التوازن:
إذا نجحت الوساطات الخليجية أو الدولية في احتواء التصعيد، فقد تستعيد أوكرانيا أولوية الدعم الدولي.
– خاتمة وتوصيات مركز المستقبل
في قراءة شاملة، يرى مركز المستقبل للدراسات أن التصعيد الإيراني – الإسرائيلي قد يمنح موسكو “نافذة استراتيجية مؤقتة”، لكنها لا ترقى إلى مستوى العامل الحاسم في مسار الحرب الأوكرانية. إذ تبقى العوامل الميدانية والسياسية في شرق أوروبا هي التي تحدد المصير الحقيقي للصراع.
ينصح المركز بمتابعة التنسيق الروسي الإيراني عن كثب، وتحليل أثره على ديناميكيات الدعم الغربي لكييف، مع مراقبة ردود الفعل الأوروبية التي قد تعيد ترتيب أولوياتها الأمنية في حال تفاقم التصعيد الشرق أوسطي.
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.