نفوذ روسي بأدوات اقتصادية: دراسة استراتيجية بعد زيارة الشرع لموسكو

الملخّص التنفيذي

مثّلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في 15 أكتوبر 2025 لحظة مفصلية في مسار العلاقات السورية–الروسية. حملت الزيارة دلالتين متداخلتين: الأولى تتعلق بإعادة ضبط العلاقة على أسس مؤسسية براغماتية، تُحافظ على الأصول الاستراتيجية الروسية في شرق المتوسط (حميميم/طرطوس) وتتحول من “تحالف شخصي” إلى شراكة دولة–دولة؛ والثانية تتعلق بتوليد مسار اقتصادي انتقائي منخفض الحساسية للعقوبات يُركّز على الكهرباء، الحبوب، المرافئ، التعدين، والأنظمة الرقمية.

بحسب بيان الكرملين، تناولت المحادثات “آفاق تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية بين البلدين” والتنسيق الأمني ومشاريع الطاقة والإعمار. في القراءة الإعلامية الروسية (RBC، Vedomosti، Izvestia) تم التركيز على تثبيت وضع القواعد مع تحديثات فنية غير توسعية، وعلى حزمة مشاريع خدمية قابلة للتنفيذ السريع. أمّا في الرؤية الغربية (Reuters، Financial Times، The Guardian) فقد قُدمت الزيارة كـ“إعادة تعيين” لمسار الشراكة وإشارة على قدرة موسكو على الحفاظ على نفوذها عبر أدوات مرنة منخفضة الكلفة.

أفق 3/6/12 شهراً:

• 0–3 أشهر: تثبيت قنوات اتصال سياسية–أمنية؛ تشكيل فرق عمل قطاعية؛ شحنات تجريبية من القمح/المشتقات؛ بروتوكول تشغيل وصيانة للقواعد يركّز على التحسينات التقنية دون توسّع.
• 3–6 أشهر: توقيع عقود هندسية صغيرة (EPC) في الكهرباء والمرافئ؛ تشغيل تجريبي لبوابات دفع محلية؛ استمرار آليات فضّ الاشتباك مع الفاعلين الإقليميين.
• 6–12 شهراً: توسع انتقائي في الفوسفات واللوجستيات وصوامع الحبوب؛ اختبارات استدامة التمويل بالروبل/المقايضة؛ تعميق قنوات التعاون القضائي غير الملزِم.

ملف تسليم بشار الأسد: الإطار القانوني الروسي (الدستور مادة 63؛ قانون الإجراءات مادة 462) يجعل التسليم غير واقعي عملياً: حظر التسليم لأسباب سياسية واشتراط معاهدة نافذة (غير مثبَتة مع سوريا). المسار العملي المرجّح: رفض مع ترتيبات قضائية بديلة (إنابات، استماع، تبادل معلومات).

الخلاصة المرجّحة للسنة المقبلة: تثبيت وضع القواعد مع تحديثات فنية؛ عدم تسليم الأسد مع تعاون قضائي محدود؛ وإطلاق باقة مشاريع خدمية صغيرة–متوسطة بتمويلات مرنة، بما يحافظ على نفوذ روسي “هادئ” ويمنح دمشق مكاسب معيشية قابلة للقياس.

أولاً: الخط الزمني الموثّق للزيارة

• 14 أكتوبر 2025: الإعلان عن الزيارة عبر وسائل إعلام روسية واتحادية، مع تسريبات موضوعية حول ملفات القواعد والطاقة.
• 15 أكتوبر 2025 (حوالي 17:00): بدء لقاء الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس أحمد الشرع في الكرملين؛ وصف رسمي بـ“الجدّية والشمول” وتأكيد محاور القواعد/الطاقة/الإعمار. (المصدر: موقع الكرملين الرسمي)
  https://en.kremlin.ru/events/president/news/78213
• 15–16 أكتوبر: تغطيات تحليلية روسية (RBC، Vedomosti) وغربية (Reuters، Financial Times، The Guardian) تضع الزيارة في إطار “إعادة ضبط” الشراكة، وتربطها بخيارات نفوذ روسي أقل كلفة وأكثر مرونة.

اقتباسات قصيرة:
“المحادثات كانت جادة وشاملة… وتناولت آفاق التعاون السياسي والاقتصادي والإنساني” — (Kremlin statement).
“إعادة تعيين لمسار العلاقة لإبقاء موطئ قدم روسي مستدام” — (Financial Times قراءة تحليلية).
“اختبار لقدرة موسكو على النفوذ المرن منخفض الكلفة” — (The Guardian قراءة سياسية).

ثانياً: المحور السياسي–الدبلوماسي

1) كيف أعادت الزيارة تعريف العلاقة؟

• الانتقال من تحالف شخصي إلى شراكة مؤسسية: توحيد قنوات القرار، لجان عمل قطاعية، وتخفيف رمزية الأفراد لصالح منظومات تعاون ثنائية قابلة للقياس.
• نموذج البراغماتية المتوازنة: إبقاء الأصول الاستراتيجية الروسية، مع الحرص على عدم استثارة حساسيات أنقرة/تل أبيب/واشنطن، وفتح بوابة عملية مع العواصم العربية.

2) المواقف من الملفات الداخلية ومسار التسوية

• موسكو تفضّل إصلاحات إدارية/اقتصادية تدريجية تُخفّف الضغط المعيشي وتُحسّن شروط الاستثمار، بدون اشتراطات سياسية علنية تُحرج دمشق.
• دعم أي مسار تسوية واقعي يحفظ اللامركزية العملية لبعض السلطات المحلية، ويضمن أمن القواعد وخطوط الإمداد.

3) العلاقة مع الفاعلين الإقليميين

• تركيا: أولوية لآليات فض الاشتباك واحتواء الاحتكاك في الشمال السوري.
• إسرائيل: الحفاظ على قنوات الاتصال لتجنّب التصعيد قرب مسارح القواعد.
• العواصم العربية: الاستثمار في نافذة تقارب لتعبيد تعاون ثلاثي (روسي–سوري–عربي) في الغذاء واللوجستيات والطاقة.

ثالثاً: المحور القانوني–السياسي: تسليم بشار الأسد

الإطار الروسي الملزِم:

• الدستور (مادة 63): حظر تسليم الملاحقين لأسباب سياسية؛ شرط وجود معاهدة نافذة/قانون اتحادي منظم.
• قانون الإجراءات الجنائية (مادة 462): استثناء التسليم في القضايا ذات الطابع السياسي؛ وإتاحة الطعن القضائي بما يجمّد أي تنفيذ.

سيناريوهات محتملة:

1. رفض قاطع: مرجح بسبب الطابع السياسي وغياب معاهدة تسليم نافذة.
2. رفض مع ترتيبات بديلة: إنابات قضائية، جلسات استماع عن بُعد، تبادل وثائق.
3. بحث شكلي بلا نتيجة: إحالة لجهات قضائية وإطالة مهل ثم تبريد الملف.
4. تعاون محدود: قنوات ادّعاء/استجواب معلوماتي دون نقل شخص.

الدوافع:
قانونية: نصوص دستورية وإجرائية مانعة.
سياسية: تجنّب سابقة تضرّ بسمعة الحماية الروسية لحلفائها.
علاقات قوة: استخدام الملف كورقة تفاوضية دون تحوّله إلى تنازل هيكلي.
تداعيات خارجية/داخلية: كلفة صورة، واحتمالات ارتداد على ملفات حلفاء آخرين.

رابعاً: المحور العسكري–الأمني: مستقبل القواعد الروسية في سوريا

الوضع القانوني الحالي:
Hmeimim (2015/2016): استخدام جوّي طويل الأمد “من دون مقابل مالي”، إطار تشغيلي دائم.
Tartus (2017): توسيع نقطة الدعم البحري لمدة 49 عامًا قابلة للتجديد، مع امتيازات استخدام وتجهيز.

المسارات المحتملة (12 شهرًا):

• (أ) تثبيت الوضع القائم: تشغيل وصيانة وتحسينات فنية انتقائية (بنية، دفاع جوي، ردارات) دون توسع جوهري.
• (ب) توسيع القدرات/التحديث: في حال هدوء ساحات التوتر وتوفر تمويل/تأمين؛ يشمل مخازن/دعم لوجستي/طب عسكري.
• (ج) إعادة تفاوض على الولاية/القواعد الاشتراطية: إدخال صيغ إجرائية بطلب سيادي من دمشق (ساعات تشغيل/تطويرات محددة) دون المساس بجوهر الوجود.

الأثر على توازن الردع والعلاقات الإقليمية:
التثبيت يحافظ على “ردع الحد الأدنى” ويطمئن أنقرة/تل أبيب ويقلّل حساسية واشنطن.
التوسيع يرفع الردع لكنه يزيد خطر الاحتكاك والتحسّس الإقليمي.
إعادة التفاوض تمنح شرعية مؤسسية محدثة وقد تُقرأ كتطبيع مؤسسي.

