قمة بوتين – ترامب المرتقبة: هل تمهد لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟

مقال تحليلي – خاص مركز المستقبل

تتجه الانظار الى العاصمة المجرية بودابست حيث يتوقع عقد لقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والامريكي دونالد ترامب، في محاولة جديدة لاعادة اطلاق المسار الدبلوماسي بشأن الازمة الاوكرانية التي دخلت عامها الرابع.
ورغم الزخم السياسي والاعلامي المحيط بالقمة، الا ان التساؤل الجوهري يبقى قائما: هل يمكن ان يحدث هذا اللقاء اختراقا فعليا في الحرب الاوروبية الاطول منذ الحرب العالمية الثانية؟

خلفية القمة وظروف انعقادها

تأتي المبادرة بعرض من رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان، الذي يسعى الى لعب دور الوسيط بين موسكو وواشنطن.
الكرملين اعلن رسميا ان القمة قد تعقد “في غضون اسبوعين”، مؤكدا ان التحضير ما يزال جاريا على مستوى وزارات الخارجية، بينما اشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى ان “الاهم ليس المكان او الزمان، بل مضمون التفاهمات التي سيتم تحقيقها”.

من جانبها، ادارة ترامب – العائدة حديثا الى البيت الابيض – تحاول توظيف اللقاء لتأكيد نهجها القائم على “الصفقات المباشرة” بدل المواجهات الطويلة.
لكن اوساطا اوروبية واوكرانية تبدي قلقها من ان اي اتفاق محتمل قد يأتي على حساب كييف او يفرض عليها تنازلات في الاراضي او السيادة.

الموقف الروسي: الثوابت لا تتغير

موسكو تكرر ان هدفها الرئيسي هو ضمان “الحياد الدائم لاوكرانيا” ومنع تمدد الناتو شرقا، مع الاعتراف بواقع الاقاليم الاربع التي اعلنت انضمامها الى روسيا عام 2022.
وتؤكد الخارجية الروسية ان اي وقف لاطلاق النار يجب ان يبنى على هذه المعطيات.

بحسب مراقبين روس، فان الكرملين ينظر الى القمة مع ترامب على انها فرصة لترسيخ شرعية ميدانية وسياسية لما تحقق عسكريا، اكثر من كونها تنازلا او بحثا عن انسحاب.
ويرى بعض المحللين في موسكو ان “بوتين يريد اتفاقا يجمد الوضع الحالي لا اكثر”، مما يمنح روسيا فرصة لترتيب اوراقها داخليا ومواصلة العمل على مشروع “الاتحاد الاوراسي الجديد”.

الموقف الامريكي: براغماتية ترامب وواقعية السياسة

ترامب، الذي عبر اكثر من مرة عن تشككه في امكانية انتصار اوكرانيا عسكريا، يرى ان الوقت قد حان “لصفقة توقف نزيف الاموال والسلاح”.
ووفقا لتقارير رويترز واسوشيتد برس، يدرس فريقه تقديم تصور يقوم على وقف اطلاق نار مشروط بترتيبات امنية وضمانات غربية لاوكرانيا، مقابل تجميد العقوبات تدريجيا عن روسيا.

لكن داخل الولايات المتحدة، تواجه هذه المقاربة انقساما حادا:
– جناح يرى ان الحوار مع بوتين واقعي وضروري لانهاء الحرب.
– وجناح آخر يعتبر ان اي تفاوض الان يمنح موسكو مكسبا استراتيجيا مجانا.
في المقابل، لا تبدي كييف حماسة تجاه اللقاء، اذ تعتبر انه “لا يمكن تقرير مصير اوكرانيا دون مشاركة اوكرانيا نفسها”.

اوروبا بين الحذر والانتظار

الاتحاد الاوروبي يتعامل مع اللقاء بترقب حذر.
ففي العواصم الاوروبية، يخشى ان يؤدي اي اتفاق ثنائي امريكي – روسي الى تهميش الدور الاوروبي الذي حاول الاتحاد الحفاظ عليه منذ اتفاقيات مينسك عام 2015.
كما ان عددا من دول الشرق الاوروبي – مثل بولندا ودول البلطيق – ترى في ترامب وسياساته تهديدا لتماسك الموقف الغربي تجاه روسيا.

في المقابل، ترحب دول مثل المجر وسلوفاكيا والنمسا باي انفراج سياسي يخفف من اعباء الحرب الاقتصادية والطاقة.

العراقيل المحتملة امام التسوية

رغم المؤشرات الايجابية الشكلية، الا ان العقبات الموضوعية تبقى كثيرة:

  • غياب الثقة المتبادلة بين موسكو وواشنطن بعد سنوات من العقوبات والحروب الاعلامية.
  • الملف الاقليمي الواسع المرتبط بالازمة: من العقوبات والطاقة الى الامن النووي والوجود العسكري في البحر الاسود.
  • موقف كييف الرافض لاي اتفاق يكرس فقدان الاراضي.
  • التنافس الداخلي الامريكي، حيث قد يستخدم اللقاء كورقة انتخابية اكثر من كونه مبادرة استراتيجية.

تحليل واقعي للنتائج المحتملة

من الناحية العملية، من غير المرجح ان تنهي قمة بودابست الحرب بشكل فوري.
لكن يمكن ان تفتح الباب امام ثلاثة مسارات محتملة:

السيناريوالمضمونالنتيجة المحتملة
1. اتفاق اطاراعلان نوايا لوقف النار ومفاوضات لاحقة برعاية دوليةتهدئة محدودة دون انسحاب فعلي
2. صفقة مؤقتةوقف اطلاق نار لستة اشهر مع مراقبة مشتركةتجميد الصراع واستمرار الضغط الاقتصادي
3. فشل سياسيعدم التوصل الى تفاهم بسبب الشروط المسبقةتصعيد محدود واستمرار الحرب بشكل منخفض الحدة

خلاصة

اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب يحمل رمزية كبيرة لكنه لا يملك حتى الان مقومات الحل النهائي.
فالازمة الاوكرانية تجاوزت كونها صراعا بين دولتين لتتحول الى نزاع على بنية النظام الدولي نفسه:
بين روسيا التي تسعى لتكريس تعددية الاقطاب، والولايات المتحدة التي تحاول الحفاظ على زعامتها للنظام الغربي.

ولذلك، فان قمة بودابست قد تكون نقطة بداية لمسار جديد اكثر من كونها نهاية لحرب قد تظل باردة او مشتعلة، لكنها بالتأكيد لن تحسم في جلسة واحدة بين بوتين وترامب.


اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بين هتافات المتظاهرين في فرنسا ودوي الانفجارات في دارفور.. الصراع السوداني يتحول إلى قضية دولية

في مدينة ليل شمال فرنسا، شهدت الساحات تجمعاً لمتظاهرين سودانيين ونشطاء أوروبيين رفعوا شعارات تطالب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *