بقلم المحلل السياسي و الكاتب الصحفي عمر البدري
لا شك أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثّلا محطة فارقة، ليس فقط في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، بل في ملفات إقليمية معقدة على رأسها الشأن الليبي.
فالتصريحات التي أعقبت اللقاء، والتي وصفها أردوغان بـ”المثمرة والبناءة”، تفتح الباب أمام جملة من التساؤلات حول طبيعة التفاهمات التي جرت خلف الأبواب المغلقة، خصوصاً إذا ما قرأناها في سياق التحولات المتسارعة على الساحة الليبية.

من أبرز ما يُتداول في الكواليس السياسية أن ترامب قد فوّض أردوغان بلعب دور “المُزَيّت” الذي يضمن تدوير عجلة العملية السياسية الليبية المتوقفة، عبر الدفع باتجاه صياغة نسخة ثانية من حكومة التحالف بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة والقيادة العامة في الرجمة بقيادة المشير خليفة حفتر.
هذا السيناريو، رغم غرابته للوهلة الأولى، يبدو منسجماً مع العقلية البراغماتية التي لطالما ميّزت سياسة ترامب، القائمة على مبدأ “الصفقة” أكثر من الالتزام بمسارات دبلوماسية طويلة ومعقدة.
فالولايات المتحدة، التي تبحث عن استقرار وظيفي في ليبيا يضمن مصالحها ومصالح حلفائها، ترى في تركيا طرفاً مؤهلاً لتقريب الشرق من الغرب، بحكم علاقاتها مع الدبيبة من جهة، وانفتاحها المتزايد على بنغازي من جهة أخرى.
وبالتالي فإن أي حكومة “تحالفية” قادمة قد تُسوّق خارجياً على أنها خطوة نحو توحيد المؤسسات، بينما هي في جوهرها إعادة ترتيب للنفوذ تحت المظلة الأمريكية.
في هذا الإطار، لا يبدو أن قرار رفع الحظر عن مشاركة تركيا في برنامج الطائرة الشبحية F-35 جاء بعيداً عن هذه التفاهمات، بل يمكن اعتباره مكافأة مباشرة لأنقرة على قبولها لعب هذا الدور في ليبيا وربما في ملفات أخرى كسوريا والبحر الأسود. إنها رسالة أمريكية واضحة: من يلتزم بخدمة التوازنات الأمريكية سيُكافأ عسكرياً واقتصادياً.
إن ملامح المرحلة المقبلة في ليبيا قد تتجه إلى فرض تسوية فوقية بين الأطراف المتنازعة، عبر معادلة تقوم على الجمع بين القوة العسكرية في الشرق والشرعية الدولية في الغرب، برعاية تركية ومباركة أمريكية.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل ستقبل القوى الداخلية الليبية، التي أنهكتها الانقسامات، بأن تكون مجرد “تروس” في آلة دولية تُدار من الخارج؟
في النهاية، قد يكون أردوغان قد عاد من واشنطن ومعه أكثر من ورقة تفاوضية رابحة، لكن مصير هذه الأوراق سيُختبر في طرابلس وبنغازي قبل أن يُختبر في أنقرة أو واشنطن. أما الليبيون، فسيجدون أنفسهم مرة أخرى أمام سيناريو لا يضع مصالحهم الوطنية في الصدارة، بقدر ما يخدم لعبة التوازنات الكبرى ..
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر 