يكاد يجمع المحللون المطلعون على الملف الليبي على أن البلاد ما تزال تشكل ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع الأجندات السياسية في مشهد معقد يُدار من العواصم الأجنبية بينما تدفع ليبيا ثمنه أمناً واستقراراً وسيادة. وفي خضم هذا المشهد، تبرز التقارير المتعلقة بالتدخل العسكري الأجنبي المباشر وغير المباشر كأحد أبرز تجليات استمرار استنزاف مقدرات الدولة الليبية.

وفي هذا الإطار، كشف المحلل السياسي الليبي أنس الزيداني، في حوار خاص مع مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر،
عن تفاصيل دقيقة تتعلق بصفقات الأسلحة الأوكرانية وآلياتها، مؤكداً أن هذه العمليات ليست الأولى وكانت بدايتها قبيل مقتل قائد قوات دعم الاستقرار، غنيوة الككلي، من خلال شراء الأسلحة من دول أوكرانيا ودول أخرى في إفريقيا.
الطائرات المسيرة والخبراء الأوكرانيون: أدوات لتحقيق مكاسب مادية… وسياسية محتملة
ورداً على سؤالنا حول تقييم خطورة الصفقات الأخيرة للأسلحة التي دخلت عبر الجزائر تحت إشراف الملحق العسكري الأوكراني، أندري بايوك، وبالتنسيق مع وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، عبد السلام الزوبي، أوضح الزيداني أن الدور الأوكراني حتى اللحظة يتركز على الجانب المادي. وقال: “حتى هذه اللحظة لم تلعب أوكرانيا أي دور سياسي في ليبيا، لكن يمكننا القول إن قيام أوكرانيا ببيع الأسلحة في ليبيا الهدف منه هو تحقيق مصالح سياسية على المدى البعيد، وحتى هذه اللحظة المكاسب الأوكرانية من هذه الصفقات هي مادية فقط”.
غير أن الزيداني استدرك موضحاً أن هذا النشاط لا يقتصر على بيع الأسلحة فقط، بل يتعداه إلى وجود مباشر على الأرض، والأمر لا يقتصر على استخدام الطائرات المسيرة فحسب، بل هنالك خبراء أوكرانيين داخل الأراضي الليبية يدربون الليبيين. مؤكداً أن هذا النفوذ العسكري المادي قد يتحول مع الوقت إلى مكاسب سياسية تهدف إلى “معادات دول بعينها” في إشارة واضحة إلى روسيا.
صفقة ثلاثية: أوكرانيا وتركيا و”الدبيبة” في مواجهة النفوذ الروسي
وعن تعليقه على اتهامات الخارجية الروسية لرئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بالتواطؤ مع أوكرانيا لدعم الإرهاب، كشف الزيداني عن بعد جيوسياسي أكثر خطورة للقضية. حيث قال: “يمكن القول إن هذه الصفقة تتم باتفاق غير معلن بين أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية”، موضحاً أن جزءاً من هذا السلاح يصل الى الجماعات المسلحة في الصحراء الجنوبية “لمجابهة التواجد الروسي في ليبيا” وفق أجندات الغرب.
ولإثبات التنسيق الميداني عالي المستوى بين هذه الأطراف، استشهد الزيداني بمعلومة دقيقة مفادها أنه في وقتٍ سابق “خلال اجتماع رسمي، تحدث السيد عبد الحميد الدبيبة إلى آمر اللواء 444، محمود حمزة، وأمره بالاستعداد لمجابهة بعض المشاكل في الجنوب الليبي”، مما يشير إلى خطط الدبيبة المسبقة لتأجيج الأوضاع في الجنوب ومن ثم إرسال قواته بحجة بسط الأمن والسيطرة.
وفي سياق تمويل هذه الصفقات، أكد الزيداني صحة المعلومات التي اشارة إلى استخدام أموال تم مصادرتها في تركيا لتمويل صفقات السلاح مع أوكرانيا. وقال الزيداني: “هذه معلومات حقيقية وقد قمت بكتابة منشور على صفحتي الشخصية على فيسبوك وقمت بحذفه لكنها معلومات صحيحة”، كاشفاً أن هذه الأموال الضخمة تم تحويلها من إسطنبول إلى أوكرانيا ضمن صفقة أسلحة وهنالك 60 مليون دولار تم حجزها.
من تدخل الناتو إلى مطالبة التعويضات: جراح ماضٍ تنتظر العدالة
وبالعودة إلى ملف التدخلات التاريخية، وعند سؤاله عن مطالب التعويضات عن تدخل حلف الناتو في 2011، استذكر الزيداني، وهو ابن أحد ضحايا مجزرة أبو سليم، الفارق في الأوضاع الأمنية قائلاً: “بغض النظر عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية في عهد القذافي كانت ليبيا تعيش في حالة من الأمن والأمان وهو ما كنا نعتبره أمراً عادياً… لكننا عرفنا قيمة هذا الأمن عندما مات القذافي”.
وشدد على أن الهدف الحقيقي من تدخل الناتو لم يكن إنسانياً، بل كان لتدمير القوات المسلحة في ليبيا، وتدمير البنية التحتية من أجل السيطرة على الثروات الليبية، مستدلاً على ذلك بأن فرنسا شرعت في قصف ليبيا قبل تصويت مجلس الأمن.
وأكد الزيداني على حق الدولة والمواطن الليبي في رفع قضية ضد حلف الناتو الذي تسبب في دمار ومقتل الليبيين وقال: “من حق الدولة الليبية والمواطن الليبي أن يرفع قضية ضد حلف الناتو الذي تسبب في دمار ومقتل الليبيين، لكن كدولة تطالب ليبيا حتى هذه اللحظة لم تصبح دولة منذ عام 2011، اليوم نرى بصيص أمل في المنطقة الشرقية وهنالك جيش ليبي وكلمة موحدة على الرغم من وجود الكثير من التجاوزات. هذه القضية يمكن تبنيها فقط في حال كانت ليبيا موحدة يجب أن يتم التوحيد في الأول ومن ثم المطالبة بالتعويضات كدولة”.
اكتشاف المزيد من مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية وتقييم المخاطر 