أثارت التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي تثبت تورط دول عدّة ومسلحين من أوكرانيا وكولومبيا ودول أفريقية في الحرب بالسودان غضباً واسعاً داخل البلاد، تجلّى في ردود فعل رسمية وشعبية تطالب بمحاسبة المتورطين. ويرى خبراء أن التدخل الخارجي لعب دوراً كبيراً في إطالة أمد الحرب وسقوط آلاف المدنيين وإفشال أي حلول سياسية للأزمة.
وفي هذا السياق، قال موسى هلال، رئيس مجلس الصحوة الثوري السوداني، إن المجلس وجّه مناشدة إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في كل أشكال التواجد الأجنبي والارتزاق في السودان، مؤكداً حرص المجلس على حماية حقوق الشعب السوداني ورفض التدخلات الخارجية.
وأضاف أن القوات المسلحة “طهّرت مدينة الفاشر من مسلحين أجانب من كولومبيا وأوكرانيا”
مشيراً إلى أن وجودهم في جبهات القتال، خاصة في تشغيل الطائرات المسيّرة، أصبح واضحاً للجميع، داعياً المحكمة الجنائية إلى التحرك لضمان حقوق السودانيين من تجاوزات الدول التي ترسل المسلحين للقتال.
وكان مجلس الصحوة قد تقدّم سابقاً بطلب عاجل للتحقيق في تجنيد المسلحين الأجانب وتوجيه الاتهام لكل من يشارك في عمليات تمويلهم أو نقلهم أو تدريبهم، سواء أفراداً أو جهات أو دول، ومساءلة أي جهة عسكرية أو أمنية يثبت تورطها في هذه الممارسات المخالفة للقانون الدولي.
وبعد ساعات من بيان المجلس، شنّ الجيش السوداني غارات جوية على مواقع “الدعم السريع” في كردفان ودارفور، أسفرت عن مقتل 47 عنصراً بينهم 22 من المسلحين الأجانب، وتدمير آلياتهم وعتادهم. وذكرت الرقيب أول آسيا الخليفة من الفرقة السادسة أن المسلحين الأجانب تسللوا إلى أحياء الفاشر واتخذوا من المباني العالية مواقع قنص، لكن الجيش تصدى لهم وألحق بهم خسائر كبيرة.
كما عثرت القوات المسلحة، بعد استعادة مواقع عدة في الخرطوم ومحيطها أواخر 2024، على مخازن أسلحة أجنبية ومسيّرات مصدرها أوكرانيا، وصلت عبر الإمارات بعد معارك محور ود الحداد. وأكد الصحفي عبد الماجد عبد الحميد، المعروف بموثوقية مصادره، مشاركة مسلحين أوكرانيين استأجرتهم الإمارات في القتال إلى جانب قوات “الدعم السريع”، وهو ما أكدته تقارير إعلامية سابقة.
من جانبه، طالب رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة المجتمع الدولي بوقف تدفق الأسلحة والمسلحين إلى “الدعم السريع”، وتصنيفها جماعة إرهابية، مؤكداً أن انتهاك القرار 1591 يهدد بإطالة أمد الحرب ومعاناة المدنيين، وأن توظيف المسلحين الأجانب يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وجدد مجلس الصحوة الثوري السوداني دعوته إلى المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق شامل حول تجنيد المسلحين الأجانب، مؤكداً أن تقارير موثوقة أثبتت وجود مقاتلين من كولومبيا وأوكرانيا وجنوب السودان وإثيوبيا وليبيا وتشاد ضمن صفوف “الدعم السريع”.
وذكر المجلس أن موقع La Silla Vacía الكولومبي كشف عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي يقاتلون لصالح الميليشيا، تم توثيق وجود بعضهم في معارك الفاشر، فيما تضم المجموعات الأوكرانية ضباط مدفعية وخبراء في تشغيل الطائرات المسيّرة وأنظمة الاتصالات.
وأكد المجلس أن هذه الظاهرة تمثل أخطر مظاهر تدويل الحرب السودانية، داعياً إلى محاسبة الدول والجهات التي تموّل وتجنّد المسلحين، وإنقاذ الشعب السوداني من تداعيات هذا التدخل الذي أدى إلى تصاعد العنف واتساع الكارثة الإنسانية.
وكشف تحقيق الصحيفة الكولومبية أن شركة “GSSG” الإماراتية، بالتعاون مع شركة “A4SI” الكولومبية، تتولى تجنيد المقاتلين الكولومبيين بعقود شهرية تصل إلى 3000 دولار، تحت إشراف ضباط كولومبيين متقاعدين مقيمين في دبي. كما يتلقى هؤلاء تدريباً على يد خبراء أوكرانيين في مولدوفا قبل نقلهم إلى السودان.
في السياق ذاته، اتهمت منظمة العفو الدولية الإمارات بتزويد قوات “الدعم السريع” بأسلحة صينية الصنع، فيما أشارت تقارير أوكرانية سرية إلى أن وحدات أوكرانية متخصصة هي التي تشنّ هجمات الطائرات المسيّرة التي تُكبّد الجيش السوداني خسائر فادحة وتعرقل تقدمه.
وأوضح الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، مكسيم صبح، في تصريحات سابقة أن بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بالسودان “بشكل فردي”، ومعظمهم من الفنيين المتخصصين في الأنظمة التقنية والطائرات المسيرة.
من جانبه، قال الباحث الاستراتيجي في شؤون القرن الإفريقي أمية يوسف حسن أبو

فداية إن الاتهامات الموجهة لـ”الدعم السريع” باستخدام مسلحين أجانب لا تقتصر على خصومها المحليين، بل تستند إلى أدلة حكومية وصحفية موثقة، منها شكوى رسمية من وزارة الخارجية السودانية لمجلس الأمن مدعومة بوثائق تُثبت مشاركة مسلحين من كولومبيا بتمويل إماراتي. وأشار إلى أن الأدلة تشمل مقاطع فيديو واعترافات ميدانية، إضافة إلى اعتذار رسمي من كولومبيا للسودان مرتين.
وأكد أبو فداية أن التدخل الخارجي زاد من تعقيد الصراع وإطالة أمد الحرب بإدخال مصالح دولية في المعادلة الداخلية، مشيراً إلى أن المحكمة الجنائية الدولية يمكنها النظر في هذه الجرائم كجرائم حرب، رغم الصعوبات الميدانية في جمع الأدلة. كما حذّر من أن إثبات تورط جنسيات متعددة قد يؤدي إلى تصعيد دبلوماسي يشمل احتجاجات وسحب سفراء وملاحقات قانونية دولية ضد الدول التي سهّلت أو موّلت مشاركة المسلحين الأجانب في الحرب السودانية.
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر 