إعداد: مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
تاريخ النشر: 24 يونيو 2025
مقدمة
أعلنت الولايات المتحدة وإيران التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار المؤقت، عقب أيام من تبادل الضربات الجوية في منطقة الخليج. وجاءت هذه التهدئة بوساطة إقليمية ودولية، لكنها لا تعني انتهاء التوتر، بل تُعد محطة انتقالية ضمن سياق إقليمي ودولي معقد تتداخل فيه المصالح الجيوسياسية، من الخليج العربي إلى أوكرانيا.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أبعاد هذا التطور الاستراتيجي واستشراف تداعياته المحتملة، لا سيما على مستقبل الحرب الروسية–الأوكرانية ودور القوى الدولية في إدارة الأزمات.
أولًا: الخلفية العسكرية والسياسية للتصعيد
في منتصف يونيو 2025، نفذت القوات الأمريكية غارات جوية استهدفت منشآت داخل إيران قيل إنها مرتبطة بتطوير القدرات النووية، استنادًا إلى معلومات استخباراتية بشأن أنشطة “ذات طابع عسكري” قرب مواقع خاضعة للرقابة الدولية. وردًا على ذلك، أطلقت إيران ضربات صاروخية على قواعد أمريكية في قطر والعراق.
جاء التصعيد في ظل توقف مفاوضات العودة للاتفاق النووي (JCPOA) منذ أواخر 2024، وسط تبادل الاتهامات بين الجانبين بخرق الالتزامات الدولية.
ثانيًا: وقف إطلاق النار… بين التهدئة المؤقتة ومخاطر الانهيار
في 23 يونيو، أعلنت سلطنة عمان عن نجاح وساطتها، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وقطر، في التوصل إلى تفاهم مؤقت لوقف التصعيد. وأكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن واشنطن “ستقيّم التزام إيران بالسلوك الإقليمي المسؤول” قبل أي تحرك دبلوماسي إضافي.
لكن المؤشرات الميدانية تشير إلى هشاشة الاتفاق:
- لا توجد قوة رقابة دولية لتنفيذ التفاهم.
- غياب جدول زمني أو التزامات واضحة بتجميد البرامج العسكرية.
- محدودية قنوات الاتصال المباشر بين الطرفين.
ثالثًا: التحول في أولويات واشنطن… من أوكرانيا إلى الخليج؟
تشير تحليلات صادرة عن مراكز بحثية أمريكية مثل “كارنيغي” و”بروكنغز” إلى تحول جزئي في أولويات السياسة الأمريكية. فمع استمرار الجمود في الحرب الروسية–الأوكرانية وتراجع التأييد الشعبي والسياسي لدعم أوكرانيا، يُلاحظ إعادة توجيه الموارد نحو ملفات أكثر ارتباطًا بأمن الطاقة، وعلى رأسها أمن الخليج.
تواجه واشنطن ضغطًا متزايدًا من الكونغرس والرأي العام لعدم الانخراط في حرب طويلة في أوروبا، ما يجعل التحرك نحو الشرق الأوسط أكثر انسجامًا مع المصالح المباشرة، خصوصًا في ظل تصاعد التهديدات لإسرائيل وأمن الطاقة الخليجي.
(Foreign Affairs – يونيو 2025)
رابعًا: مستقبل الأزمة الأوكرانية في ضوء التغيرات الجيوسياسية
في ظل انشغال الناتو بتطورات الشرق الأوسط، تتراجع التغطية الإعلامية والدعم اللوجستي لأوكرانيا، وهو ما بدأ يظهر ميدانيًا من خلال:
- تقدم روسي في محيط مدينتي سومي ودنيبرو.
- تزايد التهرب من الخدمة العسكرية والضغوط الاقتصادية داخل أوكرانيا.
وتُطرح سيناريوهات مستقبلية:
- السيناريو الأول – استنزاف طويل المدى: استمرار الحرب دون حسم مع تراجع الدعم الغربي وتوسّع النفوذ الروسي.
- السيناريو الثاني – تسوية برعاية طرف ثالث (الصين أو تركيا): قد تدفع المتغيرات الدولية نحو جهود وساطة جديدة في حال استنزاف الأطراف الرئيسية.
خامسًا: عودة سيناريوهات “الأزمات البديلة” كأدوات ضبط دولي
ترصد الدراسات تكرار نمط “الدوران الاستراتيجي للأزمات”، حيث تترافق التهدئة في ملف رئيسي مع تصعيد في ملفات أخرى، لأغراض جيوسياسية:
- كوريا الشمالية: إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات أثناء التصعيد الأمريكي–الإيراني. (المصدر: Yonhap News)
- تايوان: مضايقات عسكرية صينية خلال زيارة وفد أمريكي للمنطقة. (المصدر: South China Morning Post)
- الساحل الأفريقي: تصاعد الهجمات الإرهابية وتوسّع نشاط مجموعة فاغنر بالتزامن مع الانشغال الغربي.
سادسًا: المواقف الروسية والصينية من التصعيد
دعت روسيا إلى التهدئة، لكنها لم تُبدِ رفضًا واضحًا لتورط أمريكي أكبر في الخليج، ما يتيح لها توسيع عملياتها في أوكرانيا.
أما الصين، فدعت إلى “حل سلمي” وفق ما أوردته صحيفة Global Times، لكنها استثمرت الأزمة لتأكيد رؤيتها بشأن “السياسات الأحادية الأمريكية”، مع تعزيز تنسيقها الأمني مع دول الخليج.
خاتمة وتوصيات
تُظهر التطورات أن اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن وطهران هو خطوة تكتيكية في إطار إعادة ترتيب الاستراتيجيات، وليس نهاية للتصعيد.
- استمرار غياب اتفاق نووي جديد أو آليات رقابة يعوق الاستقرار في الملف الإيراني.
- تراجع التركيز على أوكرانيا قد يعيد رسم التوازنات الأوروبية، ويُضعف الجبهة الغربية في حال تراكم الأزمات.
توصيات للباحثين وصناع القرار:
- رصد ديناميكيات التحول بين الأزمات وتفعيل أدوات التحليل الاستباقي.
- دعم مسارات الوساطة المتعددة لتقليل مخاطر الانزلاق نحو صدامات كبرى.
- تعزيز قدرات مراكز البحث على تحليل مؤشرات تغيير الأولويات الدولية.
المصادر المعتمدة
وكالات أنباء وتقارير رسمية:
- وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)
- وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)
- وكالة رويترز
- الجزيرة نت
مراكز أبحاث وتحليل سياسي:
- معهد دراسات الحرب (ISW)
- مجلس العلاقات الخارجية (CFR)
- مركز كارنيغي للسلام الدولي
- معهد بروكنغز
مصادر دولية أخرى:
- مجلة Foreign Affairs
- صحيفة Global Times (الصين)
- وكالة Yonhap News (كوريا الجنوبية)
- صحيفة South China Morning Post (هونغ كونغ)
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.