مقصلة “الجنائية الدولية” تقترب من عنق البرهان.. دعوى قضائية ضد سلطات بورتسودان بتهم متعددة

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير عام 2019، تعالت الأصوات المطالبة بتسليم البشير وعدد من المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. غير أن العسكريين الذين شاركوا في الثورة والسلطة الانتقالية آنذاك، أبدوا رغبة في أن يتولى القضاء السوداني محاكمة المتهمين داخليًا، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم، إذ لم تجرِ محاكمة أي مسؤول عسكري على الانتهاكات التي ارتُكبت خلال الثورة وما بعدها.

وفي تطور لاحق، وبعد أن أحكم العسكريون سيطرتهم على السلطة، أعلن السودان انسحابه من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لإجهاض أي تحرك مستقبلي لمحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات.

ويرى عدد من الخبراء والحقوقيين أن قادة سلطة بورتسودان، وعلى رأسهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يمتلكون سجلًا من الانتهاكات والجرائم التي قد تُعرضهم للمساءلة أمام المحاكم الدولية، وهو ما يشكل تهديدًا لمستقبلهم السياسي. كما يشير محللون إلى أن بعض القوى الإقليمية والدولية قد تستخدم هذه الاتهامات كورقة ضغط على الطرفين المتقاتلين في السودان — الجيش وقوات الدعم السريع — بما يخدم مصالحها السياسية.

دعوى قضائية ضد قادة سلطة بورتسودان

في هذا السياق، رفع “التحالف السوداني للحقوق” دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أربعة من كبار القادة العسكريين في سلطة بورتسودان، بينهم رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. وتتهم الدعوى هؤلاء القادة باستخدام أسلحة كيميائية وارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

وتشمل الدعوى كلاً من عبد الفتاح البرهان، وياسر العطا، وشمس الدين الكباشي، واللواء طاهر محمد. وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين بالتعاون مع فريق من المحامين الدوليين.

ويأتي هذا التحرك بعد فشل جهود الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” في التوصل إلى حل سلمي للأزمة السودانية، إذ رفض الجيش السوداني الدخول في حوار أو الالتزام باتفاقيات السلام، ما دفع بعض منظمات المجتمع المدني إلى اللجوء إلى العدالة الدولية.

القضية أثارت أيضًا قلقًا إقليميًا من تنامي نفوذ الميليشيات المتحالفة مع السلطات السودانية، والتي يُعتقد أنها قد تهدد أمن الحدود واستقرار المنطقة. كما تحدثت مصادر حقوقية عن احتمال كبير لقبول الدعوى ضد البرهان من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

خبراء: أدلة قوية واحتمالات قبول مرتفعة

يقول الدكتور محمد سعيد الأسمر، الباحث المتخصص في القانون الدولي والعدالة الجنائية، إن البرهان، بصفته القائد الأعلى للجيش السوداني منذ سقوط نظام البشير، يتحمل المسؤولية القانونية عن جميع العمليات العسكرية التي نفذها الجيش منذ ذلك الوقت، بما في ذلك تلك التي وقعت أثناء الثورة. ووفقًا للأسمر، فإن هذا يرفع من احتمالية قبول المحكمة الدعوى ضده.

وأشار إلى أن مصادر من داخل المحكمة تؤكد أن الاتهامات ضد البرهان مدعومة بأدلة وشواهد وبراهين، مما يعزز فرص المضي في القضية.

الاتهامات الموجهة

بحسب الدكتور الأسمر، تتضمن الدعوى عددًا من التهم، أبرزها استخدام السلاح الكيماوي وبعض الأسلحة المحظورة دوليًا بأوامر مباشرة من القيادة العسكرية، ما تسبب في خسائر بشرية واسعة في صفوف المدنيين خلال المعارك ضد قوات الدعم السريع.

كما تتهم الدعوى الجيش السوداني بالاستعانة بميليشيات إسلامية متطرفة، بينها كتيبة “البراء بن مالك”، المصنفة على قوائم الإرهاب، إلى جانب تعاون مزعوم مع دول ومنظمات كإيران واستيراد مسيّرات وأسلحة منها، في خرقٍ لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار رقم 1591 المتعلق بحظر السلاح على السودان.

وتضيف الاتهامات أن القوات الجوية السودانية نفذت قصفًا استهدف مناطق مدنية في الفاشر والخرطوم، وتُحمِّل البرهان المسؤولية أيضًا عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة “الدعم السريع” عبر ميناء بورتسودان، ما تسبب في أزمات إنسانية ومجاعة وفقًا لتقارير أممية.

تحركات قضائية دولية سابقة

وكانت فرنسا قد رفعت في وقت سابق دعوى ضد البرهان أمام مجلس الأمن الدولي بمساعدة القاضي الفرنسي المعروف نيكولا غيو، الذي أصدر سابقًا مذكرات توقيف بحق شخصيات سياسية أخرى. غير أن تفاهمات دولية حينها حالت دون تنفيذ تلك الخطوة.

الخلاصة

تفتح الدعوى الجديدة أمام المحكمة الجنائية الدولية فصلًا جديدًا في مسار الأزمة السودانية، وسط تساؤلات حول مدى قدرتها على دفع أطراف النزاع نحو تسوية سلمية أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وبينما يرى البعض أن العدالة الدولية تمثل فرصة لإنهاء الإفلات من العقاب في السودان، يحذر آخرون من أن تدويل الملف قد يزيد تعقيد الأزمة السياسية والإنسانية القائمة.

وفي كل الأحوال، يبدو أن الملف السوداني بات أقرب من أي وقت مضى إلى أروقة لاهاي، حيث قد تحدد العدالة الدولية مستقبل قادة بورتسودان، وفي مقدمتهم الفريق عبد الفتاح البرهان.


اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بين هتافات المتظاهرين في فرنسا ودوي الانفجارات في دارفور.. الصراع السوداني يتحول إلى قضية دولية

في مدينة ليل شمال فرنسا، شهدت الساحات تجمعاً لمتظاهرين سودانيين ونشطاء أوروبيين رفعوا شعارات تطالب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *