مع استمرار الصراع الإسرائيلي الإيراني, يقدم مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر، دراسة استراتيجية محدثة حول ما يحدث في المنطقة، إذ تشكّل الحرب غير المعلنة بين إسرائيل وإيران أحد أكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب أبعادها العسكرية، بل لتداخلها مع التوازنات الإقليمية والدولية. تتجاوز طبيعة هذا الصراع حدوده الجغرافية لتنعكس على ساحات عدة، من سوريا ولبنان والعراق، إلى الخليج العربي والبحر الأحمر. ولفهم أعمق لمسارات هذا الصراع، فإننا نستلهم من كتابات المفكر الإستراتيجي الأمريكي هنري كيسنجر، الذي رأى أن الاستقرار في الشرق الأوسط لا يتحقق بالقوة وحدها، بل بترتيب توازنات قائمة على الردع والاعتراف المتبادل بالنفوذ (هنري كيسنجر، النظام العالمي، 2014).
الفرضية
تنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها أن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران لن تكون حسمًا عسكريًا صريحًا، بل نتيجة مسار طويل من تبادل الرسائل بالقوة، يُفضي إلى تسوية مؤقتة برعاية دولية، تُعيد رسم حدود النفوذ الإقليمي، دون تغيير جذري في أنظمة الحكم. ويتطلب هذا مساراً تفاوضياً قائماً على توازن الردع، كما يُشير كيسنجر إلى أن السلام لا يقوم على حسن النوايا بل على إدراك كل طرف أن الحرب ستجلب خسائر أكبر من المكاسب (كيسنجر، سنوات التجديد، 1999).
التحليل السياسي
تشير الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة لمواقع إيرانية إلى نمط تقليدي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية: الضرب الاستباقي وفرض كلفة عالية على الخصم لمنعه من الاقتراب من امتلاك قدرات استراتيجية تهدد وجود الدولة. وتأتي هذه الضربات ضمن رؤية شاملة تستهدف كبح تقدم البرنامج النووي الإيراني دون التورط في حرب برية مفتوحة.
في المقابل، تعتمد إيران على استراتيجية ‘الردع غير المتماثل’، والتي تقوم على توسيع رقعة التأثير الإقليمي عبر الوكلاء (حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي)، وتفعيل الردود المحدودة التي توصل رسالة دون التسبب برد شامل. وهو ما يتقاطع مع تحليل كيسنجر بأن الردع يُبنى ليس فقط على امتلاك القوة بل على توظيفها ضمن حسابات دقيقة لردود الأفعال (كيسنجر، حول الصين، 2011).
دور روسيا والصين في إنهاء الصراع
رغم أن روسيا تخوض حربًا في أوكرانيا، إلا أنها تتابع باهتمام شديد التصعيد بين إسرائيل وإيران. فموسكو تُعد شريكًا عسكريًا لإيران، لكنها لا ترغب في تصعيد شامل قد يضر بمصالحها في سوريا أو يعرضها لعقوبات إضافية. روسيا دعت إلى وقف التصعيد، محذرة من أن استهداف منشآت مثل محطة بوشهر النووية قد يؤدي إلى كارثة شبيهة بتشرنوبل (المصدر: رويترز، 19 يونيو 2025).
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن استعداد بلاده للعب دور الوسيط بين إسرائيل وإيران، مشيرًا إلى أن التصعيد يهدد الاستقرار الإقليمي، وأن روسيا قادرة على لعب دور موازن بين الأطراف، بما يتماشى مع مصالحها في الإقليم. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس، 17 يونيو 2025).
أما الصين، فقد أدانت الضربات الإسرائيلية على إيران، ودعت الطرفين إلى ضبط النفس. بكين ترى في إيران شريكًا استراتيجيًا ضمن مبادرة الحزام والطريق، وتحاول دفع الطرفين نحو تسوية سياسية. لكنها تفتقر إلى أدوات النفوذ العسكري، وتعتمد على الوساطة الاقتصادية والدبلوماسية.
السيناريوهات المستقبلية
وتقدم الدراسة عدة سيناريوهات مستقبلية للصراع الإسرائيلي الإيراني تتلخص بما يلي:
- تصعيد محدود ثم تهدئة (احتمالية: 70%)
يتكرر نمط تبادل الضربات المحدودة، يتبعه وقف إطلاق نار بضغوط أمريكية وروسية. هذا السيناريو يتفق مع استراتيجية “إدارة الصراع” التي تحدث عنها كيسنجر، حيث يتم الحفاظ على خطوط التماس دون الوصول إلى مواجهة مفتوحة. موسكو تؤيد هذا النمط، وتسعى للوساطة دون تورط مباشر.
- صفقة نووية مقابل تهدئة استراتيجية (احتمالية: 40%)
تُستأنف المفاوضات النووية بين إيران والغرب، برعاية روسية وصينية، مقابل وقف البرنامج النووي مؤقتًا ورفع بعض العقوبات. هذا السيناريو يتطلب مرونة سياسية من طهران، واعترافًا غير مباشر بنفوذها الإقليمي.
- تدخل عسكري أمريكي مباشر (احتمالية: 25%)
إذا تجاوزت الضربات الإيرانية الخطوط الحمراء الأمريكية (كاستهداف قواعد في الخليج)، قد تقوم الولايات المتحدة بضربات محددة ضد إيران. موسكو تحذر من هذا السيناريو، والصين تدعو لوقفه لأنه يهدد مصالحها النفطية.
- انهيار داخلي في أحد الطرفين (احتمالية: 10%)
اندلاع احتجاجات واسعة في إيران أو انهيار حكومة نتنياهو في إسرائيل قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي. إلا أن هذا السيناريو ضعيف على المدى القريب وفق المعطيات الحالية.
النتيجة
من المرجح أن ينتهي الصراع بين إسرائيل وإيران بتسوية مؤقتة تُدار عبر أطراف دولية. روسيا تسعى للظهور كوسيط، والصين تطرح نفسها كضامن للاستقرار الإقليمي. بينما تميل الولايات المتحدة إلى الردع غير المباشر. هذا التوازن، رغم هشاشته، قد يمنع الحرب المفتوحة، وفقاً لدراسة مركز المستقبل.
الملخص
تبيّن الدراسة أن الحرب الإسرائيلية–الإيرانية تُدار وفق قواعد ردع متبادل وتوازن قوى إقليمي ودولي. التحليل المستند إلى كتابات هنري كيسنجر، والمواقف الروسية والصينية، يشير إلى أن الحل ليس في الحسم العسكري بل في تثبيت حدود الصراع ضمن إطار تفاوضي واسع. روسيا والصين لن تكونا على الهامش، بل ستشاركان في صياغة ملامح النهاية، سواء عبر الوساطة أو الضغط غير المباشر.
المصادر والمراجع
– هنري كيسنجر، النظام العالمي، 2014، دار الكتاب العربي.
– هنري كيسنجر، الدبلوماسية، 1994، دار الشروق.
– هنري كيسنجر، سنوات التجديد، 1999.
– هنري كيسنجر، حول الصين، 2011.
– رويترز، 19 يونيو 2025: تحذير روسي من كارثة في بوشهر.
– أسوشيتد برس، 17 يونيو 2025: بوتين يعرض وساطة بين إسرائيل وإيران.
– واشنطن بوست، 16 يونيو 2025: مخاوف روسية من فقدان النفوذ في الشرق الأوسط.
– فاينانشال تايمز، 18 يونيو 2025: الصين تدعو لضبط النفس وتدعم حلًا تفاوضيًا.
– تحليلات من Foreign Policy، Atlantic Council، Modern Diplomacy.
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.