خامساً: المحور الاقتصادي

منطق التنفيذ

مشاريع صغيرة/متوسطة، منخفضة الحساسية للعقوبات، عالية الأثر الخدمي، بتمويلات مرنة: EPC صغير، BOT مصغّر، مقايضة، روبل–ليرة، وسطاء تأمين محايدون، تحكيم إقليمي.

قائمة المشاريع الاقتصادية المرشّحة (2025–2026)

1) الطاقة والكهرباء
المشروع: إعادة تأهيل محطات تحويل وشبكات متوسطة في حمص/حماة.
الشريك الروسي المحتمل: Inter RAO مع وزارة الكهرباء السورية.
التمويل/العائد: EPC صغير + O&M؛ مقايضة (كهرباء مقابل منتجات زراعية/فوسفات)؛ تقليص الانقطاعات وتحسين الكفاءة.
معوّقات: تأمين شحن/تحويلات/قطع غيار.

2) النفط والمشتقات
المشروع: صيانة وحدات التقطير في Baniyas/Homs وتوريد مشتقات محدودة عبر ممرات مؤمّنة.
الشريك: Zarubezhneft أو مزودون خدميون روس بإشراف وزارة الطاقة.
التمويل: عقد خدمة مقابل حصة إنتاج/مقايضة.
العائد: رفع كفاءة جزئية للمصافي وتقليل الفاقد.

3) الفوسفات والتعدين
المشروع: تشغيل مقاطع Khneifis/Sharqiya بنظام مشاركة إنتاج PSA مصغّر (3–5 سنوات)، وتصدير عبر Tartus.
الشريك: Stroytransgaz.
المخاطر: أمن ميداني/نقل؛ تأمين بحري؛ شفافية امتيازات.

4) المرافئ واللوجستيات
المشروع: تطوير أرصفة Tartus وبناء رصيف حاويات جديد في Lattakia؛ أنظمة تتبّع ومناولة.
الشركاء: Rosmorport + Novatek Logistics.
التمويل: BOT مصغّر (15–20 عامًا) مع امتيازات تشغيل.
الأثر: عقدة نقل شرق متوسط؛ خفض زمن المناولة؛ جذب خطوط إقليمية.

5) الحبوب والأمن الغذائي
المشروع: إنشاء صوامع بسعة 200 ألف طن + توريد قمح روسي بآلية مقايضة جزئية.
الشريك: United Grain Company.
التمويل: ائتمان قصير الأجل من مصارف زراعية روسية؛ قنوات دفع بديلة.

6) النقل والسكك الحديدية
المشروع: تأهيل محور Tartus–Homs؛ إدخال قاطرات روسية؛ ورش صيانة وتدريب.
الشريك: RZD.
التمويل: عقد تشغيل/صيانة/تدريب لعشر سنوات.
الأثر: تقليص زمن النقل التجاري 30–40% ودعم سلاسل الإمداد.

7) الاتصالات والدفع الإلكتروني
المشروع: بوابات دفع محلية وربطها بنظام MIR؛ حلول FinTech محلية.
الشركاء: Rostelecom + شركات سورية.
التمويل: SaaS + ريع استخدام؛ امتثال AML/CFT.
الأثر: تقليل الاعتماد على SWIFT؛ تسهيل التجارة الثنائية.

خارطة طريق 3–6–12 شهرًا + مؤشرات الأداء (KPI)

سادساً: تحليل المخاطر والمرونة

مصفوفة مختصرة (احتمال × أثر):

خطط مرونة: تقسيم المشاريع إلى وحدات صغيرة؛ خطوط إمداد بديلة؛ توطين قطع الغيار؛ تأمين عبر وسطاء؛ تحكيم إقليمي محايد؛ اختبارات ضغط سيبراني ربع سنوية.

سابعاً: السيناريوهات المجمّعة (12 شهرًا)

السيناريو المرجّح:
قواعد: تثبيت مع تحديثات فنية.
قضائي: عدم تسليم؛ إنابات/استماع محدود.
اقتصاد: باقة مشاريع خدمية صغيرة–متوسطة (كهرباء/مرافئ/حبوب/دفع).
الأثر: نفوذ روسي هادئ مستدام؛ مكاسب معيشية تدريجية في سوريا.

السيناريو المتفائل:
قواعد: تحديثات أوسع دون ردود فعل معاكسة.
قضائي: تعاون رمزي غير مُلزِم يُخفف الضغوط.
اقتصاد: توسّع إلى PSA فوسفات/لوجستيات بوتيرة أعلى؛ قنوات تمويل عربية محايدة.

السيناريو المتحفظ:
قواعد: تجميد تحديثات؛ حساسية ميدانية.
قضائي: تصلّب علني؛ تجميد قنوات التعاون.
اقتصاد: تباطؤ/تأجيل رزم؛ تضييق تأميني ومصرفي.

خرائط قرار (مختصر نصّي):
ضغط إقليمي ↑ ⇒ تحديثات فنية ↓ + ترجيح مشاريع منخفضة الحساسية.
قنوات قضائية هادئة ⇒ رفض تسليم + إنابات ⇒ كلفة رمزية منخفضة.
وفرة تمويل/تأمين ⇒ توسّع تدريجي في اللوجستيات/الحبوب ⇒ أثر معيشي مباشر.

ثامناً: توصيات عملية

لصانع القرار الروسي (30/90/180 يومًا):
30 يوماً: فرق عمل مشتركة؛ خارطة امتثال للعقوبات؛ بروتوكول صيانة غير توسعي للقواعد.
90 يوماً: عقود EPC صغيرة (كهرباء/مرافئ)؛ خط قمح تجريبي؛ إطار إنابات قضائية ثنائية.
180 يوماً: تقييم PSA للفوسفات/PMTO؛ تشغيل بوابة دفع محلية؛ مراجعة دوريات الشرطة العسكرية وفق الطلب الإقليمي.

لصانع القرار السوري:
تبسيط التراخيص والامتثال؛ وحدة مركزية للعقود؛ ضمانات سيادية لوجستية وتأمينية؛ تواصل عام يشرح الأثر الخدمي.
تحكيم إقليمي محايد؛ بنود خروج واضحة؛ تحصين سيبراني للبنى المالية.

للشركاء العرب:
قنوات تمويل محايدة لمشاريع الغذاء/المرافئ؛ شبك لوجستي شرق المتوسّط؛ أطر إنسانية مشتركة منخفضة الحساسية.

للشركات الروسية:
فحص امتثال مبكر؛ تجزئة العقود؛ وسطاء تأمين محايدون؛ KPIs شهرية؛ خطط طوارئ لوجستية.

تاسعاً: الخلاصة العامة

تكشف زيارة 15 أكتوبر 2025 عن نقطة توازن جديدة: نفوذ روسي “هادئ” راسخ بالقانون والوقائع (اتفاقات Hmeimim/Tartus) ويتغذّى باقتصاد مشاريع صغيرة قابلة للتوسع؛ مقابل قيادة سورية تبحث عن استقرار مؤسسي ومكاسب معيشية. القراءة الغربية تقرّ بأن موسكو قادرة على البقاء وإدارة النفوذ بأدوات مرنة رغم القيود، وأن سوريا تتحول من عبء سياسي إلى أصل استراتيجي بجدوى اقتصادية–أمنية.

المراجع (مختارة)

مصادر روسية رسمية/إعلامية:

1. Kremlin (Official): Meeting of Vladimir Putin with Syrian President Ahmed al-Sharaa — 15 Oct 2025.
   https://en.kremlin.ru/events/president/news/78213
2. RBC (Russia): تغطيات اقتصادية مرافقة للزيارة (الطاقة، المرافئ، الإعمار).
3. Vedomosti (Russia): تحليلات “إعادة تعريف الشراكة” بعد التغيير السياسي في دمشق.
4. Izvestia (Russia): ملفات الطاقة والمشتقات ضمن جدول المحادثات.
5. Rossiyskaya Gazeta (Russia): نشر الاتفاقات القانونية الخاصة بـ Hmeimim (2015/2016) و Tartus (2017).

مصادر غربية/أمريكية:

6. Reuters: Coverage of the visit and the focus on Russian bases (15–16 Oct 2025).
7. Financial Times: “Reset” framing of Russia–Syria ties after leadership change (Oct 2025).
8. The Guardian: قراءة “النفوذ المرن منخفض الكلفة” (Oct 2025).
9. Washington Institute: تحليلات الطاقة والتدفقات وآليات التمويل البديل في سوريا ولبنان (2025).
10. IISS: “Tartus port and Syria’s new geo-economic strategy” (Jul 2025).
11. Atlantic Council: “Sanctions, Small Deals, and Russia’s Economic Strategy in Syria” (Nov 2025).
12. Brookings Institution: “Moscow’s Political Calculus in Post-Assad Syria” (Oct 2025).
13. Foreign Policy / Foreign Affairs: مقالات تحليلية حول “القوة الذكية” الروسية وإعادة الضبط في الشرق الأوسط (2025).