سفير ليبيا الأسبق يكشف تفاصيل تسليح أوكرانيا للميليشيات في ليبيا ودول الساحل

سفير ليبيا الأسبق لدى دمشق، محمد المرداس

في شهادات تكشف لأول مرة تفاصيل عميقة، اتهم السفير الليبي الأسبق لدى دمشق، محمد المرداس، الحكومة الأوكرانية بتسيير عمليات تسليح منهجية، عبر الجزائر، تصل طائراتها المسيرة والأسلحة إلى ميليشيات ليبية وإرهابية في الساحل الأفريقي. وجاءت هذه التصريحات في حوار حصري مع مركز المستقبل، سلط فيه الضوء على خلفيات هذه الصفقات وتداعياتها المدمرة على الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي هو “إزعاج روسيا” في ساحات خارج أوكرانيا من جهة، وإبقاء الدبيبة في منصبه لأطول فترة ممكنة من جهة أخرى.

تفاصيل الصفقات وطريق السلاح

رداً على سؤال حول التقارير التي تؤكد دخول أسلحة ومسيرات أوكرانية إلى ليبيا عبر الجزائر، تحت إشراف الملحق العسكري الأوكراني “أندري بايوك” وبتنسيق من وكيل وزارة الدفاع، عبد السلام زوبي، من طرف حكومة الدبيبة، قال السفير المرداس: ” ان عرّاب هذه الصفقات هو إبراهيم الدبيبة، وهو صاحب توجه “التودد” للغرب، وباستشارة وصلت لهم، يتوجب على معسكر الدبيبة أن يكون على عداء مع روسيا للحصول على استعطاف الولايات المتحدة الأميركية والغرب ككل، كونه يبحث عن تكرير نفسه والإبقاء على حكومته منتهية الشرعية، ولهذا يرفع شعارات معادية لروسيا الاتحادية والفيلق الروسي. والدليل على هذه الحرب هو خطاب وزارة الخارجية الروسية شديد اللهجة على لسان ماريا زاخاروفا، فيما يخص وصول المعدات العسكرية إلى يد الجماعات المسلحة في ليبيا ودول الساحل من أوكرانيا.

ولفت السفير إلى أن الأسلحة الأوكرانية “بسيطة جداً”، معتبراً أن الانهيار على الجبهات في أوكرانيا حولها إلى “دولة ميليشياوية، وحكومة حرب غير مسيطر عليها”. وخلص إلى أن هذه العملية ليست سوى “محاولة لإزعاج روسيا وتصدير المشاكل إلى خارج الحدود الأوكرانية”، مشيراً إلى أن هذه المعدات بنهاية المطاف تصِل إلى يد الجماعات الإرهابية والمتشددة التي بدورها تعمل على زعزعة أمن وإستقرار المنطقة ككل.

الجزائر.. الإدارة والمصلحة في إشعال الفوضى

عند سؤاله عن المصالح الأوكرانية المباشرة، وسّع السفير المرداس دائرة الاتهام ليشمل الجزائر، الذين وصفهم بأنهم “يلعبون لعبة قذرة منذ أكثر من 40 عاماً عن طريق تسليح الجماعات الإسلامية”. وأكد أن الجزائر اليوم تمارس نفس اللعبة مع ليبيا عبر تسريب الأسلحة إلى الحدود الليبية بإشراف المخابرات الجزائرية.

وقال السفير: “خلافنا مع الجزائر هو أنها غير راغبة في الاستقرار في ليبيا”، موضحاً أن الاستقرار في ليبيا مدعوم من دول عدة على رأسها مصر، بينما تستمر الجزائر في “دعم الإخوان المسلمين”. ووصف ما يحدث بأنه “تواطؤ من حكومة الدبيبة وحكومة السيد تبون ومحاولة لإشعال الفوضى في الدول التي انسحبت منها فرنسا في الأونة الأخيرة”.

أوكرانيا.. من دولة إلى “مصدر للإرهاب”

وبسؤاله عما إذا كانت أوكرانيا أصبحت مصدراً للإرهاب، أجاب السفير بالموافقة على هذا الطرح، قائلاً: “هذا الطرح حدث من قبل في أفغانستان والسودان”. وربط ذلك بمشاكل الفساد داخل المؤسسة الأوكرانية، مشيراً بشكل خاص إلى وزير الدفاع الأوكراني الذي تشوبه العديد من الشبهات وقضايا فساد وتهريب وبيع السلاح والمعونات الأوروبية التي تصله، وهو ما دفع ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ إجراءات صارمة فيما يخص تزويد أوكرانيا بالسلاح.

واستدل السفير على وجود خبراء أوكران في ليبيا، قائلاً: “وجود بعض الخبراء الأوكران في طرابلس مع السيد عبد السلام الزوبي وتدريب ميليشيا 111 على استخدام درونات تصويرية يتم تعديلها وإستخدامها لإسقاط قنابل خفيفة”. مؤكداً أن “كل هذه أسباب لعدم الاستقرار في المنطقة الغربية والتي يدفع ثمنها الشعب الليبي”.

المطالبات بالتعويضات.. الحق يبرر والصراع يمنع

في سياق التدخل الأجنبي في ليبيا، تطرق الحديث إلى المطالبات المتزايدة في ليبيا بمطالبة دول الناتو التي قصفت ليبيا عام 2011 بالتعويض. ووصف السفير هذه المطالبات بأنها “حقوقية”، معتبراً أن اعترافات بعض قادة تلك الدول، مثل ترامب وحمد بن جاسم، أعطت الشعب الليبي “الحق في المطالبة بالتعويضات”.

غير أنه شكك في إمكانية تبني هذه المطالبات رسمياً في الوقت الراهن، قائلاً: “في ظل هذا الصراع جميع الأطراف الليبية لا تريد مواجهة الدول الكبرى”. ورأى أن المطالبة الآن ستُخسر ليبيا مرونتها السياسية، مقترحاً تأجيلها.

وأشار إلى أن تيار سبتمبر المتمثل في سيف الإسلام القذافي هو الأكثر تمسكاً بهذه المطالبات لإثبات أن الحرب كانت غير شرعية على نظام والده. مشيراً إلى ان الطريق الأمثل للمطالبة بالتعويضات عبر المنظمات الحقوقية حتى لا يتم تسيس هذه المطالب في وقتٍ لاحق.

تصريحات السفير محمد المرداس تكشف النقاب عن مشهد جيوسياسي معقد، حيث تتحول ليبيا مرة أخرى إلى ساحة لصراعات بالوكالة، باستخدام أسلحة متطورة تصل إلى أيدي الميليشيات والجماعات المتطرفة عبر أوكرانيا.

هذه الشهادات تضع علامات استفهام كبرى حول مسؤولية الأطراف الدولية والإقليمية في تأجيج نار الفوضى التي تدفع ثمنها الشعوب، وتؤكد أن الطريق نحو الاستقرار في ليبيا لا يزال محفوفاً بتدخلات خارجية تهدف إلى تحقيق مكاسب على حساب الأمن الليبي والسلم الإقليمي.

الجدل حول تصريحات السفير الليبي السابق

المحلل السياسي و الكاتب الصحفي عمر البدري

قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي عمر البدري إن تصريحات السفير الليبي السابق لدى سوريا، محمد المرداس، أثارت جدلاً واسعاً حول ما تردد عن دور أوكرانيا في تسليح مجموعات مسلحة داخل ليبيا ودول الساحل، مشيراً إلى أن ما طرحه المرداس لا يمكن تجاهله في ظل تشابك الملفات الإقليمية والدولية في المنطقة.

إمكانات أوكرانيا العسكرية ودلالاتها

وأضاف البدري أن حديث المرداس عن امتلاك كييف “إمكانات عسكرية تسمح بالتدخل غير المباشر”، وإشارته إلى تشغيل طائرات مسيّرة من طراز “بايراكتار” و”مافيك 3” المعدّلة، يؤكد أن أوكرانيا لديها الخبرة والقدرة على إرسال مدربين دون الحاجة إلى أعداد كبيرة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة النشاط الأوكراني خارج أراضيها.

تقارير تتهم حكومة الوحدة الوطنية الليبية

وأوضح أن تزامن هذه التصريحات مع تقارير إعلامية تتهم حكومة الوحدة الوطنية الليبية باستقدام مسيّرات أوكرانية عبر ممرات تهريب تمرّ من الجزائر، بمساعدة الملحق العسكري الأوكراني في الجزائر أندري بايوك، يجعل الصورة أكثر تعقيداً، خاصة مع صمت رسمي جزائري يثير علامات استفهام حول حقيقة الموقف.

موقف الأمم المتحدة وتحذيراتها

وأشار البدري إلى أن تحذير مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، حنّا تيتيه، من اتساع الفجوة بين أقوال الأطراف الليبية وأفعالها، وتلويحها باعتماد “نهج بديل” في حال فشل الحوار السياسي، يعكس حجم القلق الدولي من استمرار الانقسام الليبي، مؤكداً أن ليبيا أصبحت ساحة مفتوحة للتجاذبات أكثر من كونها ساحة للحوار الوطني.

غياب الأدلة وتعدد الروايات

وقال البدري إن غياب الأدلة الميدانية والاستخباراتية الموثوقة التي تثبت تورط كييف بشكل مباشر يجعل القضية عالقة بين الاتهام والتحليل، لكنه شدد على أن مجرد تداول هذه المزاعم يعكس احتدام الصراع الدولي على النفوذ في شمال أفريقيا، واحتمال استخدام ليبيا مجدداً كساحة لتصفية الحسابات بين موسكو وكييف.

ليبيا بين صراع النفوذ ومعركة الروايات

وأضاف أن محاولة توريط كييف – سواء كانت حقيقية أو مفتعلة – ليست حدثاً عرضياً، بل جزء من معركة روايات دولية تدور رحاها فوق الأراضي الليبية والساحل الأفريقي، مؤكداً أن ليبيا أصبحت مجدداً في قلب صراع لا تملك أدواته ولا تتحكم بنتائجه.


اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بين هتافات المتظاهرين في فرنسا ودوي الانفجارات في دارفور.. الصراع السوداني يتحول إلى قضية دولية

في مدينة ليل شمال فرنسا، شهدت الساحات تجمعاً لمتظاهرين سودانيين ونشطاء أوروبيين رفعوا شعارات تطالب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *